عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِييَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ, وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ, وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ, وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ( (1).
شرح المفردات(2):
)الأُتْرُجَّةِ(ثمر شبه التفاحة، وهي من أحسن الثمار الشجرية وأنفسها عند العرب.
(الريحانة)كل بقلة طيبة الريح, وهو ما يستراح إليه. وقيل: هي كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم.
(الحنظلة)نبات ثمرته في حجم البرتقالة ولونها، فيها لب شديدالمرارة، ويمتد على الأرض كالبطيخ وثمره يشبه ثمر البطيخ, لكنه أصغر منه جداً, ويضرب المثل بمرارته.
شرح الحديث:
قال ابن حجر:قوله: (طَعْمهَا طَيِّب وَرِيحهَاطَيِّب)قِيلَ: خَصَّ صِفَةالْإِيمَان بِالطَّعْمِ, وَصِفَة التِّلَاوَة بِالرِّيحِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَان أَلْزَم لِلْمُؤْمِنِ مِن الْقُرْآن؛ إِذْ يُمْكِن حُصُول الْإِيمَان بِدُونِ الْقِرَاءَة, وَكَذَلِكَ الطَّعْم أَلْزَم لِلْجَوْهَرِ مِن الرِّيح؛ فَقَدْ يَذْهَب رِيح الْجَوْهَر وَيَبْقَى طَعْمه.
ثُمَّ قِيلَ: الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الْأُتْرُجَّة بِالتَّمْثِيلِ دُون غَيْرهَا مِن الْفَاكِهَة الَّتِي تَجْمَع طِيب الطَّعْم وَالرِّيح كَالتُّفَّاحَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِقِشْرِهَا وَهُوَ مُفْرِح بِالْخَاصِّيَّةِ, وَيُسْتَخْرَج مِنْ حَبِّهَا دُهْن لَهُ مَنَافِع.
وَقِيلَ: إِنَّ الْجِنّ لَا تَقْرَب الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الْأُتْرُجّ فَنَاسَبَ أَنْ يُمَثِّلَ بِهِ الْقُرْآن الَّذِي لَا تَقْرَبهُ الشَّيَاطِين, وَغِلَاف حَبّه أَبْيَض فَيُنَاسِب قَلْب الْمُؤْمِن, وَفِيهَا أَيْضًا مِن الْمَزَايَا كِبْر جُرْمهَا وَحُسْن مَنْظَرهَا وَتَفْرِيح لَوْنهَا وَلِين مَلْمَسهَا, وَفِي أَكْلهَا مَعَ الِالْتِذَاذ طِيب نَكْهَة وَدِبَاغ مَعِدَة وَجَوْدَة هَضْمٍ, وَلَهَا مَنَافِع أُخْرَى مَذْكُورَة فِي الْمُفْرَدَات(3).
وقال بن بطال: "معنى هذا الباب أن قراءة الفاجر والمنافق ترتفع إلى الله ولا تزكو عنده, وإنما يزكو عنده ما أريد به وجهه, وكان عن نية التقرب إليه, وشبهه بالريحانة حين لم ينتفع ببركة القرآن, ولم يفز بحلاوة أجره, فلم يجاوز الطيب موضع الصوت وهو الحلق, ولا اتصل بالقلب, وهؤلاء هم الذين يمرقون من الدين"(4).
وقال العيني:"اعلم أن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وصف اشتمل على معنى معقول صرف لايبرزه عن مكنونه إلا تصويره بالمحسوس المشاهد, ثم إن كلام الله المجيد له تأثير في باطن العبد وظاهره, وإن العباد متفاوتون في ذلك, فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير, وهو المؤمن القارئ ومنهم من لا نصيب له البتة وهو المنافق الحقيقي, ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي, أو بالعكس وهو المؤمن الذي لم يقرأه, وإبرازهذه المعاني وتصويرها في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث, ولم يجد ما يوافقها، ويلائمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك؛ لأن المشبهات والمشبه بها واردة على التقسيم الحاضر؛ لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن, والثاني إما منافق صرف أو ملحق به, والأول إما مواظب عليها, فعلى هذا قس الأثمار المشبه بها, ووجه التشبيه في المذكورات مركب منتزع من أمرين محسوسين طعم وريح, وقد ضرب رسول الله عليه الصلاة والسلام المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال؛
فإنها من ثمرات النفوس فخص ما يخرجه الشجر من الأترجة والتمر بالمؤمن, وبما تنبته الأرض من الحنظلة والريحانة بالمنافق, تنبيهًا على علو شأن المؤمن وارتفاع علمه ودوام ذلك, وتوقيفًا على ضعة شأن المنافق وإحباط عمله وقلةجدواه"(5).
من فوائدالحديث:
1-َفِي الْحَدِيث فَضِيلَة حَامِلِ الْقُرْآن, وَأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ تِلَاوَةالْقُرْآن الْعَمَل بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ.
2-َوضَرْب الْمَثَل لِلتَّقْرِيبِ لِلْفَهْمِ(6).
3-أن لتلاوة القرآن أثر على المؤمن؛ في زيادة إيمانه، وطمأنينة قلبه، وفي طيب نفسه، ورفعة قدره، وعلو منزلته.
4- على المسلم أن يحرص على تلاوة كتاب الله، وتدبره، والعمل بما فيه، وأن يكون له ورد يومي من القران، لا يفرط فيه لتزكو به نفسه، وتكثر به حسناته.
5-أنه قد يقع من بعض المؤمنين انصراف عن تلاوة القران وسماعه وهذا من هجره، قال الإمام ابن القيم: ((هجر القرآن أنواع:
أحدها :هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه،
الثاني :هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وان قرأه وآمن به،
والثالث:هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم،
والرابع :هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم بهمنه،
والخامس:هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواهَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [الفرقان/30]
وإن كان بعض الهجر أهون من بعض))(7).
ـــــــــــ
(1) صحيح البخاري، برقم: (5427)، واللفظ له،وصحيح مسلم، برقم: (797).
(2) ينظر: فتح الباري لابن حجر، 1/ 126، وتحفة الأحوذي للمباركفوري، 8/ 133- 134.
(3) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، 9/66-67. وانظر: عمدةالقاري شرح صحيح البخاري للعيني، 20/ 38.
(4) فتح الباريشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، 13/536.
(5) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني، 20/ 38.
(6) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، 9/66-67. وانظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني، 20/ 38.
شرح المفردات(2):
)الأُتْرُجَّةِ(ثمر شبه التفاحة، وهي من أحسن الثمار الشجرية وأنفسها عند العرب.
(الريحانة)كل بقلة طيبة الريح, وهو ما يستراح إليه. وقيل: هي كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم.
(الحنظلة)نبات ثمرته في حجم البرتقالة ولونها، فيها لب شديدالمرارة، ويمتد على الأرض كالبطيخ وثمره يشبه ثمر البطيخ, لكنه أصغر منه جداً, ويضرب المثل بمرارته.
شرح الحديث:
قال ابن حجر:قوله: (طَعْمهَا طَيِّب وَرِيحهَاطَيِّب)قِيلَ: خَصَّ صِفَةالْإِيمَان بِالطَّعْمِ, وَصِفَة التِّلَاوَة بِالرِّيحِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَان أَلْزَم لِلْمُؤْمِنِ مِن الْقُرْآن؛ إِذْ يُمْكِن حُصُول الْإِيمَان بِدُونِ الْقِرَاءَة, وَكَذَلِكَ الطَّعْم أَلْزَم لِلْجَوْهَرِ مِن الرِّيح؛ فَقَدْ يَذْهَب رِيح الْجَوْهَر وَيَبْقَى طَعْمه.
ثُمَّ قِيلَ: الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الْأُتْرُجَّة بِالتَّمْثِيلِ دُون غَيْرهَا مِن الْفَاكِهَة الَّتِي تَجْمَع طِيب الطَّعْم وَالرِّيح كَالتُّفَّاحَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِقِشْرِهَا وَهُوَ مُفْرِح بِالْخَاصِّيَّةِ, وَيُسْتَخْرَج مِنْ حَبِّهَا دُهْن لَهُ مَنَافِع.
وَقِيلَ: إِنَّ الْجِنّ لَا تَقْرَب الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الْأُتْرُجّ فَنَاسَبَ أَنْ يُمَثِّلَ بِهِ الْقُرْآن الَّذِي لَا تَقْرَبهُ الشَّيَاطِين, وَغِلَاف حَبّه أَبْيَض فَيُنَاسِب قَلْب الْمُؤْمِن, وَفِيهَا أَيْضًا مِن الْمَزَايَا كِبْر جُرْمهَا وَحُسْن مَنْظَرهَا وَتَفْرِيح لَوْنهَا وَلِين مَلْمَسهَا, وَفِي أَكْلهَا مَعَ الِالْتِذَاذ طِيب نَكْهَة وَدِبَاغ مَعِدَة وَجَوْدَة هَضْمٍ, وَلَهَا مَنَافِع أُخْرَى مَذْكُورَة فِي الْمُفْرَدَات(3).
وقال بن بطال: "معنى هذا الباب أن قراءة الفاجر والمنافق ترتفع إلى الله ولا تزكو عنده, وإنما يزكو عنده ما أريد به وجهه, وكان عن نية التقرب إليه, وشبهه بالريحانة حين لم ينتفع ببركة القرآن, ولم يفز بحلاوة أجره, فلم يجاوز الطيب موضع الصوت وهو الحلق, ولا اتصل بالقلب, وهؤلاء هم الذين يمرقون من الدين"(4).
وقال العيني:"اعلم أن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وصف اشتمل على معنى معقول صرف لايبرزه عن مكنونه إلا تصويره بالمحسوس المشاهد, ثم إن كلام الله المجيد له تأثير في باطن العبد وظاهره, وإن العباد متفاوتون في ذلك, فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير, وهو المؤمن القارئ ومنهم من لا نصيب له البتة وهو المنافق الحقيقي, ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي, أو بالعكس وهو المؤمن الذي لم يقرأه, وإبرازهذه المعاني وتصويرها في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث, ولم يجد ما يوافقها، ويلائمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك؛ لأن المشبهات والمشبه بها واردة على التقسيم الحاضر؛ لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن, والثاني إما منافق صرف أو ملحق به, والأول إما مواظب عليها, فعلى هذا قس الأثمار المشبه بها, ووجه التشبيه في المذكورات مركب منتزع من أمرين محسوسين طعم وريح, وقد ضرب رسول الله عليه الصلاة والسلام المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال؛
فإنها من ثمرات النفوس فخص ما يخرجه الشجر من الأترجة والتمر بالمؤمن, وبما تنبته الأرض من الحنظلة والريحانة بالمنافق, تنبيهًا على علو شأن المؤمن وارتفاع علمه ودوام ذلك, وتوقيفًا على ضعة شأن المنافق وإحباط عمله وقلةجدواه"(5).
من فوائدالحديث:
1-َفِي الْحَدِيث فَضِيلَة حَامِلِ الْقُرْآن, وَأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ تِلَاوَةالْقُرْآن الْعَمَل بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ.
2-َوضَرْب الْمَثَل لِلتَّقْرِيبِ لِلْفَهْمِ(6).
3-أن لتلاوة القرآن أثر على المؤمن؛ في زيادة إيمانه، وطمأنينة قلبه، وفي طيب نفسه، ورفعة قدره، وعلو منزلته.
4- على المسلم أن يحرص على تلاوة كتاب الله، وتدبره، والعمل بما فيه، وأن يكون له ورد يومي من القران، لا يفرط فيه لتزكو به نفسه، وتكثر به حسناته.
5-أنه قد يقع من بعض المؤمنين انصراف عن تلاوة القران وسماعه وهذا من هجره، قال الإمام ابن القيم: ((هجر القرآن أنواع:
أحدها :هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه،
الثاني :هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وان قرأه وآمن به،
والثالث:هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم،
والرابع :هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم بهمنه،
والخامس:هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواهَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [الفرقان/30]
وإن كان بعض الهجر أهون من بعض))(7).
ـــــــــــ
(1) صحيح البخاري، برقم: (5427)، واللفظ له،وصحيح مسلم، برقم: (797).
(2) ينظر: فتح الباري لابن حجر، 1/ 126، وتحفة الأحوذي للمباركفوري، 8/ 133- 134.
(3) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، 9/66-67. وانظر: عمدةالقاري شرح صحيح البخاري للعيني، 20/ 38.
(4) فتح الباريشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، 13/536.
(5) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني، 20/ 38.
(6) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، 9/66-67. وانظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني، 20/ 38.