أكرمي ضيفه لتسعدى قلبه , كيف تجعلين زوجك يحبك , سلسلة الحياة الزوجية
إن إكرام الضيف من مكارم الأخلاق، وجميل الخصال التي تحلَّى بها الأنبياء، وحثَّ عليها المرسلون، واتصف بها الأجواد كرام النفوس، فمَنْ عُرِفَ بالضيافة عُرِف بشرف المنزلة، وعُلُوِّ المكانة، وانقاد له قومُه، فما ساد أحد في الجاهلية ولا في الإسلام، إلاّ كان من كمال سُؤدده إطعام الطعام، وإكرام الضيَّف، كما قال ابن حِبَّان يرحمه الله:
"والعرب لم تكن تعدُّ الجودَ إلا قِرَى الضَّيف، وإطعام الطعام، ولا تعدُّ السَّخيَّ من لم يكن فيه ذلك".
وحين تسارع الزوجة بإكرام ضيف زوجها، فإنها بذلك تُسعدين قلب زوجك، ويشعر زوجك بأنكِ تحبينه، والمسارعة في إكرام الضيف علامة على كرم البيت وأهل البيت. كما أنها علامة على الإيمان. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" (رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما).
ومن الأمثلة التي تضرب في الكرم، مثل إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، حين جاءته الملائكة في صورة بشر، فظن أنهم ضيوف فماذا فعل؟!
ذهب على عجالة من أمره وأحضر لهم عجلاً سميناً مشويا، قال الله تعالى في محكم التنزيل (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) سورة الذاريات – آية رقم 26. وكانت امرأته تساعده حتى في تقديم الطعام للضيوف، قال عز من قائل (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) سورة هود – آية رقم 71.
قال المفسرون: كانت امرأته قائمة بجوارهم لتخدمهم، فبشرتها الملائكة بولد يُسمّى اسحاق وبشرتها أن هذا الولد سيكبر ويتزوج وينجب ولداً آخر يسمى يعقوب وأن كليهما سيكون نبيّاً.
ونحن لا نقول أن تعد الزوجة للضيوف عجلاً سميناً، فليس الكل يقدر على ذلك، كما أنه ليس كل ضيف يأتي في وقت تناول الطعام.
لكن على الأقل أن تقدم لهم المشروب المناسب، ولا تتأفف من كثرة ضيوف زوجها، أو من عدم مناسبة أوقات زيارته بالنسبة له. فإذا جاء الضيف في وقت ما فيجب إكرامه، فالكرامة واجب في أي وقت، وهذه أم سليم بنت ملحان امرأة أبي طلحة الأنصاري، يأتي زوجها ليلاً ومعه ضيوف على غير موعد، فيسألها هل عندكم من طعام؟، فتقول: لا إلاّ طعام أولادي. فيقول لها: عللّيهم بشيء ثم نوميهم، فتفعل ذلك، ثم يقول لها: قدمي الطعام للضيف حتى إذا أخذ يأكل قومي للسراج وكأنت تصلحيه ثم أطفئيه، وذلك حتى يظن الرجل أنهم يأكلون فيأكل هو ولا يستحي من قلة الطعام. فيأكل الضيف ويبيت أبو طلحة وامرأته وأولاده من غير عشاء. ويذهب أبو طلحة لصلاة الفجر في المسجد فيرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول له رسول الله " إن الله عجب البارحة من صنيعكما بضيفكما" (رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما بألفاظ متقاربة)، وأنزل الله تعالى في هذه الحادثة قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة الحشر – آية رقم 9.
قال الشاعر:
أولئك قومٌ إن بنـوا أحسنـوا البِنَا *** وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدُّوا
وإن كانت النعماءُ فيهم جزَوا بها *** وإن أنعموا لا كـدَّروها ولا كـدُّوا
وعلى المضيف عدم احتقار القليل، بل يجود بالموجود ولو بشق تمرة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن احتقار القليل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارةٌ لجارتها ولو فِرْسنَ شاةٍ".
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا ويرزق زوجات المسلمين نفوساً كريمة سخية، ووجوها باسمة ندية، وصلى الله وسلم وبارك على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.