[size=24][size=24]
[/size][/size]
[size=32]
[/size][size=32][/size][size=48]سورة مريم[/size][size=32][/size]
[size=32]
[/size]
[size=32]الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا
إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا
وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
، هذه السورة في مجملها تتحدَّث عن شيئين
كما ورد هذا في آخرها إذا يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً ﴾
( سورة مريم )
خلاصة سورة مريم بشارة للمؤمنين وإنذار للكافرين :
كأن هذه السورة بأكملها تبشِّر المؤمنين وتنذر الفاسقين ، كيف بشَّرت المؤمنين ؟
ربنا سبحانه وتعالى ذكر فيها قصَّة سيدنا زكريَّا ، ويحيى ، ومريم ، وعيسى ، وإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وموسى ، وهارون
وإسماعيل ، وإدريس ، كل هؤلاء الأنبياء الكرام ورد ذكرهم في هذه السورة الكريمة
أولئك الذين أنعم الله عليهم ، كيف أنعم عليهم في الدنيا والآخرة ؟ وكيف أعطاهم ؟
وكيف رحمهم ؟
وذكر الذين تركوا الصلوات ..
﴿ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾
( سورة مريم : " 59 " )
وكيف أنهم سيلقون غيَّاً ، إذاً هذه السورة بأكملها بِشارةٌ للمؤمنين ، وهذه أمثلةٌ كثيرةٌ جداً
وإنذارٌ للمعرضين
فكأنها تطبيقٌ عملي لأولئك الذين يبتغون إلى ربهم الوسيلة .
الشيء الثاني :
أَنَّ هذه السورة بدأت بالأحرف : ﴿ كهيعص﴾
الأحرف المقطَّعة المعجِزة وأقوال المفسرين فيها :
ومعظم المفسِّرين يتوقَّفون عند هذه الحروف
ويقولون عنها :
" الله أعلم بمرادها " .
وبعض المفسرين يقولون :
" إنَّ هذا القرآن المعجز من جنس هذه الحروف " ، فكما أنَّ التراب نَفَخَ الله فيه من روحه فكان بشراً سوياً ، كذلك هذه الحروف جعل الله منها كتابه المعجز ، إذاً إنكم أيها البشر لن تستطيعوا
والحروف بين أيديكم أن تصوغوا كتاباً فيه إعجازٌ من كل النواحي ؛ إعجازٌ في التشريع
إعجازٌ في البلاغة ، إعجازٌ في الإخبار ، إعجازٌ في الإرشاد ، إعجازٌ في الهداية ، إعجازٌ في الدلالة
إنكم لن تستطيعوا أن تصوغوا من هذه الحروف التي بين أيديكم كلاماً بهذا الإعجاز، هذا قاله بعض المفسرين .
وبعضهم الآخر ، وقد عُزي هذا إلى الإمام عليٍ كرَّم الله وجهه ، قال : " إنها أوائلُ لأسماء الله الحسنى "
فيا كافي ، ويا هادي ، ويا ولي، ويا عالِم ، ويا صادق الوعد ، هذه روايةٌ عُزِيَت إلى الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه .
وفي تفسير الفواتح الإلهيَّة أن هذه الحروف : ﴿ كهيعص﴾
أوائل أسماء رسول الله
فجاء في هذا التفسير ؛ أن يا كافي عموم الأنام ، هذه الكاف ، وهاديهم إلى دار السلام ، بيمن العزيمة العليَّة ، ياء عَين ، وبصدق الهمَّة الصافية ، والقرآن كما قال الإمام عليٌّ كرَّم الله وجهه :
" ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه " ، القرآن حمَّال أوجه ، لك أن تقول مع معظم المفسِّرين : الله أعلم بمراده ، ولك أن تقول : إن هذا القرآن الكريم من هذه الحروف ، فيا معشر الجن والإنس ، يتحدَّاهم الله عزَّ وجل أن يأتوا بمثل هذا القرآن .. ﴿ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾
( سورة الإسراء : 88)
ترابٌ نفخ الله فيه فكان بشراً سويَّاً ، حروفٌ كان منها هذا القرآن المُعجز ، ولك أن تفهم هذه الحروف أنها أوائلُ لأسماء الله الحُسنى ، وقد عُزيت هذه الرواية إلى الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه ، ولك أن تفهمها أنها أوائلُ أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، يا كافي عموم الأنام بالهدى ، وهاديهم إلى دار السلام ، بيمن العزيمة العَليَّة ، وبصدق الهِمَّة الصافية .
على كلٍ هذا القرآن لا يعلم تأويله إلا الواحد الديَّان ، نحن نجتهد ، المفسِّرون اجتهدوا ، وأنا نقلت لكم ما قاله المفسرون .. ﴿ كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾
قصة زكريا عليه السلام دروسٌ وعبرٌ :
أَيْ أن هذه القصَّة هي ذِكْرٌ لرحمة الله التي نالت عبده زكريَّا .
أيُّها الإخوة الأكارم ، أتمنَّى عليكم ألاّ تظنوا أنّ هذه قصَّة تاريخيَّة ، ليس المقصود في كتاب الله أن تُروى القِصَص ، ولا أن تُنْقَل الحوادث ، ولا أن تصوَّر الشخصيات ، ولا أن يدور الحوار ، هذه كلُّها ليست من أهداف كتاب الله ، الله سبحانه وتعالى أراد من هذه القصَّة أن يضع بين أيديكم حقيقةً في التعامل معه ، ما منا واحدٌ إلا وله علاقةٌ بالله عزَّ وجل ، قد تأتي الأمور كما يشتهي ، ما الموقف الذي يجب أن يقفه ؟ وقد تأتي الأمور على خلاف ما يشتهي ، ما الموقف الذي يجب أن يقفه؟ إن هذه القصَّة على إيجازها تضع بين أيدينا حقيقةً أساسيَّةً في التعامل مع الله عزَّ وجل ، فكأنها . ﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ ﴾
وربُّ زكريَّا هو ربك ، وإله زكريَّا هو إلهك ، وإذا كان الله عزَّ وجل قد أعطى زكريا عليه السلام فلن يَضِنَّ عليك بالعطاء ، لو أنك اتبعت الطريق التي سار به سيدنا زكريا ..
﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾
هذا النبي الجليل ، هذا النبي العظيم له أتباع ، له موالون ، له تلامذة ، له مَنْ معه من المؤمنين ، هؤلاء خاف عليهم أن يضيعوا من بعده ، أن يُشتَّتوا ، أن يتفرَّقوا ، أن يجهلوا بعد علمٍ ، أن يضيعوا بعد الهُدى .. فـ : ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
نداء زكريا ربَّه خفيةً :
قال العلماء : " النداء هو ما كان بصوتٍ مسموع ، والمناجاة هي ما كانت في القلب " ، لقد نادى ، ومن آداب النِداء أن يكون خفيَّاً بصوتٍ منخفض ، فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا ، إِنَّهُ مَعَكُمْ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ، تَبَارَكَ اسْمُهُ ، وَتَعَالَى جَدُّهُ ))
( متفق عليه )
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
حكمة ورود لفظ الرب في قوله : إِذْ نَادَى رَبَّهُ :
وأنت أيُّها الأخُ الكريم ، تستطيع أن تدعو الله عزَّ وجل من دون أن تحرِّك شفتيك ، ويسمعك ، ويستجيب لك ، وهو معك في كل أحوالك ، فهذا النبي عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام نادى ربَّه ، كلمة(ربَّه)أيْ الذي ربَّاه ، الذي خلقه مِن العَدَم ، الذي جعل له الرحِمَ في بطن الأمِّ رحمةً ، والذي أمدَّه بالغذاء ، والذي شقَّ سمعه وبصره ، والذي كوَّن قلبه ، وخفقَ القلبُ في الأسبوع السادس ، وجرى الدم في الشرايين ، ونَمَت الأعضاء ، وظهرت الأعصاب ، واكتمل الخلق ، فلمَّا نزل إلى الدنيا كانت الهَدِيَّة الأولى : ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ*وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾
( سورة البلد : 8-10)
حليبٌ يتبدَّل تركيبه كل يوم ليوافق طبيعة المولود ، وأجهزته ، وقوَّة احتماله ، في هذا الحليب مواد قاتلة للجراثيم ، في هذا الحليب مواد تمنع التصاق الجراثيم بالأمعاء ، في هذا الحليب مناعةُ الأم كلُّها ، في هذا الحليب فوائد لا تعدُّ ولا تحصى ، إنه يأتي للطفل بارداً في الصيف ، دافئاً في الشتاء ، تثبت الحرارة طوال الرضعة ، جاهزٌ بجاهزيَّةٌ من الدرجة الأولى ، تعقيمٌ مثالي ، حرارةٌ مثاليَّة ، وقايةٌ من الأمراض كلِّها ، مناعةٌ تامَّة .. ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ*وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾
( سورة البلد : 8-10)
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾
ربَّه الذي ربَّاه ، الذي أطعمه وسقاه ، الذي خلق له هذه الأعضاء ، وتلك الأجهزة ، وهذه الحواس .. ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
الحث على كثرة الدعاء والتضرع :
أنت أيُّها الأخ الكريم هل تنادي ربَّك ؟ كم مرَّةً في الأسبوع تناديه ؟ مرَّةً واحدة ؟! النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو ربَّه في كل أحواله ؛ إذا خرج من البيت ، إذا دخل إلى البيت ، إذا دخل إلى السوق ، إذا خرج من السوق ، إذا التقى بإنسان ، إذا ارتدى ثيابه ، إذا خلع ثيابه .. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ ))
[الترمذي]
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾
شكوى زكريا إلى ربه الضعفَ والكِبرَ
معنى (وَهَنَ)أي ضعف ، لم يتحدَّث عن جلده ، ولا عن عضلاته ، ولا عن قدراته إنما تحدَّث عن عظامه ، فإذا كانت دِعائمُ البناء قد تضعضعت فلا شيء في البناء إلاّ وقد تداعى أوْ كاد . ﴿ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾
العظم وهو أساس البناء ، أساس الجسم قد ضعف ..
﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾
هذه من استعارات القرآن الرائعة ، شُبِّه الشيب بالشرر ، وشُبِّه الرأس بمكان اشتعال النار ، فإذا اشتعلت النار تطاير الشرر في كل الأنحاء ، فكأن وصول الشيب إلى رأس الإنسان بمثابة شررٍ اشتعل في رأسه .. يا .. ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾
من آداب الدعاء :
والعلماء قالوا : من آداب الدعاء ثلاثة آداب :
الأدب الأول : أن يكون خفية :
أن يكون الدعاء خفيَّاً .. هو دعا بلسانه ، لو لم يدعُ بلسانه لكان مناجاةً ، لكنَّه لم يدعُ في ملأٍ من الناس بل دعا في المحراب ، وقال : ﴿إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾
الأدب الثاني : التذلل والافتقار :
هذا هو الأدب الثاني في الدعاء ، التذلل ، التضعضع ، إظهار المسكنة ، إظهار العَجز ، إظهار الافتقار ، كيف تدعو خالق الأكوان وأنت في حالة كِبْر ؟ لا ، لابدَّ مع الدعاء من التذلل ، لابدَّ من إعلان الضعف ، لابدَّ من إعلان الافتقار ، لابدَّ أن تكون ، وأنت تدعو في حالة افتقارٍ إلى الله عزَّ وجل .. يا .. ﴿ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾
الأدب الثالث : حسنُ الظنِّ بالله عزو جل :
أجمل ما في هذه الآية قول الله عزَّ وجل على لسان سيدنا زكريَّا : ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾
في كل حياتي ما دعوتك مرَّةً ، وكنت شقياً بهذا الدعاء ، ومعنى شقياً أي محروماً ، العلماء قالوا : " الشقاء هنا الحرمان " .. ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾
كن عن همومك معرض اً وكِل الأمور إلى القضا
و أبشر بخيرٍ عاجــلٍ تنسى به ما قد مضـى
فلربَّ أمرٍ مسخطٍ لـك في عواقبه رضـــا
ولربَّما ضاق المضيـق ولربَّما اتسع الفضــا
الله يفعل ما يشـــاء فلا تكونَنَّ معترضــا
الله عوَّدك الجميـــل فقس على ما قد مضى
* * *
﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾
يا رب ، ما دعوتك في حياتي مرَّةً وخيِّبت ظنَّي ، إلا وأكرمتني ، وأعطيتني ، ورحمتني ، ورزقتني ، ويَسَّرت أمري ، إذاً هذا هو الأدب الثالث في الدعاء .
الأدب الأول : أن يكون الدعاء خفيَّاً .
والأدب الثاني : أن يكون مع الدعاء ضراعةٌ ، وتذلُّل ، وافتقارٌ .
والأدب الثالث : أن تتوسَّل بظنٍّ حسنٍ بالله عزَّ وجل ، أن يكون خفياً ، وأن تكون مفتقرًا ، وأن تكون متوسلاً بظنٍ حسنٍ بالله عزَّ وجل .. ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾
من الصياغة المعجزة أن جاءت كلمة ( رب )معترضةً بين كلمة : ( دعائك )و : (شقيَّاً)، من التحبُّب ، ومن التودد ، ومن التعظيم أن تأتي كلمة ربي مُقْحَمَةً بين كلمتين متلازمتين ، وهذا درسٌ لنا ، الشيء الذي تراه مستحيلاً ، الشيء الذي يقلقك ، الشيء الذي يَقُضُّ مضجعك ، الشيء الذي تخاف منه ، شبح المصيبة التي يبدو أنها قادمة ، إن حدثَ هذا فبادرْ إلى الصلاة ، فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حَزَبَهُ أمرٌ بادرَ إلى الصلاة ، صَلِّ صلاة الحاجة ، صَلِّ صلاة الدُعاء ، صَلِّ في جوف الليل ركعتين واسأله كل حاجاتك ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ))
(متفق عليه ، واللفظ لمسلم)
﴿ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾
﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾
( سورة النمل : " 62 " )
قال العلماء : " إن المُضَّطر مستثنى من كل شروط الدعاء ، بشرط أن يقول : يا رب مِن كل قلبه " ، دون أن يقولها بلسانه ، وهو يعتمد على زيدٍ أو عبيد .. ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾
استكمالاً لهذه القصَّة ورد مقطعٌ قصيرٌ في آل عمران حول هذا الدعاء ، بماذا دعا ؟ السيدة مريم بنت عمران قد كفلها زكريا عليه السلام بعد أبويها ، قال تعالى : ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾
( سورة آل عمران : " 37 " )
السيدة مريم .. ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ﴾
( سورة آل عمران : " 37 " )
قال العلماء : " كلَّما دخل عليها وجد صلاحاً ، وطاعةً ، وسمتاً ، وعلماً ، وفهماً ، وحلماً ، وإقبالاً ، وإشراقاً " ، ليس المقصود بالرزق حصراً أنه رأى فاكهة الصيف في الشتاء ، حصراً ، ولكن بعض العلماء يضيف إلى ذلك أنه رأى سمتاً ، ورأى علماً ، ورأى إشراقاً ، ورأى عبادةً ، ورأى محبَّةً عندئذٍ ..
﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(37)هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ﴾
( سورة آل عمران : " 37 "-38" )
لمَّا رأى هذه البنت الطاهرة ، التقيَّة النقيَّة ، العالمة الفقيهة ، المقبلة ذات القلب المشرق عندئذٍ :
﴿ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ(38)فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾
( سورة آل عمران : " 37 "-38" )
إذاً متى دعا ؟ دعا حينما رأى الكمال والتقوى والإقبال والقُرب قِيَماً متمثلةً بمريم التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ، إذاً :
﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً ﴾
معنى : خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي
خاف على هؤلاء الذين يدعوهم إلى الله ، خاف على تلامذته ، خاف على أتباعه ، خاف على المؤمنين الذين هم معه ، خاف عليهم أن يضيعوا بموته ، أنْ يَشَّتَتُوا ، أن يضلوا ، أن يتفرَّقوا ، أن يضلوا بعد الهدى ، خاف عليهم ، ولكن الطريق مسدود ، فأنَّى له أن يأتيه الغلام ؟ هو قد بلغ من الكِبَرِ عِتيَّا ، أي قد تجاوز السن التي يمكن فيها أن يُنجب الأولاد ، وامرأته عاقر في الأصل ، وفوق أنها عاقر فقد تجاوزت السن التي تنجب فيها النساء غير العواقر .. ﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً﴾
مرافقة الأسباب للنتائج :
وقف بعض المفسِّرين عند هذه الآية وقفةً رائعة ، فقال : هو نبيٌّ يعلم أن الله عزَّ وجل لا تقف الأسباب عَقَبَةً أمام أمره ، ﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
الأسباب ليست هي سبب النتائج ، إنما هي ترافقُها ، لأنَّ المُسبِّبَ هو الله عزَّ وجل ، وما السبب إلا حدث يرافق النتيجة وجوداً وعدماً ، وبالإمكان أن تظهر النتيجة بلا سبب ، فلماذا وصف نفسه بأنه قد بلغ من الكبر عِتيا ؟ ولماذا وصف امرأته بأنها عاقر ؟ ليعلِّم إخوانه أن الله عزَّ وجل على كل شيٍ قدير ، فعلى الرغم من أنه قد بلغ من الكبر عتياً ، وأن امرأته كانت عاقراً ، وقد تجاوزت السنَّ التي يمكن فيها أن تلد غير العاقر ، ومع ذلك فالله على كل شيءٍ قدير .
إِنّ مع العُسرِ يسراً :
ونحن أيُّها الإخوة لا ينبغي أن نيأس من رحمة الله ، ولو أن الإنسان أصابه مرضٌ عضال فليس له أن يقول : إنَّ هذا المرض ليس لهُ شفاءٌ ، فهذا كلام الجهل ، بل اسأل الأطبَّاء من أهل الإيمان ، فإنهم يقولون لك : هناك شفاءٌ ذاتي لا يعلم الطب كيف يحدث ، شفاءٌ ذاتي .. هو من عند الله . ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين ﴾
( سورة الشعراء : 80)[/size][size=32]
[/size][size=32]إنَّ الله سبحانه وتعالى يجعل مع العُسر يسراً ، يخلق من الضعف قوَّة ، ومن الضيق فرجاً ، ومن شأن المؤمن أن يوقن أن الله سبحانه وتعالى يرزقه من حيث لا يحتسب ، وأنه مَن يتوكَّل على الله فهو حسبه ، وأنه .. ﴿ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾
( سورة الطلاق : 2)
هذه الآية صورة رائعة .. ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾
ما كان لديه من مخرج ، والأمور أُحْكِمَت حَلقاتها ، سُدَّت من كل جانب ، جميع أبواب الفرج مسدودة ، لكن ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، متى جُعِلَ هذا المخرج ؟ بعد أن ضاقت إلى درجة ظُنَّ معه أنه ليس هناك مخرج .. ﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً﴾
دقة متناهية : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا
ولكن دقَّة هذه الآية أنه لم يقل : فهب لي وليا ، لو قال : فهب لي وليا ، أنت بلغت من الكِبَر عتيا ، وامرأتك عاقر فكيف يأتيك الغلام ؟ ولكنَّه قال :
﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ﴾
أي من طريقك يا رب ، من دون أخذٍ بالأسباب
هذه حالةٌ استثنائيِّة ..
﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ﴾[/size][size=32]
[/size]
[/size][/size]
[size=32]
[/size][size=32][/size][size=48]سورة مريم[/size][size=32][/size]
[size=32]
[/size]
[size=32]الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا
إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا
وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
، هذه السورة في مجملها تتحدَّث عن شيئين
كما ورد هذا في آخرها إذا يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً ﴾
( سورة مريم )
خلاصة سورة مريم بشارة للمؤمنين وإنذار للكافرين :
كأن هذه السورة بأكملها تبشِّر المؤمنين وتنذر الفاسقين ، كيف بشَّرت المؤمنين ؟
ربنا سبحانه وتعالى ذكر فيها قصَّة سيدنا زكريَّا ، ويحيى ، ومريم ، وعيسى ، وإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وموسى ، وهارون
وإسماعيل ، وإدريس ، كل هؤلاء الأنبياء الكرام ورد ذكرهم في هذه السورة الكريمة
أولئك الذين أنعم الله عليهم ، كيف أنعم عليهم في الدنيا والآخرة ؟ وكيف أعطاهم ؟
وكيف رحمهم ؟
وذكر الذين تركوا الصلوات ..
﴿ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾
( سورة مريم : " 59 " )
وكيف أنهم سيلقون غيَّاً ، إذاً هذه السورة بأكملها بِشارةٌ للمؤمنين ، وهذه أمثلةٌ كثيرةٌ جداً
وإنذارٌ للمعرضين
فكأنها تطبيقٌ عملي لأولئك الذين يبتغون إلى ربهم الوسيلة .
الشيء الثاني :
أَنَّ هذه السورة بدأت بالأحرف : ﴿ كهيعص﴾
الأحرف المقطَّعة المعجِزة وأقوال المفسرين فيها :
ومعظم المفسِّرين يتوقَّفون عند هذه الحروف
ويقولون عنها :
" الله أعلم بمرادها " .
وبعض المفسرين يقولون :
" إنَّ هذا القرآن المعجز من جنس هذه الحروف " ، فكما أنَّ التراب نَفَخَ الله فيه من روحه فكان بشراً سوياً ، كذلك هذه الحروف جعل الله منها كتابه المعجز ، إذاً إنكم أيها البشر لن تستطيعوا
والحروف بين أيديكم أن تصوغوا كتاباً فيه إعجازٌ من كل النواحي ؛ إعجازٌ في التشريع
إعجازٌ في البلاغة ، إعجازٌ في الإخبار ، إعجازٌ في الإرشاد ، إعجازٌ في الهداية ، إعجازٌ في الدلالة
إنكم لن تستطيعوا أن تصوغوا من هذه الحروف التي بين أيديكم كلاماً بهذا الإعجاز، هذا قاله بعض المفسرين .
وبعضهم الآخر ، وقد عُزي هذا إلى الإمام عليٍ كرَّم الله وجهه ، قال : " إنها أوائلُ لأسماء الله الحسنى "
فيا كافي ، ويا هادي ، ويا ولي، ويا عالِم ، ويا صادق الوعد ، هذه روايةٌ عُزِيَت إلى الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه .
وفي تفسير الفواتح الإلهيَّة أن هذه الحروف : ﴿ كهيعص﴾
أوائل أسماء رسول الله
فجاء في هذا التفسير ؛ أن يا كافي عموم الأنام ، هذه الكاف ، وهاديهم إلى دار السلام ، بيمن العزيمة العليَّة ، ياء عَين ، وبصدق الهمَّة الصافية ، والقرآن كما قال الإمام عليٌّ كرَّم الله وجهه :
" ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه " ، القرآن حمَّال أوجه ، لك أن تقول مع معظم المفسِّرين : الله أعلم بمراده ، ولك أن تقول : إن هذا القرآن الكريم من هذه الحروف ، فيا معشر الجن والإنس ، يتحدَّاهم الله عزَّ وجل أن يأتوا بمثل هذا القرآن .. ﴿ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾
( سورة الإسراء : 88)
ترابٌ نفخ الله فيه فكان بشراً سويَّاً ، حروفٌ كان منها هذا القرآن المُعجز ، ولك أن تفهم هذه الحروف أنها أوائلُ لأسماء الله الحُسنى ، وقد عُزيت هذه الرواية إلى الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه ، ولك أن تفهمها أنها أوائلُ أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، يا كافي عموم الأنام بالهدى ، وهاديهم إلى دار السلام ، بيمن العزيمة العَليَّة ، وبصدق الهِمَّة الصافية .
على كلٍ هذا القرآن لا يعلم تأويله إلا الواحد الديَّان ، نحن نجتهد ، المفسِّرون اجتهدوا ، وأنا نقلت لكم ما قاله المفسرون .. ﴿ كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾
قصة زكريا عليه السلام دروسٌ وعبرٌ :
أَيْ أن هذه القصَّة هي ذِكْرٌ لرحمة الله التي نالت عبده زكريَّا .
أيُّها الإخوة الأكارم ، أتمنَّى عليكم ألاّ تظنوا أنّ هذه قصَّة تاريخيَّة ، ليس المقصود في كتاب الله أن تُروى القِصَص ، ولا أن تُنْقَل الحوادث ، ولا أن تصوَّر الشخصيات ، ولا أن يدور الحوار ، هذه كلُّها ليست من أهداف كتاب الله ، الله سبحانه وتعالى أراد من هذه القصَّة أن يضع بين أيديكم حقيقةً في التعامل معه ، ما منا واحدٌ إلا وله علاقةٌ بالله عزَّ وجل ، قد تأتي الأمور كما يشتهي ، ما الموقف الذي يجب أن يقفه ؟ وقد تأتي الأمور على خلاف ما يشتهي ، ما الموقف الذي يجب أن يقفه؟ إن هذه القصَّة على إيجازها تضع بين أيدينا حقيقةً أساسيَّةً في التعامل مع الله عزَّ وجل ، فكأنها . ﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ ﴾
وربُّ زكريَّا هو ربك ، وإله زكريَّا هو إلهك ، وإذا كان الله عزَّ وجل قد أعطى زكريا عليه السلام فلن يَضِنَّ عليك بالعطاء ، لو أنك اتبعت الطريق التي سار به سيدنا زكريا ..
﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾
هذا النبي الجليل ، هذا النبي العظيم له أتباع ، له موالون ، له تلامذة ، له مَنْ معه من المؤمنين ، هؤلاء خاف عليهم أن يضيعوا من بعده ، أن يُشتَّتوا ، أن يتفرَّقوا ، أن يجهلوا بعد علمٍ ، أن يضيعوا بعد الهُدى .. فـ : ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
نداء زكريا ربَّه خفيةً :
قال العلماء : " النداء هو ما كان بصوتٍ مسموع ، والمناجاة هي ما كانت في القلب " ، لقد نادى ، ومن آداب النِداء أن يكون خفيَّاً بصوتٍ منخفض ، فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا ، إِنَّهُ مَعَكُمْ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ، تَبَارَكَ اسْمُهُ ، وَتَعَالَى جَدُّهُ ))
( متفق عليه )
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
حكمة ورود لفظ الرب في قوله : إِذْ نَادَى رَبَّهُ :
وأنت أيُّها الأخُ الكريم ، تستطيع أن تدعو الله عزَّ وجل من دون أن تحرِّك شفتيك ، ويسمعك ، ويستجيب لك ، وهو معك في كل أحوالك ، فهذا النبي عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام نادى ربَّه ، كلمة(ربَّه)أيْ الذي ربَّاه ، الذي خلقه مِن العَدَم ، الذي جعل له الرحِمَ في بطن الأمِّ رحمةً ، والذي أمدَّه بالغذاء ، والذي شقَّ سمعه وبصره ، والذي كوَّن قلبه ، وخفقَ القلبُ في الأسبوع السادس ، وجرى الدم في الشرايين ، ونَمَت الأعضاء ، وظهرت الأعصاب ، واكتمل الخلق ، فلمَّا نزل إلى الدنيا كانت الهَدِيَّة الأولى : ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ*وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾
( سورة البلد : 8-10)
حليبٌ يتبدَّل تركيبه كل يوم ليوافق طبيعة المولود ، وأجهزته ، وقوَّة احتماله ، في هذا الحليب مواد قاتلة للجراثيم ، في هذا الحليب مواد تمنع التصاق الجراثيم بالأمعاء ، في هذا الحليب مناعةُ الأم كلُّها ، في هذا الحليب فوائد لا تعدُّ ولا تحصى ، إنه يأتي للطفل بارداً في الصيف ، دافئاً في الشتاء ، تثبت الحرارة طوال الرضعة ، جاهزٌ بجاهزيَّةٌ من الدرجة الأولى ، تعقيمٌ مثالي ، حرارةٌ مثاليَّة ، وقايةٌ من الأمراض كلِّها ، مناعةٌ تامَّة .. ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ*وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾
( سورة البلد : 8-10)
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾
ربَّه الذي ربَّاه ، الذي أطعمه وسقاه ، الذي خلق له هذه الأعضاء ، وتلك الأجهزة ، وهذه الحواس .. ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
الحث على كثرة الدعاء والتضرع :
أنت أيُّها الأخ الكريم هل تنادي ربَّك ؟ كم مرَّةً في الأسبوع تناديه ؟ مرَّةً واحدة ؟! النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو ربَّه في كل أحواله ؛ إذا خرج من البيت ، إذا دخل إلى البيت ، إذا دخل إلى السوق ، إذا خرج من السوق ، إذا التقى بإنسان ، إذا ارتدى ثيابه ، إذا خلع ثيابه .. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ ))
[الترمذي]
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾
شكوى زكريا إلى ربه الضعفَ والكِبرَ
معنى (وَهَنَ)أي ضعف ، لم يتحدَّث عن جلده ، ولا عن عضلاته ، ولا عن قدراته إنما تحدَّث عن عظامه ، فإذا كانت دِعائمُ البناء قد تضعضعت فلا شيء في البناء إلاّ وقد تداعى أوْ كاد . ﴿ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾
العظم وهو أساس البناء ، أساس الجسم قد ضعف ..
﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾
هذه من استعارات القرآن الرائعة ، شُبِّه الشيب بالشرر ، وشُبِّه الرأس بمكان اشتعال النار ، فإذا اشتعلت النار تطاير الشرر في كل الأنحاء ، فكأن وصول الشيب إلى رأس الإنسان بمثابة شررٍ اشتعل في رأسه .. يا .. ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾
من آداب الدعاء :
والعلماء قالوا : من آداب الدعاء ثلاثة آداب :
الأدب الأول : أن يكون خفية :
أن يكون الدعاء خفيَّاً .. هو دعا بلسانه ، لو لم يدعُ بلسانه لكان مناجاةً ، لكنَّه لم يدعُ في ملأٍ من الناس بل دعا في المحراب ، وقال : ﴿إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾
الأدب الثاني : التذلل والافتقار :
هذا هو الأدب الثاني في الدعاء ، التذلل ، التضعضع ، إظهار المسكنة ، إظهار العَجز ، إظهار الافتقار ، كيف تدعو خالق الأكوان وأنت في حالة كِبْر ؟ لا ، لابدَّ مع الدعاء من التذلل ، لابدَّ من إعلان الضعف ، لابدَّ من إعلان الافتقار ، لابدَّ أن تكون ، وأنت تدعو في حالة افتقارٍ إلى الله عزَّ وجل .. يا .. ﴿ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾
الأدب الثالث : حسنُ الظنِّ بالله عزو جل :
أجمل ما في هذه الآية قول الله عزَّ وجل على لسان سيدنا زكريَّا : ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾
في كل حياتي ما دعوتك مرَّةً ، وكنت شقياً بهذا الدعاء ، ومعنى شقياً أي محروماً ، العلماء قالوا : " الشقاء هنا الحرمان " .. ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾
كن عن همومك معرض اً وكِل الأمور إلى القضا
و أبشر بخيرٍ عاجــلٍ تنسى به ما قد مضـى
فلربَّ أمرٍ مسخطٍ لـك في عواقبه رضـــا
ولربَّما ضاق المضيـق ولربَّما اتسع الفضــا
الله يفعل ما يشـــاء فلا تكونَنَّ معترضــا
الله عوَّدك الجميـــل فقس على ما قد مضى
* * *
﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾
يا رب ، ما دعوتك في حياتي مرَّةً وخيِّبت ظنَّي ، إلا وأكرمتني ، وأعطيتني ، ورحمتني ، ورزقتني ، ويَسَّرت أمري ، إذاً هذا هو الأدب الثالث في الدعاء .
الأدب الأول : أن يكون الدعاء خفيَّاً .
والأدب الثاني : أن يكون مع الدعاء ضراعةٌ ، وتذلُّل ، وافتقارٌ .
والأدب الثالث : أن تتوسَّل بظنٍّ حسنٍ بالله عزَّ وجل ، أن يكون خفياً ، وأن تكون مفتقرًا ، وأن تكون متوسلاً بظنٍ حسنٍ بالله عزَّ وجل .. ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾
من الصياغة المعجزة أن جاءت كلمة ( رب )معترضةً بين كلمة : ( دعائك )و : (شقيَّاً)، من التحبُّب ، ومن التودد ، ومن التعظيم أن تأتي كلمة ربي مُقْحَمَةً بين كلمتين متلازمتين ، وهذا درسٌ لنا ، الشيء الذي تراه مستحيلاً ، الشيء الذي يقلقك ، الشيء الذي يَقُضُّ مضجعك ، الشيء الذي تخاف منه ، شبح المصيبة التي يبدو أنها قادمة ، إن حدثَ هذا فبادرْ إلى الصلاة ، فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حَزَبَهُ أمرٌ بادرَ إلى الصلاة ، صَلِّ صلاة الحاجة ، صَلِّ صلاة الدُعاء ، صَلِّ في جوف الليل ركعتين واسأله كل حاجاتك ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ))
(متفق عليه ، واللفظ لمسلم)
﴿ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾
﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾
( سورة النمل : " 62 " )
قال العلماء : " إن المُضَّطر مستثنى من كل شروط الدعاء ، بشرط أن يقول : يا رب مِن كل قلبه " ، دون أن يقولها بلسانه ، وهو يعتمد على زيدٍ أو عبيد .. ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾
استكمالاً لهذه القصَّة ورد مقطعٌ قصيرٌ في آل عمران حول هذا الدعاء ، بماذا دعا ؟ السيدة مريم بنت عمران قد كفلها زكريا عليه السلام بعد أبويها ، قال تعالى : ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾
( سورة آل عمران : " 37 " )
السيدة مريم .. ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ﴾
( سورة آل عمران : " 37 " )
قال العلماء : " كلَّما دخل عليها وجد صلاحاً ، وطاعةً ، وسمتاً ، وعلماً ، وفهماً ، وحلماً ، وإقبالاً ، وإشراقاً " ، ليس المقصود بالرزق حصراً أنه رأى فاكهة الصيف في الشتاء ، حصراً ، ولكن بعض العلماء يضيف إلى ذلك أنه رأى سمتاً ، ورأى علماً ، ورأى إشراقاً ، ورأى عبادةً ، ورأى محبَّةً عندئذٍ ..
﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(37)هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ﴾
( سورة آل عمران : " 37 "-38" )
لمَّا رأى هذه البنت الطاهرة ، التقيَّة النقيَّة ، العالمة الفقيهة ، المقبلة ذات القلب المشرق عندئذٍ :
﴿ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ(38)فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾
( سورة آل عمران : " 37 "-38" )
إذاً متى دعا ؟ دعا حينما رأى الكمال والتقوى والإقبال والقُرب قِيَماً متمثلةً بمريم التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ، إذاً :
﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً ﴾
معنى : خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي
خاف على هؤلاء الذين يدعوهم إلى الله ، خاف على تلامذته ، خاف على أتباعه ، خاف على المؤمنين الذين هم معه ، خاف عليهم أن يضيعوا بموته ، أنْ يَشَّتَتُوا ، أن يضلوا ، أن يتفرَّقوا ، أن يضلوا بعد الهدى ، خاف عليهم ، ولكن الطريق مسدود ، فأنَّى له أن يأتيه الغلام ؟ هو قد بلغ من الكِبَرِ عِتيَّا ، أي قد تجاوز السن التي يمكن فيها أن يُنجب الأولاد ، وامرأته عاقر في الأصل ، وفوق أنها عاقر فقد تجاوزت السن التي تنجب فيها النساء غير العواقر .. ﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً﴾
مرافقة الأسباب للنتائج :
وقف بعض المفسِّرين عند هذه الآية وقفةً رائعة ، فقال : هو نبيٌّ يعلم أن الله عزَّ وجل لا تقف الأسباب عَقَبَةً أمام أمره ، ﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
الأسباب ليست هي سبب النتائج ، إنما هي ترافقُها ، لأنَّ المُسبِّبَ هو الله عزَّ وجل ، وما السبب إلا حدث يرافق النتيجة وجوداً وعدماً ، وبالإمكان أن تظهر النتيجة بلا سبب ، فلماذا وصف نفسه بأنه قد بلغ من الكبر عِتيا ؟ ولماذا وصف امرأته بأنها عاقر ؟ ليعلِّم إخوانه أن الله عزَّ وجل على كل شيٍ قدير ، فعلى الرغم من أنه قد بلغ من الكبر عتياً ، وأن امرأته كانت عاقراً ، وقد تجاوزت السنَّ التي يمكن فيها أن تلد غير العاقر ، ومع ذلك فالله على كل شيءٍ قدير .
إِنّ مع العُسرِ يسراً :
ونحن أيُّها الإخوة لا ينبغي أن نيأس من رحمة الله ، ولو أن الإنسان أصابه مرضٌ عضال فليس له أن يقول : إنَّ هذا المرض ليس لهُ شفاءٌ ، فهذا كلام الجهل ، بل اسأل الأطبَّاء من أهل الإيمان ، فإنهم يقولون لك : هناك شفاءٌ ذاتي لا يعلم الطب كيف يحدث ، شفاءٌ ذاتي .. هو من عند الله . ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين ﴾
( سورة الشعراء : 80)[/size][size=32]
[/size][size=32]إنَّ الله سبحانه وتعالى يجعل مع العُسر يسراً ، يخلق من الضعف قوَّة ، ومن الضيق فرجاً ، ومن شأن المؤمن أن يوقن أن الله سبحانه وتعالى يرزقه من حيث لا يحتسب ، وأنه مَن يتوكَّل على الله فهو حسبه ، وأنه .. ﴿ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾
( سورة الطلاق : 2)
هذه الآية صورة رائعة .. ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾
ما كان لديه من مخرج ، والأمور أُحْكِمَت حَلقاتها ، سُدَّت من كل جانب ، جميع أبواب الفرج مسدودة ، لكن ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، متى جُعِلَ هذا المخرج ؟ بعد أن ضاقت إلى درجة ظُنَّ معه أنه ليس هناك مخرج .. ﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً﴾
دقة متناهية : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا
ولكن دقَّة هذه الآية أنه لم يقل : فهب لي وليا ، لو قال : فهب لي وليا ، أنت بلغت من الكِبَر عتيا ، وامرأتك عاقر فكيف يأتيك الغلام ؟ ولكنَّه قال :
﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ﴾
أي من طريقك يا رب ، من دون أخذٍ بالأسباب
هذه حالةٌ استثنائيِّة ..
﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ﴾[/size][size=32]
[/size]