البدعـة في الـدين

الزيادة في الدين قبيحة لأنها تعديل أو استدراك على الله ورسوله ïپ¥ . وانتقاض لصريح قوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } [ المائدة 3] ، فالدين قد كمل والنعمة تمت ، فصارت الزيادة في دين الله كالنقص منه .
فإذا كان الله أكمل الدين وأتم النعمة ( أكملت ) و ( أتممت ) فما هذا الرأي الذي أحدثه أهله من بعده ؟
وليست كل زيادة على الخير تكون خيراً ، فما حكم الزيادة على الوضوء ، كأن يتعمد المتوضئ جعل غسل الأعضاء خمساً هل هذا خير أم شر ؟ قال النبي ïپ¥ " هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم وتعدى" (رواه أبو داود بسند صحيح) .
ولقد قال نبيل الشريف الحبشي " إذا رفعت من الركوع فقل (ربنا لك الحمد) ولا تقل (ربنا ولك الحمد والشكر) لأن لفظ (والشكر) لم يرد في السنة هذه الزيادة " ( ) . وهذا ما نقوله لكم .
ولقد زعم الأحباش أن شيخهم كان شديداً على أهل البدع ، وكان الأحرى بهم أن يقولوا " كان شديداً على المنكرين على البدع " لأنه في مؤلفاته وأشرطته يحتج في جواز الابتداع بتنقيط المصاحف وعمل الموالد وزيادة صيغة الصلاة على النبي ïپ¥ ويحارب من يدعو للاقتصار على اتباع السنة والكف عن ابتداع أي شيء في الدين ولو استحسنه الناس وقد لاحظت أن هذا مدار خطبه ومحاضراته كلها حتى ولو خاطب النصارى فانه لا يتحدث عن شيء آخر سوى مبررات البدع والزيادات في الدين.
ونسأل : هل هذه البدعة من أمور الدين؟ إن كانت كذلك فهو دليل على أن القوم يرون أن الدين لم يكمل! وهذا ضرب للآية ورد لها ، وإن لم يكن من الدين فأي فائدة في الاشتغال بما ليس من الدين؟
فاحفظ هذه القاعدة " العبادات مبناها على الاتباع لا على الهوى والابتداع "
قال رسول الله ïپ¥ " ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ، ولا شيئاً مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه " ( ) .
- وقال " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدلّ أمته على ما يعلـمه خيراً لهم ، وينذرهم ما يعلمه شراً لهم " ( ) .
- وقال " من أحدث في أمرنا ( ) ما ليس منه فهو رد " ( )
وفي رواية "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ( ) أي مردود على صاحبه ليس ذلك فحسب، بل يعاقب عليه. بل ويصرفه الله عن التوبة كما يصرف المنافقين عن الجهاد ويثبطهم .
وكان أحمد يقول " الداعية إلى البدعة لا توبة له ، فأما من ليس بداعية فتوبته مقبولة " ( ) .
فإن أهل البدع أضر على الأمة من أهل الذنوب ، وما ينفثونه من شبهات البدع التي يغرون بها العوام أضر عليهم من إغرائهم بالمعاصي . فإن المعصية مخالفة للشريعة بينما البدعة إضافة في الشريعة وتعديل فيها . وإذا اشتغلت القلوب بالبدع : أعرضت عن السنن . ولذا قال سفيان الثوري " البدعة أحب إلى إبليس من المعصية : المعصية يثاب منها والبدعة لا يثاب منها " ( ) وقال الحافظ ابن رجب " فلهذا تغلظت عقوبة المبتدع على عقوبة العاصي ، لأن المبتدع مفتر على الله مخالف لأمر رسول الله لأجل هواه " ( ) .
قال الشاطبي في تعريف البدعة بأنها " عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد في السلوك عليها المبالغة في التعبد " ( ) .

إقامة الحجة من كلام الأشعرى

فيا من زعمت أنك تقتفي أثر الأشعري اسمع كلام الأشعري :
" ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها " ( ) . وأوصى الأحباش بما يلي " قال العلماء : اتبع ولا تبتدع حتى في القول " ( ) .. وبناء على قولكم (اتبع ولا تبتدع) نسألكم : هل أذن الله بالموالد ؟ هل أذن بالصلاة على نبيه بعد الأذان؟ فإذا لم يأذن فأنت مخالف لمنهج من تزعم أنك تنتسب إلى مذهبه. وبما أن الأحباش لم يجدوا دليلا على ذلك لجئوا إلى القول بأن " الجهر بالصلاة على النبي عقب الأذان توارد عليه المسلمون منذ قرون فاعتبره العلماء بدعة مستحبة " ( ) . فالتوارد على العمل صار مبررا لتشريع ما لم يأذن به الله فهذا اعتراف منهم بأن الزيادة لم يعرفها رسول الله ولا صحابته ثم إن النبي ïپ¥ قال " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي " مما يؤكد أن الصلاة لغير المؤذن وإلا فما معنى قوله " فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي " لو كانت الصيغة مما يقوله المؤذن لما كان حاجة للنبي أن يقول ثم صلوا علي ولوجب عليهم أن يقولوا مثلما يقول . . .
ثم لجأ الحبشي إلى اعتساف النصوص على عادته فقال : الصلاة على النبي ïپ¥ بعد الآذان مستحبة بدليل قوله تعالى { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ } ( ) .
فَنِعْمَ الدليل ولكن : بئس الاستدلال .
• فقد قال تعالى (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) ولم يقل (وافعلوا البدع) وكيف تدخل البدع في مسمى الخير وقد وصفها رسول الله ïپ¥ بأنها ضلالة ؟ ولست أعتقد أنكم ترضون عمن يأتي بثلاث سجدات في الركعة الواحدة محتجاً بأن هذا من فعل الخير وأن الله أمرنا أن نفعل الخير.
وأنتم لستم أسرع ولا أحرص على فعل الخير من أصحاب رسول الله ïپ¥ ولم يفهموا من هذه الآية ما تفهمونه ولو كان خيراً لسبقونا إليه فلا هم ولا التابعون فعلوا هذه الموالد التي تجعلونها من فعل الخير . فإما أن تكونوا أهدى منهم أو أنكم شاققتم الرسول واتبعتم غير سبيل المؤمنين وقد قال أحد أئمة الأشاعرة :
وكل شر في ابتداع من خلف ( ) وكل خير في اتباع من سلف

فاتباع السنة هو فعل الخير والابتداع فعل الشر ، فقراءة الفاتحة أثناء الركوع ليست من أفعال الخير . والأذان للعيدين أو لصلاة الاستسقاء أو لصلاة الجنازة بدعة مع أن الأذان في أصله مشروع .
ولا بد لفعل الخير أن يكون مقيداً بموافقة السنة وإلا صار شرا في صورة خير ، وحقا أريد به باطل .
• أن هذا عين ما يستدل به الشيعة على زيادتهم في الأذان (حي على خير العمل) ويحتجون على المنكر عليهم بقول النبي ïپ¥ " واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة " ثم يقولون : فلهذا زدناها في الأذان ؟ والزيادة لا حدود لها. فقد زعم سليم علوان ( ) أن صلاح الدين الأيوبي أمر المؤذنين أن ينادوا قبل الابتداء بالأذان (الله موجود بلا مكان ) فتأمل ‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍‍‍‍‌‍‍‍‍‍‍‍!
قد يبرر المبتدع بدعة من بدع الصلوات أو غيرها بأنه يعمل عملا خيراً يتقرب به إلى الله فكيف يكون شراً وهو صلاة أو ذكر؟ والجواب أن هذا تشريع لما لم يشرعه الله فهو شر يعاقب عليه وإن كان في صورة موافقة للشرع .
ولقد رأى سعيد بن المسيب رجلاً يصلي بعد الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيهما الركوع والسجود ، فنهاه ، فقال الرجل : يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة ؟ فقال لا ولكن يعذبك على خلاف السنة " ( ) .
وإنما تمكن أهل البدع من التلبيس على العامة لأن كل بدعة تشتمل على حق وباطل . فمحبة النبي ïپ¥ حق ، والاحتفال بمولده باطل لم يأمر به ولم يفعله صحابته .
وبهذا يتضح لك ما عليه الأحباش من التلبيس والظلم فقد جاء في مجلتهم تحت عنوان (احذروا الوهابية) " إن الوهابيين يكرهون حتى كلمة ( لا إله إلا الله ) يحاربونها : هم ضد كلمة ( وحدوا الله ) ( ).
لأن " الوهابية " يمنعون العامة من عادة تعارفوا عليها وهي أن يقولوا (وحدوا الله) أثناء مواكبة الجنازة .
فهذا المنع ليس كراهية لتوحيد الله كما أن مالكا كره أن يجتمع قوم لقراءة القرآن وقال " هذا مكروه ومنكر لا يعجبنا ، لم يكن هذا من عمل الناس " وكما اعتبر أبو شامة رفع الناس أيديهم عند دعاء خطيب الجمعة بدعة قديمة ، وأن قراءة القرآن بالألحان على الجنائز من البدع ( ) .
وعن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما فقال : الحمد لله والسلام على رسوله فقال ابن عمر : " وأنا أقول : الحمد لله والسلام على رسول الله ، وليس هكذا علمنا رسول الله ïپ¥ ، أن نقول : الحمد لله على كل حال " ( ) .
- وقال ïپ¥ " قد تركتكم على ( المحجة ) ، البيضاء ليلها كنهارها لا ليزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فان كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " ( ) . و(كل) عند أهل العربية من ألفاظ العموم .
وهذا الحديث لم يفرِّق بين بدعة وأخرى والنكرة اذا أضيفت أفادت العموم ، والعموم لا يخص إلا بالاستثناء : وأين الاستثناء هنا ؟
هذا ما فهمه الصحابة ولذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " ( ) .
- ونتساءل لماذا غفل الصحابة و التابعون عن استحسان هذه البدعة التي رآها الفاطميون المتأخرون ونشروها رغماً عن أنوف المسلمين ، وكيف يحرص أفراخ الفاطميين على تكريم رسول الله ïپ¥ بعمل الموالد له بما لم يخطر ببال السلف ‍!
فإما أن يكونوا أهدى من أصحاب النبي ïپ¥ سبيلاً وهم تركوا خصلة من خصال الخير إلا بادروا إليها .
وإما أنهم ضالون متبعون غير سبيلهم .

البدع كلها مذمومة

فقوله " كل بدعة ضلالة " دليل على الذم المطلق للبدعة في الدين . قال الشاطبي " إن كل بدعة وإن قلت : تشريع زائد ، أو تغيير للأصل الصحيح . . . ثم إن المبتدع قد نزل نفسه منزلة المضاهي لأن الشارع وضع الشرائع وألزم الخلق الجري على سننها ، وصار هو المتفرد بذلك... وهذا الذي ابتدع في دين الله قد صير نفسه نظيراً مضاهياً للشارع ، حيث شرع مع الشارع " ( ) .
• أن إحداث بدعة يؤدي إلى إهمال سنة ففي الخبر "ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة ، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة " قال الحافظ في الفتح " أخرجه أحمد في المسند بسند جيد " ( ) .
قال حسان بن عطية " ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة " ( ) . بل يسلبه الله الورع قال الأوزاعي " ما ابتدع رجل بدعة إلا سلب الورع " ( ) .
• أن تحسين البدع وتقسيمها إلى بدعة هدى حسنة وبدعة ضلالة سيئة إنما هو فتح باب من الإفساد على عامة المسلمين ، إن بإمكاننا أن نفهمهم أن البدعة تنقسم إلى قسمين وأنها ليست دائماً ضلالة : غير أننا لن نستطيع بعد ذلك أن نقدم لهم ضابطاً أو قانوناً يميزون به بين بدعة الهدى وبدعة الضلالة ولا أن نعطيهم جدولا شاملا ومفصلا بكل نوع من أنواع القسمين ، فنفتح لهم باباً من الشر ثم نتركهم للشيطان يخلو بهم ويزين لهم أصناف البدع بعد أن فتحنا لهم باب الهوى على مصراعيه .
وماذا يضر العوام في دينهم أن يفهموا أن كل ما لم ترد به الشريعة يعتبر بدعة حتى يأتي في مشروعيته نص من كتاب الله أو سنة رسوله الصحيحة ؟ هل هذا ضلالة يجب على المشاغبين المتعالمين تحذير الناس منها ؟
• أنه لا يسوغ تحسين شيء من البدع أو تقسيمها إلى حسنة وسيئة بعد أن جعلها الرسول ïپ¥ سيئة ، ولم يرد ذكر البدعة في الشرع إلا على مورد الذم ولو شاء لقسم البدعة إلى بدعة هدى وبدعة ضلالة كتقسيمه للسنة إلى سنة حسنة وسنة سيئة ( ) .
وكيف يفهم عاقل بعد قوله ïپ¥ " كل بدعة ضلالة " أن منها ما هو " بدعة هدى " ؟ بل منها ما هو بدعة واجبة كما قال ابن عابدين " قد تكون البدعة واجبة " ( ) .

البدعة وردت شرعاً على مورد الذم

ولم يرد ذكر البدعة على لسان نبينا ïپ¥ إلا على مورد الذم :
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله " البدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فان كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما " ( ) وأن المعنى الشرعي للبدعة يختص بما هو مذموم فقط ( ) . ومثله قال السبكي كما حكاه عنه الزبيدي ( ) .
وقرينة الحال تؤكد أن تداول لفظ مبتدع يستعمل للنقد والطعن هذا هو الأصل فلا يوصف رجل بأنه مبتدع إلا والمقصود منه ذمه وتجريحه ، وإذا وصف جماعة بأنهم أهل البدع وفرق البدع فإنه يتبادر إلى الذهن الذم ، ولم نعهد رجلاً يوصف بالمبتدع ثم يقول : أي البدعة تريدون هل تقصدون السيئة أم الحسنة ، بل يتبادر إليه السيئة لعلمه بأنها لفظ يستكمل للذم لا للمدح .
ولهذا إذا ترجم الأحباش لشيخهم قالوا " كان شديداً على أهل البدع " فهذا يدل على أنهم إذا أطلقوا لفظ البدعة يريدون به البدعة المذمومة .
• أن من المشايخ من إذا ارتقى المنبر بدأ خطبته بالمقدمة المعروفة " وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". فإذا نزل عن المنبر قال للمنكرين على البدعة " ليست كل بدعة ضلالة وإنما البدعة تنقسم إلى بدعة حسنة وبدعة ضلالة " فتارة يستدل بشمول ( كل ) وتارة يستنكره .
وقد فهم السلف الصالح من كلامه ïپ¥ ذم البدعة مطلقا فقد :
- قال عبد الله بن عمر " كل بدعة ضلالة وان رآها الناس حسنة " ( ) .
- وقال عبد الله بن مسعود " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " ( ) .
- وقال حذيفة " كل عبادة لم يتعبدها رسول الله فلا تعبدوها " ( )
. وقال " أنا نقتدي ولا نبتدي ، ونتبع ولا نبتدع ، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر" ( ) .
وقد أثنى الأحباش على هذا القول فقالوا " قال العلماء : اتبع ولا تبتدع حتى في القول " ( ) . لكنهم- وشيخهم- يحاربون من يقول لهم ( لا تبتدعوا) ويقولون له فوراً : كفاك تنطعاً ، البدعة تنقسم إلى بدعة هدى وبدعة ضلالة .
- وقال ابن الماجشون "سمعت مالكا يقول " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا ïپ¥ خان الرسالة ، لأن الله يقول { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " ( ) .
• أن الحبشي يحتج بقوله تعالى { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } على أن لفظ ( كل) لا يفيد الشمول بدليل قوله تعالى بعد ذلك { فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ } ونحن نوافقه على ذلك ، لكن الله بين في نفس السياق وفي نفس الآية قرينة تدل على التخصيص ، فأين المخصص لـ " كل بدعة ضلالة " .
• أليس الإتباع أولى من الابتداع ؟ أليس اجتماع على السنة خيراً من الافتراق والتنازع على البدعة ؟!
نعم لقد صار الاتباع بين المسلمين غريباً ، وصار الابتداع مألوفاً غير منفور منه ، ألا صدق رسول الله حين قال " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء " ( ) .
ولقد علم أهل البدع أن معهم بضاعة بدعية كعلم الكلام والتصوف وبدعاً غيرها كثيرة ، فإذا وافقونا على أن كل بدعة ضلالة ألزمناهم بوجوب التخلي عن بضاعتهم ، فلذلك لم يسقموا لقول النبي ïپ¥ " كل بدعة ضلالة " حرصاً على بضاعتهم من الكساد ، وإن لم يكن علم الكلام وفلسفة التصوف

الاحتجاج بقول عمر " نِعمَت البدعة "

فإن قيل : قال عمر " نعمت البدعة هذه " قلنا :
• أولاً : لا يجوز معارضة قول الله ورسوله بقول عمر ولا غير عمر ، فإن النتيجة التي ينتهي إليها المبتدعة هي ضرب كلام النبي المعصوم ïپ¥ " كل بدعة ضلالة " بقول عمر- غير المعصوم- وينتج عنه ترجيح قول عمر على كلام النبي ïپ¥ فهل يرضى عمر أن نرد كلام النبي ïپ¥ ونفضل كلامه عليه ؟!
• ثانياً : أن هذا ما تحسبونه تعارضاً . وإلا فحاشا أن يُعرف عن عمر أن يأذن لنفسه بالابتداع في الدين ، إن مثل هذا لم يعهد عنه .
وما لنا نسمع (قال رسول الله) فنأبى ونقول (بل قال عمر) ؟! أليس من الواجب عند التنازع الرد إلى الله والرسول { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } [ النساء59 ] .
وقد اختبر الله الناس بعائشة رضي الله عنها حين خرجت على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وصرح عمار بن ياسر بهذا الاختبار فقال " والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم : إياه تطيعون أم هي " ( ) .
والله يختبركم ليعلم أتميلون إلى قول المعصوم أم تميلون عنه إلى كلام غير المعصوم .
• أننا إذا اختلفنا في قول الصحابي نظرنا إلى فعله فإن فعله دليل قوله ، فهل كان دأب عمر تحسين البدع أم زجر فاعلها ؟ لماذا لم يبتدع المولد ويقول " نعمت البدعة هذه " بل يعتمد حدث الهجرة للتاريخ لا المولد لماذا لم يزد في الأذان شيئاً ثم يقول عنه " نعمت البدعة هذه " ؟
ولستم أنتم بأحرص منه على الخير حتى توفقوا إلى ما لم يوفقه الله إليه وهو السباق إلى الخير .
فلا يجوز النظر إلى مجرد قول عمر من غير الاطلاع على حال الصحابة: هل كانوا يستحسنون البدعة ، فإن من تمسك بما تشابه من كلام السلف لا يستطع أن يستدل بفعلهم على جواز المولد ، فهو محجوج بعمل السلف مهما تمسك بما تشابه من كلامهم ، فإنهم لم يفعلوا شيئاً من البدع التي فعلها من احتج بكلامهم ، فلماذا لم يحتفلوا بمولد نبيهم ولا بالنصف من شعبان ولا ألفوا في المدائح والأناشيد ، ولم يزيدوا في الأذان شيئاً . وقد كانوا مسابقين إلى الخير متنافسين فيه ، لا يتركون باباً من أبواب الخير إلا بادروا إليه ، فهل جهلوا هذا (الخير) وضلوا عنه واهتدى إليه هذا المخالف في عمله لعملهم ؟!

فعمدة أهل البدع في الاحتجاج أمران :
أولهما : قول عمر وفعله في صلاة التراويح وهو أمر مسنون من قبل الله ورسوله ïپ¥ .
ثانياً : حديث (من سن سنة حسنة) والحديث متعلق بالصدقة المسنونة من قبل الله ورسوله ïپ¥ . وإنما كان فعل الرجل للصدقة تذكيراً وتشجيعاً على الصدقة . وسيأتي تفصيل الحديث ، لا ابتداعاً للصدقة وهل كان من أدب الصحابة ابتداع شيء بحضرة نبيهم ïپ¥ ؟

السبكي يعترف
2) لو فرضنا أن التراويح أحدثت في عهد عمر فإنها لا تسمى بدعة وإنما سنة لقول النبي ïپ¥ " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " فوصف فعلهم بأنه سنة ، وقد أقر السبكي بهذه الحقيقة المهمة فقال " ولم نعلم أحداً من العلماء المتقدمين ولا المتأخرين أطلق على شيء مما فعل الخلفاء الراشدون بدعة مطلقاً " ( ) .
• ولهذا لا يجوز أن يقال إن عمر ابتدع صلاة التراويح بل هي سنة لقول النبي ïپ¥ " إن الله فرض صيام رمضان ، وسننت لكم قيامه " ( ) وثبت اجتماع الصحابة وراء النبي على صلاة التراويح ( ) .
ولذا قال شيخ الحنفية ملا علي قاري إن قول عمر " نعمت البدعة " إنما هو باعتبار إحيائها أو سبب الاجتماع عليها بعدما كان الناس ينفردون بها ، مع أنه ïپ¥ قال " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين " ( ) .

قاعدة حنفية عظيمة
ولا ننسى أن من القواعد التي قررها السادة الحنفية أنه إذا تردد الأمر بين كونه سنة وبين كونه بدعة فتركه محتم وأن ما تردد بين بدعة وواجب اصطلاحي فانه يترك كالسنة .
قالوا : لأن ترك البدعة لازم وأداء السنة غير لازم .
والمتابعة كما تكون في الفعل تكون في الترك . وكما أننا نتقرب إلى الله بفعل ما فعله النبي ïپ¥ فإننا نتقرب إليه أيضاً بترك ما تركه ïپ¥ .
فإنه ïپ¥ لما أمر بالأذان في الجمعة دون العيدين كان ترك الأذان في العيدين سنة .
ولو كان في الأذان مصلحة أو منفعة دينية في العيدين لفعله النبي ïپ¥ فإذا لم يفعله ولم يحثنا على فعله علم أنه ليس فيه خير في أمر ديننا بل هو بدعة .
قال العلامة اللكنوي " والأمر إذا دار بين الكراهة والإباحة ينبغي الإفتاء بالمنع لأن دفع مضرة أولى من جلب منفعة " ( ) .
وبهذا الأصل يتحتم ترك هذه البدع المروجة .
قال تعالى { وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } فتوحد المسلمين واجب . وهذه البدع لا يمكن لمبتدعيها أن يجعلوها واجبة ، وإنما جل ما يقولونه " هي مستحبة " ثم يخالفهم عليها مسلمون آخرون وينتهي الأمر إلى تفرق الأمة . ولا شك أن وحدة كلمة المسلمين من أوجب الواجبات ولا يجوز التفريط بهذا الأصل الواجب لمجرد أمر مستحب .
وإذا جاءنا من العلم ما نجتمع عليه ، فلِمَ نخوض في شيء يؤدي إلى فرقتنا؟!
4) ما المانع أن يكون في كلام عمر مدح لما كان أحدثه النبي ïپ¥ لأمته على غير مثال سابق ، لا سيما وأن جمع الناس على صلاة التراويح لم يكن مما ابتدعه عمر ، وإنما فعله رسول الله ïپ¥ من قبل في حياته حين اجتمع الناس وراءه على صلاة التراويح . فيكون المعنى نعم ما أنشأه لنا رسول الله ïپ¥ مما هو وحي من عند الله : وإن الله يُحْدِث من أمره ما يشاء ؟!
5) أن الاستدلال بقول عمر دليل على عجزهم عن إيجاد أي نص من الكتاب والسنة يؤيد مذهبهم في تحليل البدعة وتحسينها بعد تحريم النبي ïپ¥ وتقبيحه لها. وقد نص الحافظ ابن رجب على أن كلام عمر متعلق بالبدعة اللغوية لا الشرعية " ومراده رضي الله عنه أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت ولكن له أصل في الشريعة يُرجَع إليه " ( ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله " البدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فان كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محموداً أو مذموماً " ( ) . وأن المعنى الشرعي للبدعة يختص بما هو مذموم فقط ( ) . ومثله قال السبكي كما حكاه عنه الزبيدي ( ) .

هل يدل الشرع على البدعة الحسنة

وما ورد من كلام العز بن عبد السلام والقرافي بأن البدعة الحسنة ما دل عليها دليل من الشرع فإنه قول غير مسلم به وأنه لم ينعقد إجماع الأمة على تقسيمهما هذا ، بل قد رده علماء آخرون .
فقد قال إمام المالكية الشاطبي :
" إن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي بل هو في نفسه متدافع لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده ، إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو المخبر فيها ، فالجمع بين عدّ تلك الأشياء بدعاً وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين ". ثم انتهى الشاطبي إلى أن تقسيم القرافي للبدعة يتعارض مع قوله في نفس الموضع بأن الخير كله في الاتباع وأن الشر كله في الابتداع ( ) .
وإذا اختلفوا رددنا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول . فالسنة في مسألة البدعة أن نعتبرها ضلالة . وأما البدعة فكائنة في تقسيمها حيث لم يقسمها المعصوم ïپ¥ .

شبهة تقسيم البدعة إلى نوعين

ويحتجون بقول مأثور عن الشافعي أن البدعة على ضربين :
أحدهما : ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة .
والثانية ما أحدث من الخير ، لا خلاف فيه لواحدٍ من هذا ، فهذه بدعة غير مذمومة " ( )
والجواب عن ذلك
ا) أنه لا ينبغي القول بأن الشافعي يرى استحسان البدع وهو القائل " من استحسن فقد شرَّع " ( ) رد بذلك على من جعلوا الاستحسان أصلا في الشرع .
وهو القائل " إنما الاستحسان تلذذ ، ولو جاز الاستحسان في الدين لجاز ذلك لأهل العقول من غير أهل الإيمان ، ولجاز أن يشرع في الدين في كل باب ، وأن يُخرج الإنسان لنفسه شرعاً جديداً " ( ) .
2) فهذا الحافظ ابن حجر (وهو من أعرف الناس بالشافعي) يصرح بأن " البدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فان كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محموداً أو مذموماً " ( ) قال " فيشمل لغةً ما يُحمَد ويُذمُّ ، ويختص في عُرف أهل الشرع بما يذم " ( ) . وهو قول ابن حجر الهيتمي أيضاً نفسه ( ) .
3) هب أن كلام الشافعي يصرح بتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة فهل يجوز ضرب قول النبي " كل بدعة ضلالة " بقول غيره وتقديم قوله عليه ؟
4) أن مذهب الشافعي ينص على أنه " إذا رأيتم قولي يخالف قول رسول الله ïپ¥ فاضربوا بقولي عرض الحائط " فقد أخذنا بمذهب الشافعي في إيثار قول النبي على قول الشافعي ، وإلا فما لنا نضرب بقول النبي ïپ¥ عرض الحائط ونميل إلى الشافعي دونه ، هل يرضى الشافعي نفسه ذلك منا ؟
- صحيح أن البدعة تنقسم من حيث اللغة إلى نوعين بدعة حسنة ، وبدعة سيئة ، غير أن هذا التقسيم لا يجوز من حيث الشرع ، ألا ترى أن الصلاة في اللغة معناها الدعاء ، والإيمان في اللغة معناه مجرد التصديق . غير أن معناهما في الشرع يختلف تماماً ، فالصلاة عبارة عن أقوال وأفعال مخصوصة تبتدأ بالتكبير وتختتم بالتسليم . وأما الإيمان فهو قول وعمل واعتقاد ، وليس مجرد اعتقاد فقط .
- والمبتدعون والمخترعون في الدنيا كثيرون ، منهم من تكون بدعته حسنة كاختراع السيارات والطائرات . مع العلم أن السيارة مقيسة على الدابة ، ولذلك يصح ذكر دعاء ركوب الدابة عند ركوب السيارة لأنها دابة اليوم حلت محل دابة الأمس .
ومنهم من تكون بدعته شراً كاختراع القنابل واستحداث وسائل الرذيلة . وأما مشاركة الناس لله ورسوله ïپ¥ في التشريع فإنه شر كله . وقد قال حسان بن عطية " ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة " ( ) . وقال ابن مسعود " ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم " ( ) .
- وإحداث بدعة يؤدي إلى إهمال سنة ، والله لا يقبل من العمل إلا ما كان مشروعاً فأحدثوا لأنفسكم من العمل المبتدع ما شئتم فلن يتقبل الله منكم ، لأن الله لا يُعبَدُ إلا بما شرع .

صغار البدع ترويض على كبارها
- والشيطان يزين للناس صغار البدع ويروضهم عليها ، فإذا وجدت عندهم قبولاً واستساغتها النفوس استدرجهم بخطواته الخبيئة إلى بدعة أكبر منها قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } [النورا2] . ولذا قال الحافظ ابن حجر " إن الذي يُحدِث البدعة قد يتهاون بها لخفة أمرها في أول الأمر ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة " ( )
- أن الذي شرع الغاية وهي الذكر وأنواع العبادة لم ينس تشريع الوسيلة إلى ذلك بما علمنا نبينا من الواجبات والسنن والمستحبات من الأذكار والصلوات ، ونحن سنموت قبل أن نتممها كلها على وجهها الأكمل .
أن أفضل من عبد الله هو محمد ïپ¥ ولا يصل غيره مهما اجتهد في العبادة إلى تطبيق كل ما فعله من فرائض وسنن العبادة ، ومن غير المعقول أن تضيق بنا سنة نبينا ïپ¥ حتى نخرج عنها إلى البدعة ، وكأننا نقول : قد فعلنا كل ما فعله النبي ïپ¥ والآن نريد الزيادة على ما فعله .
ومن غير المعقول أن ندعي أننا قد أتممنا الواجبات والسنن : ونحن ننتظر زيادات وبدع جديدة لم تتطرق إليها السنة لنعبد الله ونتقرب إليه بها ؟
إننا سنموت قبل أن نتمم كل السنن التي سنها لنا رسول الله ïپ¥ وإن لم يكن كذلك فما وجه الابتداع وما عذر المبتدعين ؟
هل نحن أشد عبادة وأكثر حرصاً ومسابقة إلى الخير منهم ؟ لقد كانوا أكثر عبادة وأكثر عملاً ومع ذلك كانوا يشعرون بالتقصير عن تطبيق كل ما نص عليه الكتاب والسنة .

ماذا بعد تحسين البدعة

بعد تحسين البدع طرقٌ صوفية ( ) وزوايا وتكايا وحضرات وأذكار مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان كحزب البرِّ وحزب البحر وحزب الجو وحزب السيف القاطع وحزب النجم الساطع ، ولا تنس التواشيح الدينية وآلات التسبيح الموسيقية والرقص والتمايل الديني على طريقة " أهل الحق " !
- أنه لما تساهل الناس في هذا الأمر انتشرت الفوضى والعبث في الدين وبدأت مظاهر البدع وآثارها تبدو على المآذن وفي صلوات الناس ومساجدهم ولم تعد تعرف لها حداً تقف عنده ، وتبدل كثير مما كان عليه النبي ïپ¥ وأصحابه ، وهو أمر لا يرضاه الله ولا رسوله .
- أن ما أصابنا اليوم من التخلف وتسلط أعداء الله على هذه الأمة إنما هو من عند أنفسنا وبما كسبت أيدينا ، وما لم نبادر إلى الكف عن الزيادة في الدين والتقليد والجمود والتعصب المقيت وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن حال هذه الأمة ماض إلى الأسوأ .




موقف إمام السنة من البدعة :
لقد بين الإمام أحمد أصول اتباع السنة بقوله " أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله ïپ¥ والاقتداء بهم وترك البدع. وكل بدعة فهي ضلالة . وترك المـراء والجـدل والخصومات في الدين " ( ) .
- وهكذا يبقى الاتباع مقياس المحبة ودليلها . فإنه لا يمكن الجمع بين محبة سنة النبي ïپ¥ وبين الزيادة على سنته بل وعلى كتاب ربه سبحانه وتعالى ، لأن الاتباع هو مقياس الحب .

سن خبيب ركعتين عندَ القتل

وأما احتجاجه بقصة خبيب حيث طلب من قريش أن يأذنوا له أن يصلي ركعتين قبل أن يقتلوه فلا تخدعنك استنباطات الحبشي الباطلة ، فإن الصلاة خير موضوع وهي خير ما يفعله من يعلم أنه يموت بعد لحظات . وإنما أراد خبيباً أن يفارق الدنيا على خير حال ، ولم يفهم السلف من فعل خبيب ما يفهمه الحبشي وإلا لأحدثوا بدعة الموالد وبدع التصوف ، بل كانوا أشد أهل الإسلام على أهل البدع . فهل تجيزون لقائل أن يقول : كان الصحابة يبتدعون في دين الله ؟ إن كنتم قلتموها فأنتم زنادقة .
أن فعل الصحابة كان موقوفاً على إقرار النبي ïپ¥ له ، وكان فعل خبيب قبل نزول آية كمال الدين وتمام النعمة وأما بعدها مما ابتدعه الخلف فمن أين لهم أن يعلموا إن كان النبي ïپ¥ يقره أو ينهى عنه ؟ أبالكشف الصوفي ؟
ولئن أقر النبي ïپ¥ فعل خبيب وبلال في الصلاة بعد كل وضوء فانه لم يقر البراء بن عازب على خطئه في الدعاء " آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت " قال البراء " فجعلت استذكرهن : وبرسولك الذي أرسلت . فقال ïپ¥ : لا ، وبنبيك الذي أرسلت " ( ).
ولم يقر النبي ïپ¥ عثمان بن مظعون على التبتل وسماه رهبنة ، ولم يقر الصحابة على اتخاذ ذات الأنواط .
فمن أين تضمنون إقرار النبي ïپ¥ لبدعكم وقد مات ؟ وقد بلغكم قبل موته أن البدعة في الدين مردودة ؟ هل الأمر في حاجة إلى الابتداع أم أنه التشغيب الذي جعلكم الشيطان أداته ؟ ألا يكفيكم ما شرعه الله من أبواب الخير والطاعات حتى تحتاجوا إلى زيادة بدعية , والعبادات المبتدعة مردودة في الدين !!
- أترضون أن يقال عنكم أنكم أهل بدعة لأنكم تجيزون بالدفاع عن البدعة أم أنكم تكرهون أن توصفوا بذلك ؟ فعليكم أيضاً أن تكرهوا أن يقال : إن من السنة جواز البدعة .

استدلاله بابتداع الطرق الصوفية

أما احتجاجه بابتداع الطرق الصوفية فما أقبحه من استدلال . فيعلم الله ما أفسد البلاد والعباد إلا هذه الطرق ، وكلمة التصوف واحدة ولكن ينضوي تحتها مئات الطرق المختلفة ، بينما طريق الله واحد { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام 153] .
الطرق التي يتحدث عنها هي السبل التي نهى الله عنها والتي تجمع بين التشيع والرهبنة وخرافات الملل القديمة .
ومن أراد الوقوف على حقيقة هذه الطرق فليرجع إلى كتابَيّ " الرفاعية " و "النقشبندية " ليرى انحرافهم واقترابهم من الشيعة وموالاتهم لأعداء الدين . فالطريقة التيجانية لها سجل حافل بالخيانة وموالاة الاستعمار الفرنسي ، والرفاعية كانوا بالأمس يوالون التتار ، وأحفادهم يكملون المسيرة فيتولون سائر الملل ويلوحون بعصاهم أمام من يعترض طريقهم " قرصنة باسم الدين " .

إعراض المسلمين سببه التدين المشوه
ويكفي أن المسلمين تحللوا من الدين بسبب ما رأوه من الخرافات باسم الدين ، حتى صار الدين دَروَشة و جنونا ورقصاً وهزاً وتواشيح دينية واستئجاراً للمطربين لعمل الموالد .
وهم لا يستطيعون الاعتراض على هذا الشذوذ وإلا واجهوا مجموعة من المتعصبين الذين يتقنون الجدل ويتهمونهم بالاعتراض على الله ومحاربة الأولياء ، فكان الإعراض والانحلال من الدين هو الطريقة الأمثل والأسلم بالنسبة لهم .

الاحتجاج بالزيادة في صيغة الأذان

ومن البدع التي يحتج بها الحبشي : الجهر بالصلاة على النبي ïپ¥ بعد الأذان والذي أُحدث في القرن الثامن ، ولم يكن معمولاً به من قبل " ( ) ويجاب عن ذلك بما يلي :
• إن كانت الصلاة على النبي ïپ¥ مطلوبة بعد الأذان استدلالاً منكم بحديث " فقولوا مثلما يقول المؤذن ثم صلوا علي " هل فهمه الصحابة على نحو ما تفهمونه ؟ لماذا لم يفهموا من الحديث الجهر بالأذان ؟ ثم كيف كان أذان بلال أيام النبي ïپ¥ ألا يسعنا ما وسول الله ïپ¥ وأصحابه ؟ قال ابن كثير " ومن لم تَسَعْه طريقة رسول الله ïپ¥ وطريقة المؤمنين السابقين فلا وسَع الله عليه " ( ).
• نص الحافظ ابن حجر على أن الصلاة على النبي ïپ¥ ليست من الأذان لا لغـة ولا شرعاً ( ) وذم ابن الجـوزي فعلها ( ) وذكر الشعراني ( ) أنها أحدثت أيام الفاطميين الروافض ( ) ، بل قد جزم السيوطي بأن الصلاة على النبي بعد العطاس بدعة مذمومة ( ). فهل تعتبرون السيوطي في نهيه عن الصلاة على النبي بعد العطاس وهابياً ؟ وهل نهى عنها لكراهيته للنبي ïپ¥ أم لكراهيته للابتداع في الدين !!
• لماذا استحسنتم الصلاة على النبي بعد الأذان ولا تفعلون ذلك بعد الإقامة ؟
• ولماذا تصلون عليه بعد الأذان ولا تصلون عليه عندما تقولون أثناء الأذان : أشهد أن محمداً ïپ¥ رسول الله ؟ أليست الصلاة عليه تكون بعد ذكر اسمه مباشرة ؟
وما المانع أن تقولوا أثناء الأذان : أشهد أن لا إله إلا الله (سبحانه وتعالى) هل تحرمون علينا أن نسبح الله وننزهه أثناء الأذان ؟
• وإليكم سؤالاً أستفتي به " سلطانكم " ( ) : ما حكم من يصر على زيادة صيغة الصلاة على النبي ïپ¥ وسط هذه الآية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [ ïپ¥ ] إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ } إذا أجاز ذلك فقد زاد على ما أوحاه الله ، وإن رفض ذلك - ولا مفرّ له من الرفض - حكمنا عليه بأنه صار وهابياً يكره الصلاة على النبي ïپ¥ فهذا تشويشكم ، مقابل تشويشكم ، فإننا نرفض زيادة صيغة الصلاة على النبي ïپ¥ بعد الأذان للمؤذن اقتصاراً منا على أن تبقى صيغة الأذان بنفس اللفظ الذي أوحى به الله بنفس الأذان ما الذي ثبت عليه بلال بلا زيادة .
إن كان المانع هو التمسك بالنص الثابت فنحن لا ننازعكم إلا لهذا السبب . لكنكم تتناقضون فتارة تتمسكون بالنصر وتارة تزيدون عليه .
• ثم لماذا لا توافقون على زيادات الشيعة في الأذان فتزيدون في الأذان ( أشهد أن علياً بالحق ولي الله ) ؟ ألسنا أهل السنة نشهد أنه ولي الله حقاً ؟
• ثم لماذا لا تزيدون على الأذان (حي على خير العمل) أليست الصلاة خير العمل ؟ ألم يقل النبي ïپ¥ "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة " ( ) .
• بأي قانون تحرمون على العبد أن يزيد في الأذان ما يشاء وبأي وجه تمنعون الشيعة الروافض من الزيادة التي أحدثوها ؟
• وأما الاستدلال بما رواه أبو داود عن ابن عمر أنه كان يزيد في التشهد " وحده لا شريك له " ويقول : أنا زدتها ( ) فهذا الحديث عند أبي داود برقم (971) غير أن من يراجع الحديث الذي يليه (973) فسيجد أن هذه الزيادة من قول النبي ïپ¥ وليست من زيادة ابن عمر " فلماذا التلبيس على عامة الخلق ؟ ليس هذا من الأمانة العلمية ولا من خدمة الحديث .
• أنه كان من الواجب الاقتصار والوقوف على ما أوقفنا عنده الشارع الحكيم ، وأن لا يكون حالنا كمن قال الله عنهم { فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [ الجاثية 17 ] فنُحدث زيادة على السنن مما يؤدي إلى التفريط في الواجب والوقوع في المحرّم : وهو تفريق كلمة المسلمين وبث النزاعات بينهم والتشويش والتلبيس عليهم في دينهم.
لقد جاءنا العلم بصيغة الأذان ، ثم جاءت طائفة تدافع عن الزيادات والإضافات عليه من بعد ما جاءهم العلم من عند الله . فننشدكم الله أيها الصادقون أن لا تسهموا في الوقوع بمثل ما زلت به أقدام الأمم من قبلنا .
• وصحيح أن النبي ïپ¥ أمرنا إذا سمعنا المؤذن أن نصلي عليه وصحيح أنه لم يقل (صلوا عليّ سراً ) كما قال الحبشي ( ) لكن الأذان في عهده بقي من غير الصلاة عليه ، فلماذا لا نجمع بين الأمرين بأن لا نزيد على صيغة الأذان ونصلي عليه كما أمرنا من غير أن يجهر المؤذن بذلك ؟!