بسم الله الرحمن الرحيم

أحبتي في الله ,

كثيرا ما نسمع بعد حديث معين كلمة (حديث صحيح) , أو (حديث ضعيف) , وأحيانا يسمع المرء منا حديثا فيعيد روايته كما سمعه فيجد بعض إخوانه أو معلميه يقول له : لا تحدث بهذا الحديث , إنه حديث ضعيف .. فما الفارق بين الحديث الصحيح والضعيف ؟ وكيف يفرق العلماء بينهما ؟ وكيف نتحقق نحن من صحة الحديث قبل روايته ؟ هذا ما سنحاول التعرف عليه في هذا الموضوع إن شاء الله عز وجل .



أولا : ما هو الحديث الصحيح و ما هو الحديث الضعيف ؟؟؟


الحمد لله

الحديث الصحيح هو الحديث الذي ثبتت صحته عن النبي صلى الله عليه و سلم و بالتالي نأخذ منه أحكامنا و شريعتنا , اما الحديث الضعيف فهو لم يثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم لذلك لا يصلح ان يكون مصدرا لديننا .
و في علم الحديث يعرف الحديث الصحيح على انه : ( ما رواه العدل تام الضبط عن مثله بسند متصل غير معل و لا شاذ ) , و هذا تعريف عظيم لمن اراد دراسة علم الحديث و يشتمل على فوائد عظيمة , لكن ليس هذا مجال التوسع في شرح مفرداته.




ثانيا : ما اهمية ان نعرف الحديث الصحيح من الضعيف ؟؟


الحمد لله

إن الاسلام كله يقوم على اساسين ثابتين لا يمكن الاستغناء بأحدهما عن الاخر , هذان الأصلان هما كتاب الله تعالى و سنة نبيه محمد صلى الله عليه و سلم , و عليهما تبني أحكام الشريعة , و منهما ناخذ عقيدتنا التي نرجو بها الفوز في الدنيا و الاخرة , لذا فإن من الضروري على من أراد تعلم الدين أو تعليمه ان يميز الحديث الصحيح من الضعيف , لأنك حين تنقل حديثا عن النبي صلى الله عليه وءاله وسلم فأنت بذلك تقول : هذا هو دين الله تعالى , وهذا أمر عظيم وأمانة لا يصح التهاون فيها .

ولشدة خطورة هذا الأمر حذر النبي صلى الله عليه وءاله وسلم تحذيرا شديدا من الكذب في النقل عنه فقال : ( إن كذبا علي ليس ككذب على أحد , فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) رواه مسلم وغيره .

وليس الكذب فقط في أن تتعمد وضع الكذب ,, بل أيضا حين تنقل الحديث وأنت تعلم كذبه ولا تبين ذلك , فعن رسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم أنه قال : ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ). رواه مسلم .

فالتحري في معرفة صحة الحديث وسلامة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وءاله وسلم واجب محتم , قبل أن تنقل الحديث إلى الناس وتبني عليه أحكاما شرعية تلزم نفسك وغيرك بها .



ثالثا : هل يوجد ما يضمن أن السنة المطهرة محفوظة من العبث و التبديل ؟


الحمد لله

نعم , فان الله تعالى يقول : ( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ) , قال اهل العلم : و حفظ القرءان يستلزم حفظ ما يفسره و هو السنة .

وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه , ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه , وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله ) رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد بسند صحيح .

فالسنة مفسرة للقرءان , كما أن فيها من الأحكام ما يكمل دين الإسلام مما ليس في القرءان , ومن أراد ان يستغني بالقرءان عن السنة فهو ضال مبتدع حذر منه النبي صلى الله عليه و سلم كما في هذا الحديث , و ذلك من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه و سلم حين اخبر ان أمثال هذا الرجل سيأتون , و قد ظهروا بالفعل منذ زمن كما اخبر الحبيب صلى الله عليه و سلم , وهم طائفة ضالة سموا انفسهم القرءانيين - والقرءان من قولهم بريء - وأنكروا السنة و ما زال بعضهم موجودا حتى الان .




خامسا : كيف نعرف الحديث الصحيح من الضعيف ؟


الحمد لله

قيض الله تعالى لهذا العلم علماءً أفذاذا , قضوا حياتهم في دراسة حديث النبي صلى الله عليه و سلم , ووضعوا قواعد وضوابط شديدة لمعرفة الحديث الصحيح من الضعيف , و من هنا نشأ علم الحديث الذي هو في حد ذاته من خصائص دين الإسلام ومميزاته العظيمة , فقد حفظ الله تعالى بهذا العلم العظيم دين الإسلام من التحريف والتبديل , وتفرع عن علم الحديث علم يسمى علم الرجال , وهو العلم الذي يعنى بدراسة أحوال رواة الحديث , من حيث الصدق و الكذب , والعدالة و الفسق , فلا يؤخذ الحديث الا من الثقة العدل , وفق الضوابط والشروط التي حددها العلماء في هذا الفن .




سادسا : كيف نعرف نحن - غير العلماء - الحديث الصحيح من الضعيف ؟


الحمد لله ,

نسأل أهل الذكر , وهم علماء الحديث , إما بالسؤال المباشر أو بالرجوع إلى كتبهم وتحقيقاتهم .

فهناك مصنفات حديثية لبعض العلماء الأجلاء التزمت الصحة في جميع أحاديثها , فهذه يؤخذ منها الحديث مباشرة , وأشهرها : صحيحا البخاري و مسلم , و هما اصح كتابين بعد كتاب الله تعالى .

و هناك مصنفات فيها الصحيح و الضعيف , مثل كتب السنن : ( كسنن النسائي و الترمذي و ابي داوود و ابن ماجه ) , و المسانيد (كمسند الإمام أحمد وغيره ) , ومثل المعاجم الحديثية ( كمعجم الطبراني الصغير والأوسط والكبير ) , والجوامع أو المجامع الحديثية ( وأشهرها : الجامع الصغير والكبير للإمام السيوطي , وكنز العمال للمتقي الهندي ) , و غير ذلك من أنواع المصنفات الحديثية .

فعندما تنقل حديثا من المصنفات الصحيحة ( البخاري و مسلم ) فعليك فقط ان تتاكد ان الحديث موجود بالفعل في البخاري او مسلم , و بذلك تعلم صحته .

و عندما تنقل حديثا عن غيرهما - و انت لست عالما بالحديث وتحقيقه - فعليك الرجوع الى أقوال العلماء المحققين الذين يحققون الاحاديث و يفصلون الصحيح من الضعيف , و من هؤلاء العلماء على سبيل المثال لا الحصر: الإمامان الذهبي وابن القيم رحمهما الله و غيرهما .
و من أئمة عصرنا هذا الشيخ العلامة الامام ناصر الدين الالباني غفر الله له و رحمه و نفع بعلمه و عمله , و الشيخ احمد شاكر رحمه الله .

و الشيخ الالباني قد صنف اربعة مصنفات عظيمة جمع فيها أكثر الاحاديث الصحيحة و الضعيفة و حكم على كل منها بدرجته من الصحة و الضعف , و هذه المصنفات هي :

1- صحيح الجامع الصغير
2- ضعيف الجامع الصغير
وهما - بمجموعهما - عبارة عن تحقيق لكتاب الجامع الصغير للإمام السيوطي رحمه الله , ثم :

3- السلسلة الصحيحة
4- السلسلة الضعيفة

بالاضافة الى تحقيقه عدد من كتب السنة مثل سنن ابي داوود و ابن ماجه و النسائي ومشكاة المصابيح وغيرها .



سابعا : كيف نستطيع أن نميز بطريقة سريعة و مباشرة - أثناء كتابة موضوع معين أو نقله - الحديث الصحيح من الضعيف ؟


الحمد لله الذي أنعم علينا بنعم وفيرة كثيرة , ومنها تيسير الحصول على العلم الشرعي مع زيادة وسائل التقنية الحديثة وإمكاناتها .

إن العالم فيما مضى كان يسافر شهرا على دابته للحصول على حديث واحد , أما اليوم فيمكن لطالب العلم استعراض مئات الاحاديث و معرفة تخريجها و درجتها بسهولة ويسر -بإذن الله عز وجل- .

هناك الكثير من المواقع على الشبكة التي اهتمت بهذا الامر , و حوت مكتبات الكترونية تشمل الكثير من الموسوعات الحديثية , ومواقع تتيح سؤال أهل العلم عن درجة حديث معين وهم يفيدونك بالجواب , بالإضافة الى اسطوانات الموسوعات الحديثية التي تنتجها شركات البرامج الاسلامية , و أخيرا هناك برامج موجودة على الشبكة يمكن تحميلها و الاستفادة منها .

و هنا أنصح من يريد ان ينقل حديثا عن النبي صلى الله عليه و سلم أن يبحث عن الحديث في مصدر أو أكثر من هذه المصادر التي ذكرناها , فيمكنه مثلا البحث في اسطوانة و موقع , او موقع و برنامج , و هكذا .. و الأمر لا يكلف بضع ثوان , و لكنه من الأهمية بمكان , حتى لا يشملنا الوعيد الخاص بمن يحدث الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم


هذا والله اعلم وصلى الله وسلم على نبيه محمد