[size=32]
[/size] [size=32]
المقاصد النورانية للقرءان الكريم[/size] [size=32]
سورة المائده
[/size]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
"سورة المائدة"
[size=32]
إن في القرءان الكريم ترتيبان
ترتيب من حيث النزول وترتيب في مصحف الكريم . فمعجزة الرسول صلى الله عليه وسلم معجزة ليست فقط انشقاق البحر أو السير على الماء أو اشفاء المريض أو تبصير الأعمى بإذن الله لكنها معجزة ورسالة جامعة لجميع الأمم و لجميع العصور إلى أن تقوم الساعة , وإلى كونها جامعة فهي مانعه لأن يأتي بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً لذلك كان من الواجب أن ينفرد صلى الله عليه وسلم بمعجزة تبقى بقاء رسالته إلى أن تقوم الساعة وبمنهج يغطي كل أشكال الحياة إلى أن تقوم الساعة لأننا كما نعرف أن الرُسل قد أُرسلوا مسبقًا لأمم معينه و لأمكنة مخصوصة ولزمان محدد لأن العالم كان في شبه انعزال لعدم وجود الوسائل التي تيسر الالتقاء والتواصل بين الناس ولكن شاء الله سبحانه أن يختم الرسالات برسالته صلى الله عليه وسلم لتكون على موعد مع رشد العقل البشري في أن يجعل العالم كله وحده واحدة بحيث أن ظهر داء في الشرق يظهر هذا الداء فى الغرب ووجب أن يكون العلاج والمعالج واحداً .
وانفرد صلى الله عليه وسلم بمعجزةٍ تبقى..
أي تظل هذه المعجزة مع الرسالة والمنهج فتكون رسالته ومعجزته هي كما هي ولكن لو أن المعجزة جاءت على طبيعة المعجزات لإخوانه من الرسل السابقين لكانت قد انتهت بانتهاء زمانه بحيث تصبح خبراً وتاريخاً فنحن نعلم أن البحر انشق لموسى نعرفه خبراً ولم نشهده مشهداً ونعرف أن عيسى عليه السلام ابرأ الأكمه والأبرص ولكننا لا نرى هذه المعجزات إلا خبراً ولولا أن القرءان الذي نؤمن به قص علينا مثل هذه المعجزات ربما كنا نقف فيها ولكن لأن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة فيجب أن تظل معجزته باقية لتحرس المنهج وتكون دليلاً على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت معجزته هي القرءان التي تحوي المنهج والرسالة والمعجزة , فيستطيع أي مؤمن به أن يقول على القرءان الكريم بأنه منهج الإسلام وهذه معجزة رسوله وفي نفس الوقت حاضرة بيننا, ولأن الأمم مختلفة في اللغة والحضارات فقد وجب أن تكون هناك معجزة لا تختلف فيها اللغات والحضارات وهي المعجزات العقلية التي تتحقق بمرور القرون وتظهر في كل جيل تُثبت أن محمد صلى الله عليه وسلم هو النبي المُرسل والذين لا يؤمنون أن ما جاء به حقاً وصدقاً من عند الله رغم ثبوت أميته ولم يعرف عنه نشاطاً علمياً أو طبياً أو ثقافياً ثم يأتي بأشياء تتحقق بعد مضي القرون إذا لم يؤمنوا بهذه الأمور فقد رفعوه لمرتبة الألوهيه ,لأنه قد جاء بشيء مستقبلي هم أنفسهم أثبتوه بأيديهم وأقروا صعوبة الوصول إلى مثل هذه النتائج في وقت محمد صلى الله عليه وسلم .....
فكان واجباً على كل من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة الله ورسوله وتطبيق المنهج الذي نهجه القرءان الكريم وكان لِزامًا لهم أن يوفوا بكل العقود التي عقدها المؤمنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل الأزمان ولأهمية هذه العقود ووجوب الإيفاء بها فكانت هذه السورة , ومن حق الله علينا أن نوفي بالعقود حيث أن الله قد قدم الكون كله للإنسان بكل أجناسه لخدمة البشرية فوجب علينا بعد قبولنا بكل هذه النعم أن نوفي العقود التي قعدناها إيماناً بخالق النعم ومسخرها لنا فكانت أول الآيات ربط بين الوفاء بالعهود ..وأحل لكم بهيمة الأنعام ...
[/size]
بنا نبدأ سوياً مع سورة المائدة
[size=32]
[/size]
[size=32]
[/size]
[size=32]
[/size]
سورة المائدة (سورة مدنية)، ومنها ما نزل في مكة (بعد حجة الوداع).
[size=32]
[/size]
الوفاء بالعهود وخمسة عشر نداء من الله
[size=32]
نزلت بعد سورة الفتح، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة النساء، وعدد آياتها 120 آية.
إنَّ سورة المائدة هي السورة الوحيدة في القرءان التي ابتدأت بـ ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ...[.
وتكرّر هذا النداء في القرءان كله 88 مرة، منها 16 مرة في سورة المائدة لوحدها.
يقول عبد الله بن مسعود: "إذا سمعت
]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ[
فارعها سمعك فإنه أمر خير تؤمر به أو شر تنهى عنه". ومعنى
]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ[
أي يا من آمنتم بالله حقاً، يا من رضيتم بالله رباً، يا من أقررتم بالله معبوداً، اسمعوا وأطيعوا.
[/size]
هدفــها " نــداؤها"
[size=32]أما هدف السورة فهو واضح من أول نداء جاء في السورة
]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ[
أي أوفوا بعهودكم، لا تنقضوا الميثاق، والعقود تشمل ما عقده الإنسان، من المسؤولية عن الأرض واستخلاف الله للإنسان، إلى أمور الطاعات كالصلاة والحجاب، إلى ترك المحرمات كشرب الخمر وأكل الحرام.
وكما ذكرنا فلم يتكرر نداء ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ[ في أي سورة كما تكرّر في سورة المائدة (16 نداء) فسورة البقرة مثلاً فيها عشرة نداءات مع أنّ عدد آياتها أطول. هذه النداءات تشكل محاور السورة، فكلما يأتي نداء منها ترى بعده محوراً جديداً للسورة فيه تفاصيل الأوامر أو النواهي. 16 أمراً والسورة تنقلنا من أمر إلى آخر، لتأمرنا بالإيفاء بالعقود.
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "إنَّ سورة المائدة كانت آخر ما أنزل من القرءان فما وجدتم فيها من حلال فأحلّوه وما وجدتم فيها من حرامٍ فحرِّموه".
ففي السورة نرى آخر آية أحكام في القرءان:
]ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً[ (3)
من التي أنزلت في حجة الوداع.
أظن أن هدف السورة بدأ يظهر. الآن وقد تم الدين، فالتزموا بالعهد مع الله وحافظوا عليه، فأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه. إنها سورة الحلال والحرام في الإسلام. لذلك جاء في الحديث "علّموا رجالكم سورة المائدة، وعلّموا نساءكم سورة النور".
[/size]
محاور السورة
[size=32]
كما ذكرنا فكلما يأتي نداء ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ[ تنتقل بنا السورة إلى محور جديد وأحكام جديدة تفصيلية. والملفت أن كل آيات السورة تدور في فلك هذه المحاور التي تبيّن أحكاماً كثيرة في الحلال والحرام:
1. الطعام والشراب والصيد والذبائح.
2. الأسرة والزواج.
3. الإيمان والكفارات.
4. العبادات.
5. الحكم والقضاء والشهادات وإقامة العدل.
6. تنظيم علاقات المسلمين والأديان الأخرى، خاصة اليهود والنصارى.
هناك تركيز في السورة على الحلال والحرام في الطعام والشراب والصيد والذبائح. وهذا يتناسب تماماً مع اسم السورة "المائدة"، فالطعام من أهم ضروريات الحياة ومع ذلك فيجب مراعاة الحلال والحرام فيه، فما بالك بغيره من شؤون الحياة؟ أيضاً خلال هذا الكم الهائل من أحكام الحلال والحرام في السورة يأتي التأكيد دائماً على أن التشريع ملك الله وحده، من أول آية ]إِنَّ ٱلله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ[ إلى أن تأتي ثلاث آيات تحذّر من الحكم بغير ما أنزل الله، كقوله تعالى ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱلله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ[.
[/size]
تدرّج وترابط سور القرءان
[size=32]
وتنبَّه إلى علاقة سور القرءان السابقة مع سورة المائدة، فبعد أن أبلغت سورة البقرة مسؤولية الإنسان عن الأرض، جاءت سورة آل عمران لتحثّ المرء على الثبات، ثمّ سورة النساء لتبلغنا أنه حتى نثبت لا بد من أن نحقق العدل والرحمة مع الضعفاء خاصة مع النساء، ثمّ تأتي بعد ذلك سورة المائدة لتأمرنا بالإيفاء بكل ما سبق...
سورة المائدة تأمرنا إذاً بالعدل مع الزوجة والضعفاء وكل الناس وتأمرنا بالثبات والوفاء مع المنهج الذي أراده الله لنا وبيّنه في سورة البقرة.
لذلك جاءت فيها الآية (3) التي أعلنت ختام المنهج وإتمامه, ولاحظ أيضاً تدرّج سور القرءان الكريم في خطاب أهل الكتاب:
سورة البقرة: بيان لأخطاء أهل الكتاب فقط مع الدعوة إلى التميّز عنهم.
سورة آل عمران: مناقشة هادئة مع عقائدهم وإيجاد نقاط مشتركة.
سورة النساء: انتقاد غلو أهل الكتاب واختلافهم في عيسى عليه السلام.
سورة المائدة: مواجهة شديدة ]لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱلله ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ...[ (73).
[/size]
"مما يعلمنا أن الإسلام منهج متدرّج في خطابه مع الأديان الأخرى"