بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفس
نا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد.
فقد جاء في الحديث النبوي الشريف الذي رواه عمر ابن الخطاب من حديث جبريل عليه السلام مع نبينا محمد عندما سأله قائلاً: { فأخبرني عن الإيمان؟ }، فقال : { أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره } فقال جبريل: { صدقت } [صحيح مسلم].
من هذا الحديث يتبين لنا أن من أركان الإيمان الذي لا يكتمل إيمان المرء إلا بها: الإيمان بالرسل، ولم يقل بالرسول فقط.
فما هو الإيمان بالرسل جميعاً؟ وكيف يكون؟ ومن هم الرسل؟ وما هي خصائصهم؟ وما هو هدفهم؟ وما الفرق بين الأنبياء والرسل؟ ومن الأفضل منزلة؟
إلى غير ذلك من الأسئلة المهمة التي سوف نوضح أجوبتها إن شاء الله تعالى في هذه الرسالة باختصار مع نبذة عن الأنبياء والرسل الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم. ومما ينبغي علينا معرفته أن الكثير منهم لم يذكر اسمه في القرآن، وقد جاءت الأخبار والآثار من علماء السنة بذكر بعضهم، وأن أكثرهم لم يذكر اسمه على الإطلاق، قال تعالى: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164].
وهدف الأنبياء والرسل جميعاً واحد وهو توحيد الله بعبادته، وبنسخ بعضهم شرائع بعض، فهذا عيسى عليه السلام ينسخ بعضاً من شريعة موسى عليه السلام وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران:50]. حتى جاء خاتمهم وهو نبي الأمة محمد ، وارتضى الله لنا شريعته الخاتمة التي جاء بها ديننا الإسلامي الحنيف، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19] وقال أيضاً: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، وقال : { والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار } [صحيح مسلم].
ويجب علينا أن نؤمن بهم جميعاً ونحبهم جميعاً، كما قال تعالى: وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ [البقرة:285]، وكذلك قول النبي : { الأنبياء أخوة.. ودينهم واحد } [صحيح البخاري]. ولكنهم يتفاضلون تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253] وأفضلهم خاتمهم محمد .
الأنبياء: جمع (نبي) بمعنى ( منبأ) بخبر ما وهو الوحي والشرع، وتقرأ أيضاً ( نبيء).
الرسل: جمع ( رسول) بمعنى ( مرسل) أي ( مبعوث) بإبلاغ شيء وهي البعثة بالرسالة.
وكلا الصنفين بشراً أوحيَ إليهم بشرع، فالأنبياء أوحى إليهم بشريعة لرسل قبلهم لتجديدها وتثبيتها، ولم يؤمروا بتبليغ رسالة خاصة بهم، وإنما الرسل أمروا بالتبليغ وبعثوا برسالة إلى أقوامهم خاصة بخلاف رسول الله محمد الذي بعث برسالة وأمر بتبليغها للناس كافة، بل للثقلين الجن والإنس جميعاً، بدليل قوله : { كان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة } [صحيح البخاري].
فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول.
وأول الأنبياء آدم عليه السلام، وأول الرسل نوح عليه السلام. ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك من حديث الشفاعة أن النبي ذكر أن الناس يأتون إلى آدم ليشفع لهم فيعتذر اليهم ويقول: { ائتوا نوحاً أول رسول بعثه الله } وذكر تمام الحديث.
ولم تخل لأمة من رسول يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه، أو نبي يوحى إليه بشريعة من قبله ليجدرها ويبثها، قال تعالى: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24].
والأنبياء والرسل صلى الله وسلم عليهم جميعاً هم بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، فلا يملكون لنا أو لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، قال تعالى: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188].
وتلحقهم خصائص البشرية من المرض، والموت، والحاجة إلى الطعام والشراب، وغير ذلك. قال الله تعالى عن ابراهيم عليه السلام في وصفه لربه تعالى: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ [الشعراء:79-81].
وقال رسولنا محمد : { إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني } [صحيح البخاري].
وقد وصفهم الله سبحانه بالعبودية له في أعلى مقاماتهم، وفي سياق الثناء عليهم، فقال الله تعالى في محمد : تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان:1].
ومن خصائص الأنبياء والرسل:
أن لكل نبي دعوة مستجابة، قال : { لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وأريد أن أخبئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة } [رواه البخاري].
هم أشد الناس بلاء، سئل النبي : أي الناس أشد بلاء؟ قال: { الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل } [رواه الترمذي].
صبرهم الشديد على ذلك البلاء.
رؤياهم حق، قال تعالى: إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصافات:102].
يوفون بالوعد والعهد، ولا يغدرون.
لا يورّثون، قال صلى الله عليه وسلم: { لا نورّث ما تركناه فهو صدقة } [صحيح البخاري].
لا تأكل الأرض أجسادهم، قال : { إن الله عز وجل قد حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء } [رواه النسائي].
والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن رسالاتهم حق من الله تعالى، فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع، كما قال تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105]ٍ، فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل، مع أنه لم يكن غير نوح عليه السلام حتى كذبوه.
الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه، وأما من لم نعلم اسمه فنؤمن به إجمالاً.
الثالث: تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.
الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم، وهو خاتمهم محمد : فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65].
وللإيمان بالرسل ثمرات جليلة، منها:
الأولى: العلم برحمة الله تعلى وعنايته بعباده حيث أرسل اليهم الرسل ليهدوهم إلى صراط الله تعالى، وبينوا لهم كيف يعبدون الله.
الثانية: شكر الله على هذه النعمة الكبرى.
الثالثة: محبة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم، والثناء عليهم بما يليق بهم. الرابعة: أخذ العبرة، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ [يوسف:111].
والأنبياء والرسل الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم هم:
1- آدم عليه السلام: أبو البشر وأول الأنبياء، وقد كرمه الله تعالى وخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ [الإسراء:61].
2- إدريس عليه السلام: أول من أعطي النبوة بعد آدم عليه السلام، وأول من خط بالقلم، وفي حديث الإسراء أن رسول الله مر به في السماء الرابعة وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً [مريم:57،56].
3- نوح عليه السلام: أول رسول بعث إلى الأرض، وهو من أولي العزم من الرسل، أرسل إلى قومه ليدعوهم إلى دين الله وحده فأبوا، وظل يدعو قومه ( 950 عاماً ) فأمره الله أن يصنع سفينة وفيها أنجاه الله ومن معه، وأغرق قومه بالطوفان إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [نوح:1].
4- هود عليه السلام: أرسله الله إلى قوم عاد باليمن، فكذبوه، فأرسل الله عليهم الريح العقيم أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ [الفجر:6-8]. وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ [هود:50].
5- صالح عليه السلام: أرسله الله إلى ثمود الذين يسكنون الحجاز وتبوك فكذبوه واستكبروا أن يؤمنوا بما جاءهم به، فأرسل الله تعالى إليهم ناقة لتكون لهم آية على ألا يمسوها بسوء، فذبحوها، فأخذتهم الصاعقة وأهلكو أجمعين كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الشعراء:131-143].
6- إبراهيم عليه السلام: هو خليل الله أبو الأنبياء ومن أولي العزم من الرسل دعا قومه ( أهل العراق ) إلى عبادة الله وحده، فلم يستجيبوا له، فكسّر أصنامهم فألقوه في النار فأنجاه الله منها وجعلها عليه برداً وسلاماً، أمره الله ببناء الكعبة المشرفة هو وابنه اسماعيل وأن يؤذن في الناس بالحج وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ [البقرة:126].
7- إسماعيل عليه السلام: هو ابن ابراهيم عليه السلام وجد نبيّنا ورسولنا محمد . ومن أوائل من سكن مكة وكان رسولاً نبياً، فجّرت زمزم بسببه، بنى مع أبيه الكعبة المشرّفة. أمر الله أباه بذبحه ثم افتداه بكبش عظيم وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً [مريم:54].
8- إسحاق عليه السلام: هو ابن إبراهيم عليه السلام من زوجته سارة، ولدته أمه بعد أن بلغت من الكبر عتيّاً، أعطي النبوة، ومن نسله جاء بنو إسرائيل وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:112].
9- يعقوب عليه السلام: هو ابن اسحاق ابن ابراهيم عليهما السلام. وصى أبناءه عند موته، وهو من أنبياء بني إسرائيل وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة:132].
10- يوسف عليه السلام: هو ابن يعقوب عليه السلام. ألقاه اخوته في البئر فأنجاه الله تعالى. هو الكريم ابن الأكارم. كان جميلاً، عصمه ربه عن الفاحشة وحماه من مكر امراة العزيز. أرسله الله تعالى وآتاه نعمة تفسير الرؤيا ومكن له في الأرض يحكم ويصلح وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ [يوسف:21].
11- لوط عليه السلام: بعثه الله إلى قوم أشرار ابتدعوا فاحشة إتيان الذكور من الدبر وجاهراو بها. فنهاهم الله عنها قتمادوا في ضلالهم فجعلهم الله عبرة لغيرهم. وبلادهم معروفة الآن قرب البحر الميت وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ [الأعراف:80].
12- شعيب عليه السلام: هو نبي الله إلى أهل مدين ( أصحاب الأيكة ) وهم من أسوأ الناس في العقيدة والمعاملة. وقيل عن شعيب: خطيب الأنبياء. نهاهم عن الشرك وتطفيف الكيل والميزان فأبوا، فجاءهم عذاب يوم الظلة وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ [هود: 84].
13- أيوب عليه السلام: النبي الصابر المحتسب، الحامد الشاكر الذي يُضرب المثل بصبره؛ بعد امتحان الله له في ماله وأهله وبدنه وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83].
14- ذا الكفل عليه السلام: وهو من أنبياء بني إسرائيل وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ [ص:48].
15- إلياس عليه السلام: أرسله الله تعالى إلى قومه ببعلبك ونواحيها غربي دمشق وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ [الصافات:123].
16- اليسع عليه السلام: بعثه الله إلى أهل بعلبك خلفاً لإلياس وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ [الأنعام:86].
17- يونس ـ ذا النون ـ عليه السلام: ابتلاه الله بأن التقمه الحوت وبقي في جوفه يسبّح الله تعالى ويستغفره حتى غفر له. أرسله الله إلى قومه فكذبوه، فتوعدهم بنزول عذاب الله عليهم، فلما تحققوا بنزول العذاب آمنوا وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات:139].
18- موسى عليه السلام: كليم الله، صاحب معجزة العصى، وهو من أولي العزم من الرسل، أرسله الله إلى بني إسرائل. ألقته أمه في اليم وهو طفل صغير كي لا يقتله فرعون. كلمه الله بالواد المقدس وبلغه رسالته وهي التوراة إلى فرعون الذي استعبد بني إسرائيل، حتى قال للناس أنا ربكم الأعلى، فأغرقه الله. استهوى قومه صنع العجل من حليهم ليعبدوه من دون الله. فعاقبهم الله بالتيه في الأرض ( 40 سنة ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ [غافر:23].
19- هارون عليه السلام: هو أخو موسى عليه السلام، آتاه الله النبوة، استخلفه موسى على قومه ( 40 ليلة ) وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً [مريم:53].
20- داود عليه السلام: بعثه الله تعالى بالرسالة إلى بني إسرائيل، صاحب الصوت الحسن، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً. وكان يعمل ويأكل من كسب يده، وألان الله له الحديد. آتاه الله الزبور وعلمه الحكمة وسخر معه الجبال يسبحن وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً [الإسراء:55].
21- سليمان عليه السلام: هو ابن داود عليه السلام، آتاه الله الرسالة والحكمة، وعلمه منطق الطير. وسخر له الرياح، وسخر له الجن تعمل بين يديه بإذن الله تعالى وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [النمل:17].
22- زكريا عليه السلام: رزقه الله تعالى يحيى رغم كبر سنه وامرأته عاقر، آتاه الله النبوة وأكفله مريم عليها السلام، وكان نجاراً يعمل بيده. طلب من الله آية فقال الله تعالى: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً [مريم:20] ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً [مريم:2].
23- يحيى عليه السلام: هو ابن زكريا عليه السلام، ولدته أمه بعد أن كانت عاقراً وأبوه شيخاً كبيراً. سلم الله عليه يوم ولد ويوم مات، ويسلم عليه يوم يبعث حياً. وقد ذبحه قومه ( بنو إسرائيل ): أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39].
24- عيسى عليه السلام: هو ابن مريم عليها السلام، وهو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم ورح منه، وهو من أولي العزم من الرسل. آتاه الله الإنجيل، ولم يُقتل ولم يُصلب كما زعمت اليهود ولكن رفعه الله إليه. ومن معجزاته أن يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ... بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء:157، 158].
25- محمد : وهو خاتم الأنبياء والمرسلين. أرسله الله تعالى بين يدي الساعة إلى الثقلين الأنس والجن بشيراً ونذيراً. آتاه الله القرآن الكريم المعجزة الخالدة إلى يوم القيامة. وهو النبي الأميّ، وقد أعطي حوض الكوثر في الجنة، أمّته آخر الأمم في الدنيا وأولهم حشراً يوم القيامة. وهو أول من ينشق عنه القبر للبعث. وهو صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة.
صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ورزقنا شفاعته، آمين.
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].
موقع ام القرى
الإيمان بالأنبياء والرسل حقيقته ومقتضياته
الإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان العبد إلا به. والأدلة الشرعية متواترة على تأكيد ذلك، فقد أمر سبحانه بالإيمان بهم، وقرن ذلك بالإيمان به فقال: { فآمنوا بالله ورسله } (النساء: 171) وجاء الإيمان بهم في المرتبة الرابعة من التعريف النبوي للإيمان كما في حديث جبريل: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله .. ) رواه مسلم ، وقرن الله سبحانه الكفر بالرسل بالكفر به، فقال:{ ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا } (النساء:136)، ففي هذه الآيات دليل على أهمية الإيمان بالرسل، ومنزلته من دين الله عز وجل، وقبل بسط الكلام في ذلك، يجدر بنا ذكر تعريف كل من الرسول والنبي، وتوضيح الفرق بينهما .
معنى الرسول
الرسول فـي اللغة هو الذي يُتابع أخبار الذي بعثه، أَخذاً من قولهم: " جاءت الإِبل رَسَلاً " أَي: متتابعة، وسُمِّي الرَّسول رسولاً لأَنه ذو رسالة . و الرَّسول: اسم من أَرسلت وكذلك الرِّسالة .
معنى النبي :
النبي في اللغة: فعيل بمعنى فاعل ومفعل فهو مُنْبِِئ ومٌنْبَأ، مُنْبِِئ أي مخبر عن الله، ومٌنْبَأ أي مُخبَرٌ من الله، قال تعالى: { قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير }(التحريم:3)، وقال: { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم }(الحجر:49)، فالنبي هو الذي يُخبَر من الله، وهو الذي يُخبِر الناس أي يبلغهم أمر الله ونهيه ووحيه، وقد يكون لفظ ( النبي ) غير مهموز، فيكون من النبو وهو الرفعة والمكانة .
الفرق بين النبي والرسول
اختلف العلماء في التفريق بين معنى النبي والرسول، على أقوال:
القول الأول: أنهما سواء أي أنهما لفظان مترادفان، واستدلوا بقوله تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي }(الحج:52) فأثبت لهما معاً الإرسال، قالوا: ولا يكون النبي إلا رسولا؛ ولا الرسول إلا نبياً .
ورد هذا القول بأن الله فرق بين الاسمين، ولو كانا شيئاً واحداً لما حسن تكرارهما في الكلام البليغ.
القول الثاني: أنهما مفترقان من وجه، ويجتمعان من وجه، قال القاضي عياض:" والصحيح والذي عليه الجماء – الجمع - الغفير أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً ". ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند، و الحاكم في المستدرك و ابن حبان عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه قال: قلت: يا رسول الله، كم وفاء عدة الأنبياء ؟ قال : ( مائة ألف، وأربعة عشر ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جماً غفيراً ) .
إلا أنه وعلى الرغم من اتفاق أصحاب هذا القول على وجود فرق بين النبي والرسول، إلا أنهم اختلفوا في تحديده على أقوال، لعل أرجحها ما ذهب إليه البعض من أن الرسول: من بعث بشرع جديد وأمر بتبليغه، والنبي من أمر بالتبليغ ولكن بشرع من سبقه من الرسل، كحال أنبياء بني إسرائيل الذين كلفوا بتبليغ شريعة موسى عليه السلام .
قال شيخ الإسلام في كتاب النبوات : " فأولئك الأنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم لكونهم مؤمنين بهم، كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول، وكذلك أنبياء بني إسرائيل يأمرون بشريعة التوراة، وقد يوحي إلى أحدهم وحي خاص في قضية معينة، ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالم الذي يفهمّه الله في قضية معنى يطابق القرآن، كما فهّم الله سليمان حكم القضية التي حكم فيها هو وداود، فالأنبياء ينبئهم الله فيخبرهم بأمره ونهيه وخبره، وهم ينبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله من الخبر والأمر والنهي " أ.هـ .
مراتب الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل ليس على مرتبة واحدة، بل هناك الإيمان المجمل وهو الإيمان بجميع الرسل على وجه الإجمال وبمحمد صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص، فهذا واجب على عموم الأمة لا يسع المؤمن أن يعرض عنه أو ينكره .
وهناك الإيمان المفصّل وهو الإيمان بجميع الرسل ومعرفة ما ثبت في الشرع عنهم ، من أسمائهم وأسماء الكتب التي أنزلت عليهم ، وهذا فرض على مجموع الأمة لا على كل فرد بعينه، بحيث إذا قام به من تحصل به الكفاية في تعليم الناس وحفظ دينهم سقط عن الآخرين.
والإيمان بالرسل يتضمن أمورا:
1- التصديق بنبوتهم وبما جاءوا به من عند الله عز وجل، قال تعالى: { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون { (الحديد:19).
2- عدم التفريق بين أحد منهم كما قال تعالى: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } (البقرة:285) .
3- توقيرهم وتعظيمهم: قال تعالى: { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا } (الفتح:9) قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد: " تعظموه وتوقروه من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام، وأجمع العلماء على أن من انتقص نبيا من الأنبياء فقد كفر ".
4- وجوب العمل بشرائعهم: وذلك في حق كل أمة لنبيها، ولا يخفى أن ذلك قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم التي نسخت شريعته كل شريعة.
5- اعتقاد عصمتهم في تبليغهم الوحي، و عصمتهم من الكبائر والصغائر التي تدل على خسة الطبع وسفول الهمة.
الحكمة من إرسال الرسل:
تتلخص الحكمة في إرسال الله رسله إلى العباد في أمور:
الأول: إقامة الحجة على العباد، وتبشير المؤمنين بنعيم الله وجنته في الآخرة، وإنذار الكافرين من عذابه وعقابه، قال تعالى: { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما }(النساء:165). وقال صلى الله عليه وسلم مبينا الحكمة من بعثة الرسل: ( ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ) رواه البخاري ومسلم .
الثاني: إقامة الدين وسياسة الدنيا به، فقد كان الأنبياء هم الساسة الذين يديرون شؤون البلاد والعباد، قال صلى الله عليه وسلم: ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ) متفق عليه، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم هو قائد الأمة وأميرها.
الثالث: توحيد الأمة دينيا وسياسيا، وذلك أن انقياد الأمة للرسل يجعلهم يدينون لهم بالطاعة ويتبعونهم فيما جاءوا به من الدين الحق، فتتحقق بذلك وحدتهم الدينية والسياسية.
الرابع: تحقيق القدوة والأسوة العملية، وهذه لها فوائد: الأولى: دحض حجة من قد يزعم أنه ليس في مقدوره تطبيق تلك الشرائع، فيقال له: إن الأنبياء وهم بشر أيضا، قد طبقوا تلك الشرائع ومارسوها عمليا، فكيف يصح القول بأن تطبيقها مما لا يستطاع !!
الفائدة الثانية: تحقيق الأسوة والقدوة للمؤمنين في كيفية تطبيق تلك الشرائع، وكيفية العمل بها، لأن كثيرا من الأمور النظرية تختلف الأفهام في تطبيقها، فيأتي الفعل النبوي فاصلاً ومبيناً.
الفائدة الثالثة: تحقيق الأسوة والقدوة للمؤمنين بحثهم على الإكثار والاستزادة من فعل الصالحات، اقتداء بالأنبياء عليهم السلام، الذين كانوا القدوة في ذلك بسلامة إيمانهم وكثرة أعمالهم الصالحة .
التوحيد محور دعوة الرسل
تتمحور دعوة الرسل جميعا من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا صلى الله عليه وسلم حول قضية واحدة هي عبادة الله وحده، وترك عبادة من سواه، وهذا الأمر يشكِّل لب دعوة الرسل ومجمع رسالتهم . ومن خلال استعراض القرآن لدعوة الرسل نجد أن هذه القضية واضحة جلية، مدلل عليها بأدلة كثيرة، قال تعالى: } إن الدين عند الله الإسلام { ( آل عمران/19)، وقال تعالى: } ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين { (آل عمران:85) والإسلام هو الدين الذي نادى به جميع الأنبياء، فنوحٌ يقول لقومه: { وأمرت أن أكون من المسلمين } (يونس:72)، والإسلام هو الدين الذي أمر الله به أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام:{ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } (البقرة:131)، ويوصي كل من إبراهيم ويعقوب أبناءه قائلاً :{ فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } (البقرة/132)، وأبناء يعقوب يجيبون أباهم بعد أن سألهم ما يعبدون من بعده ؟ : } نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون { (البقرة: 133)، وموسى ينادي قومه قائلاً: } يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين { (يونس:84)، والحواريون يقرّون لعيسى عليه السلام بقولهم:{ آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون } (آل عمران:52)، وحين سمع فريق من أهل الكتاب كلام الله:{ آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين } (القصص:53).
فالإسلام شعار عام دعا إليه الأنبياء وأتباعهم منذ فجر البشرية إلى عصر النبوة المحمدية، والإسلام هو الطاعة والانقياد والاستسلام لله تعالى بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ولذلك فإن الإسلام في عهد نوح كان باتباع ما جاء به نوح، والإسلام في عهد موسى كان باتباع شريعة موسى، والإسلام في عهد عيسى كان باتباع الإنجيل، والإسلام في عهد محمد صلى الله عليه وسلم كان بالتزام ما جاء به الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا سيظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
ومن الأدلة على تمركز دعوة الرسل حول توحيد الله سبحانه ونفي عبادة من سواه، ما صرح به سبحانه في قوله تعالى: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } (النحل:36)، ومن ذلك قوله تعالى:} وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون { (الأنبياء: 25)، وقال صلى الله عليه وسلم: ( الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد ) أخرجه البخاري و مسلم ، وأولاد العلات مَنْ لهم أب واحد وأمهات شتى، فوحدة الأب إشارة إلى أن الدين واحد وهو التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، واختلاف الأمهات إشارة إلى الاختلاف في فروع الشريعة، فشريعة عيسى تخالف شريعة موسى في بعض الأمور ، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم تخالف شريعة موسى وعيسى في أمور، قال تعالى:{ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } (المائدة:48) .
هذه هي حقيقة الدين الواحد الذي دعت إليه الرسل، وأُنزلت في سبيل تحقيقه الكتب، دين يدعو إلى إفراد الله بالعبادة ، ونبذ الآلهة الباطلة التي اتخذها البشر سواء أكانت تلك الآلهة حسية كالأصنام والأحجار والأشجار والكواكب، أم كانت معنوية كاتباع الهوى، وتقليد الآباء ونحو ذلك .
معجزات الرسل
معجزات الرسل هي الآيات التي أجراها الله على أيديهم تصديقا لهم، وبرهانا على الحق الذي معهم، ولهذا سماها الله في كتابه ( آيات ) أي علامات دالة على صدقهم.
وتأييد الله رسله بالمعجزات من كمال عدله ورحمته ومحبته للعذر وإقامته للحجة على العباد، إذ لم يبعث الله نبياً من الأنبياء إلا ومعه آية تدل على صدقه فيما أخبر به، قال تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط } (الحديد: 25)، وقال تعالى:{ فإن كذبوك فقد كُذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير } (آل عمران:184)، وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) متفق عليه .
ومن عظيم حكمة الله عز وجل أن جعل معجزات رسله من جنس ما أبدع فيه القوم المرسل إليهم، إمعاناً في الحجة، وقطعاً للعذر، فلو جعلت معجزة الرسول في أمر يجهله من أرسل إليهم ، لكان لهم عذر في عدم إحسان ما يجهلونه .
فموسى عليه السلام أرسل في قوم كان السحر شائعا بينهم ، فآتاه الله من الآيات ما فاق به قدرة السحرة على أن يأتوا بمثله ، فلما رأى السحرة ذلك ، علموا أن هذا أمر ليس من فعل السحر ، وإنما هي المعجزة الربانية التي أيَّدَ الله بها نبيه موسى ، فما كان من السحرة إلا أن آمنوا وأذعنوا .
ولما بعث الله تعالى عيسى عليه الصلاة والسلام في بني إسرائيل كان فن الطب فيهم شائعاً، فاقتضت حكمته تعالى أن جعل كثيراً من معجزاته عليه السلام من قبيل أعمال أهل الطب، فأبرأ الله على يديه الأبرص والأكمه - الذي ولد أعمى - وأحيا الموتى، وكل من البرص والكمه فضلا عن الموت من الأمراض المستعصية التي لم يكن بمقدور الأطباء في ذلك الزمان التسبب في الشفاء منها ، فآتى الله عيسى عليه السلام معجزة الشفاء منها بلمسة ودعاء، وكل ذلك يدل على أن فعله عليه السلام لم يكن من جنس ما يفعله الأطباء، فإن الأطباء يمكنهم أن يشفوا من البرص ، لكن بعد معالجة وزمن، وكذلك يمكنهم أن يشفوا من العمى الذي يكون عرضياً ليس مخلاً بجوهر البصر، وأما شفاء الأكمه عديم البصر فهذا ليس في طاقتهم ، وكذلك إحياء الموتى.
ومثل ذلك مع نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد بعث في قوم كانوا أهل فصاحة وبيان، وكان صلى الله عليه وسلم أميا لا يقرأ ولا يكتب، فلما بعثه الله عز وجل جعل معجزته من جنس ما نبغ فيه العرب، وهو الكلام الفصيح، فآتاه الله القرآن، وتحدى العرب أن يأتوا بمثله فعجزوا ، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بمثل سورة منه فعجزوا ، ثم أعلمهم بأنه لو اجتمع البشر كلهم، وتظاهرت الجن معهم على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ما استطاعوا أن يأتوا بمثله، قال تعالى : { أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } (يونس: 38)، وقال تعالى: { أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } (هود: 13). وصدق الله إذ يقول: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } (الإسراء:88).
ولا يعني ما سبق أن المعجزة لا تأتي إلا على وجه واحد بحسب حال الناس وواقعهم، بل ربما جاءت المعجزة بناء على طلب المرسَل إليهم، كطلب الحواريين من عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء فأجابهم إلى ذلك، وكطلب قوم صالح منه أن يخرج لهم من الصخرة ناقة فدعا الله فأجابه، وكمعجزة انشقاق القمر ونبع الماء ونحو ذلك، إلا أن المعجزات تجتمع جميعها في غاية واحدة هي تأييد الأنبياء، وإظهار صدقهم فيما جاءوا به.
فوائد آيات الأنبياء ومعجزاتهم :
إن الآيات التي جاء بها الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ذات فوائد كثيرة نذكر منها ما يلي:
1. بيان قدرة الله سبحانه وتعالى، وذلك أن خرق العادة أمر متعذر على الناس فعله، فإذا أجراه الله على يد رسله، كان ذلك دليلا على سعة قدرة الله وأنه المتصرف في الأسباب الكونية لا أن الأسباب هي المتصرفة في الكون .
2. بيان رحمة الله بعباده، إذ لم يكتف سبحانه بإرسال الرسل وإنزال الكتب الموافقة لما فُطر الناس عليه من التوحيد، وإنما أيد رسله بالمعجزات حتى لا يكون للناس عذر في رد ما جاء به الرسل من الحق والدين.
3. بيان حكمة الله البالغة؛ إذ لم يرسل رسلا دون أن يؤيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم، وذلك أن من غير الحكمة أن يرسل المرء شخصا في أمر غاية في الأهمية من غير أن يزوده بما يدل على صحة رسالته من أمارة أو دليل، فكيف برسالة عظيمة من أحكم الحاكمين ؟!
4. رحمة الله بالرسول الذي أرسله؛ إذ لو أرسله من غير معجزات وآيات تدل على صدقه، لما صدقه الخلق ولكان عرضة للسخرية والهزء والتكذيب، فكان إرساله بالآيات المعجزات من رحمة الله به؛ ليتسنى له إقناع الخلق بطريقة لا يستطيعون معارضتها، ولا يمكنهم ردها إلا جحوداً وعناداً .
واجبنا نحو الرسل
أوجب الشرع الكريم على المسلم حقوقا، عليه أن يؤديها تجاه أنبياء الله ورسله، قياما بما أمر الله به من تعظيمهم وتوقيرهم، واعترافاً بما فضلهم به على سائر الخلق، من تبليغ رسالته وتبيين دينه.
فمن تلك الحقوق: الإيمان بهم جميعاً، وعدم التفريق بينهم، بأن يُؤمن ببعض ويُكفر ببعض كحال النصارى الذي آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد، أو كحال اليهود الذين آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، قال تعالى: { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } (البقرة:136).
ومن الحقوق المتعينة على المسلم تجاه أنبياء الله ورسله النظر إليهم بعين الكمال ، فلا يجوز للمسلم أن ينتقص واحدا من الأنبياء ، بل يجب أن يعتقد أنهم أدوا رسالة الله على أكمل وجه ، وأنهم بلغوا درجة الكمال البشري ، فلا نقص يعيبهم ، ولا عيب يشينهم ،قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تفضلوا بين أنبياء الله ) متفق عليه ، وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك – وقد علم أنه خيرهم – تواضعاً ، ولئلا يتوصل بالتفاضل بين الأنبياء إلى انتقاص أحد منهم .
ومن الحقوق المتعينة على المسلم تجاه أنبياء الله ورسله محبتهم جميعاً ، وهذا أمر مجمع عليه ، ومن أبغض نبياً من الأنبياء فقد كفر .
ومن حقوقهم دفع غلو الغالين فيهم، كغلو النصارى في المسيح بن مريم عليه السلام حيث ادعوا أنه ابن الله ، قال تعالى :{ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } (النساء:171).
ومن الحقوق المتعينة على المسلم تجاه أنبياء الله ورسله دفع ما أُلصق بهم من تهم وإشاعات ، كتلك التي روجها اليهود - وزعموا أنها في الكتاب المقدس – حيث تصف الأنبياء بأنهم أهل غدر وخيانة ، أو أنهم أهل شهوة وسكر ، فإن الذب عن أعراض أنبياء الله أمام هذه التهم الباطلة من أوجب الواجبات على أهل العلم ، صيانة لمقام الأنبياء وحفظا لحقهم.
ومن الأدب مع أنبياء الله ورسله، الصلاة والسلام عليهم مطلقاً وعند ذكرهم، فقد نقل غير واحد من العلماء الإجماع على مشروعية ذلك، منهم الإمام النووي .
هذا فيما يتعلق بحقوق أنبياء الله ورسله على المسلم على وجه العموم ، ولا شك أن هناك حقوقاً اختص بها نبينا صلى الله عليه وسلم ،من أعظمها وجوب متابعته ، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى:{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب } ( الحشر:7 ) وقال: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } (الأحزاب:21)، كما يجب اعتقاد أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، وأن شريعته هي خاتمة الشرائع، وأنه لا نجاة لأحد إلا باتباعه صلى الله عليه وسلم.
تلك كانت لمحة موجزة عن الركن الرابع من أركان الإيمان، عن الإيمان بالرسل سادة البشرية وهداتها، عن صفوة الله من خلقه الذين اصطفاهم الله لحمل رسالته وتبليغ دينه، فقاموا بما كلفوا به خير قيام، وتحلموا صنوف الأذى في ذلك، فمنهم من قتل، ومنهم من رمي في النار، ومنهم من نفي، ومنهم من سلط عليه سفلة الخلق وهملهم، هذا وهم في ذلك صابرون محتسبون، راغبون في إيصال الخير لأقوامهم وهدايتهم، فكانوا بحق هداة البشرية الحقيقين ورواد النهضة فيها، فلو بحثت البشرية في تاريخها كله لما أوجدت أشرف ولا أنبل من أنبياء الله ورسله، فصلوات الله وسلامه عليهم جميعاً إلى يوم الدين.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفس
نا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد.
فقد جاء في الحديث النبوي الشريف الذي رواه عمر ابن الخطاب من حديث جبريل عليه السلام مع نبينا محمد عندما سأله قائلاً: { فأخبرني عن الإيمان؟ }، فقال : { أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره } فقال جبريل: { صدقت } [صحيح مسلم].
من هذا الحديث يتبين لنا أن من أركان الإيمان الذي لا يكتمل إيمان المرء إلا بها: الإيمان بالرسل، ولم يقل بالرسول فقط.
فما هو الإيمان بالرسل جميعاً؟ وكيف يكون؟ ومن هم الرسل؟ وما هي خصائصهم؟ وما هو هدفهم؟ وما الفرق بين الأنبياء والرسل؟ ومن الأفضل منزلة؟
إلى غير ذلك من الأسئلة المهمة التي سوف نوضح أجوبتها إن شاء الله تعالى في هذه الرسالة باختصار مع نبذة عن الأنبياء والرسل الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم. ومما ينبغي علينا معرفته أن الكثير منهم لم يذكر اسمه في القرآن، وقد جاءت الأخبار والآثار من علماء السنة بذكر بعضهم، وأن أكثرهم لم يذكر اسمه على الإطلاق، قال تعالى: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164].
وهدف الأنبياء والرسل جميعاً واحد وهو توحيد الله بعبادته، وبنسخ بعضهم شرائع بعض، فهذا عيسى عليه السلام ينسخ بعضاً من شريعة موسى عليه السلام وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران:50]. حتى جاء خاتمهم وهو نبي الأمة محمد ، وارتضى الله لنا شريعته الخاتمة التي جاء بها ديننا الإسلامي الحنيف، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19] وقال أيضاً: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، وقال : { والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار } [صحيح مسلم].
ويجب علينا أن نؤمن بهم جميعاً ونحبهم جميعاً، كما قال تعالى: وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ [البقرة:285]، وكذلك قول النبي : { الأنبياء أخوة.. ودينهم واحد } [صحيح البخاري]. ولكنهم يتفاضلون تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253] وأفضلهم خاتمهم محمد .
الأنبياء: جمع (نبي) بمعنى ( منبأ) بخبر ما وهو الوحي والشرع، وتقرأ أيضاً ( نبيء).
الرسل: جمع ( رسول) بمعنى ( مرسل) أي ( مبعوث) بإبلاغ شيء وهي البعثة بالرسالة.
وكلا الصنفين بشراً أوحيَ إليهم بشرع، فالأنبياء أوحى إليهم بشريعة لرسل قبلهم لتجديدها وتثبيتها، ولم يؤمروا بتبليغ رسالة خاصة بهم، وإنما الرسل أمروا بالتبليغ وبعثوا برسالة إلى أقوامهم خاصة بخلاف رسول الله محمد الذي بعث برسالة وأمر بتبليغها للناس كافة، بل للثقلين الجن والإنس جميعاً، بدليل قوله : { كان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة } [صحيح البخاري].
فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول.
وأول الأنبياء آدم عليه السلام، وأول الرسل نوح عليه السلام. ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك من حديث الشفاعة أن النبي ذكر أن الناس يأتون إلى آدم ليشفع لهم فيعتذر اليهم ويقول: { ائتوا نوحاً أول رسول بعثه الله } وذكر تمام الحديث.
ولم تخل لأمة من رسول يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه، أو نبي يوحى إليه بشريعة من قبله ليجدرها ويبثها، قال تعالى: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24].
والأنبياء والرسل صلى الله وسلم عليهم جميعاً هم بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، فلا يملكون لنا أو لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، قال تعالى: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188].
وتلحقهم خصائص البشرية من المرض، والموت، والحاجة إلى الطعام والشراب، وغير ذلك. قال الله تعالى عن ابراهيم عليه السلام في وصفه لربه تعالى: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ [الشعراء:79-81].
وقال رسولنا محمد : { إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني } [صحيح البخاري].
وقد وصفهم الله سبحانه بالعبودية له في أعلى مقاماتهم، وفي سياق الثناء عليهم، فقال الله تعالى في محمد : تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان:1].
ومن خصائص الأنبياء والرسل:
أن لكل نبي دعوة مستجابة، قال : { لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وأريد أن أخبئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة } [رواه البخاري].
هم أشد الناس بلاء، سئل النبي : أي الناس أشد بلاء؟ قال: { الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل } [رواه الترمذي].
صبرهم الشديد على ذلك البلاء.
رؤياهم حق، قال تعالى: إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصافات:102].
يوفون بالوعد والعهد، ولا يغدرون.
لا يورّثون، قال صلى الله عليه وسلم: { لا نورّث ما تركناه فهو صدقة } [صحيح البخاري].
لا تأكل الأرض أجسادهم، قال : { إن الله عز وجل قد حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء } [رواه النسائي].
والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن رسالاتهم حق من الله تعالى، فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع، كما قال تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105]ٍ، فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل، مع أنه لم يكن غير نوح عليه السلام حتى كذبوه.
الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه، وأما من لم نعلم اسمه فنؤمن به إجمالاً.
الثالث: تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.
الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم، وهو خاتمهم محمد : فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65].
وللإيمان بالرسل ثمرات جليلة، منها:
الأولى: العلم برحمة الله تعلى وعنايته بعباده حيث أرسل اليهم الرسل ليهدوهم إلى صراط الله تعالى، وبينوا لهم كيف يعبدون الله.
الثانية: شكر الله على هذه النعمة الكبرى.
الثالثة: محبة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم، والثناء عليهم بما يليق بهم. الرابعة: أخذ العبرة، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ [يوسف:111].
والأنبياء والرسل الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم هم:
1- آدم عليه السلام: أبو البشر وأول الأنبياء، وقد كرمه الله تعالى وخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ [الإسراء:61].
2- إدريس عليه السلام: أول من أعطي النبوة بعد آدم عليه السلام، وأول من خط بالقلم، وفي حديث الإسراء أن رسول الله مر به في السماء الرابعة وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً [مريم:57،56].
3- نوح عليه السلام: أول رسول بعث إلى الأرض، وهو من أولي العزم من الرسل، أرسل إلى قومه ليدعوهم إلى دين الله وحده فأبوا، وظل يدعو قومه ( 950 عاماً ) فأمره الله أن يصنع سفينة وفيها أنجاه الله ومن معه، وأغرق قومه بالطوفان إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [نوح:1].
4- هود عليه السلام: أرسله الله إلى قوم عاد باليمن، فكذبوه، فأرسل الله عليهم الريح العقيم أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ [الفجر:6-8]. وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ [هود:50].
5- صالح عليه السلام: أرسله الله إلى ثمود الذين يسكنون الحجاز وتبوك فكذبوه واستكبروا أن يؤمنوا بما جاءهم به، فأرسل الله تعالى إليهم ناقة لتكون لهم آية على ألا يمسوها بسوء، فذبحوها، فأخذتهم الصاعقة وأهلكو أجمعين كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الشعراء:131-143].
6- إبراهيم عليه السلام: هو خليل الله أبو الأنبياء ومن أولي العزم من الرسل دعا قومه ( أهل العراق ) إلى عبادة الله وحده، فلم يستجيبوا له، فكسّر أصنامهم فألقوه في النار فأنجاه الله منها وجعلها عليه برداً وسلاماً، أمره الله ببناء الكعبة المشرفة هو وابنه اسماعيل وأن يؤذن في الناس بالحج وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ [البقرة:126].
7- إسماعيل عليه السلام: هو ابن ابراهيم عليه السلام وجد نبيّنا ورسولنا محمد . ومن أوائل من سكن مكة وكان رسولاً نبياً، فجّرت زمزم بسببه، بنى مع أبيه الكعبة المشرّفة. أمر الله أباه بذبحه ثم افتداه بكبش عظيم وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً [مريم:54].
8- إسحاق عليه السلام: هو ابن إبراهيم عليه السلام من زوجته سارة، ولدته أمه بعد أن بلغت من الكبر عتيّاً، أعطي النبوة، ومن نسله جاء بنو إسرائيل وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:112].
9- يعقوب عليه السلام: هو ابن اسحاق ابن ابراهيم عليهما السلام. وصى أبناءه عند موته، وهو من أنبياء بني إسرائيل وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة:132].
10- يوسف عليه السلام: هو ابن يعقوب عليه السلام. ألقاه اخوته في البئر فأنجاه الله تعالى. هو الكريم ابن الأكارم. كان جميلاً، عصمه ربه عن الفاحشة وحماه من مكر امراة العزيز. أرسله الله تعالى وآتاه نعمة تفسير الرؤيا ومكن له في الأرض يحكم ويصلح وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ [يوسف:21].
11- لوط عليه السلام: بعثه الله إلى قوم أشرار ابتدعوا فاحشة إتيان الذكور من الدبر وجاهراو بها. فنهاهم الله عنها قتمادوا في ضلالهم فجعلهم الله عبرة لغيرهم. وبلادهم معروفة الآن قرب البحر الميت وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ [الأعراف:80].
12- شعيب عليه السلام: هو نبي الله إلى أهل مدين ( أصحاب الأيكة ) وهم من أسوأ الناس في العقيدة والمعاملة. وقيل عن شعيب: خطيب الأنبياء. نهاهم عن الشرك وتطفيف الكيل والميزان فأبوا، فجاءهم عذاب يوم الظلة وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ [هود: 84].
13- أيوب عليه السلام: النبي الصابر المحتسب، الحامد الشاكر الذي يُضرب المثل بصبره؛ بعد امتحان الله له في ماله وأهله وبدنه وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83].
14- ذا الكفل عليه السلام: وهو من أنبياء بني إسرائيل وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ [ص:48].
15- إلياس عليه السلام: أرسله الله تعالى إلى قومه ببعلبك ونواحيها غربي دمشق وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ [الصافات:123].
16- اليسع عليه السلام: بعثه الله إلى أهل بعلبك خلفاً لإلياس وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ [الأنعام:86].
17- يونس ـ ذا النون ـ عليه السلام: ابتلاه الله بأن التقمه الحوت وبقي في جوفه يسبّح الله تعالى ويستغفره حتى غفر له. أرسله الله إلى قومه فكذبوه، فتوعدهم بنزول عذاب الله عليهم، فلما تحققوا بنزول العذاب آمنوا وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات:139].
18- موسى عليه السلام: كليم الله، صاحب معجزة العصى، وهو من أولي العزم من الرسل، أرسله الله إلى بني إسرائل. ألقته أمه في اليم وهو طفل صغير كي لا يقتله فرعون. كلمه الله بالواد المقدس وبلغه رسالته وهي التوراة إلى فرعون الذي استعبد بني إسرائيل، حتى قال للناس أنا ربكم الأعلى، فأغرقه الله. استهوى قومه صنع العجل من حليهم ليعبدوه من دون الله. فعاقبهم الله بالتيه في الأرض ( 40 سنة ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ [غافر:23].
19- هارون عليه السلام: هو أخو موسى عليه السلام، آتاه الله النبوة، استخلفه موسى على قومه ( 40 ليلة ) وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً [مريم:53].
20- داود عليه السلام: بعثه الله تعالى بالرسالة إلى بني إسرائيل، صاحب الصوت الحسن، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً. وكان يعمل ويأكل من كسب يده، وألان الله له الحديد. آتاه الله الزبور وعلمه الحكمة وسخر معه الجبال يسبحن وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً [الإسراء:55].
21- سليمان عليه السلام: هو ابن داود عليه السلام، آتاه الله الرسالة والحكمة، وعلمه منطق الطير. وسخر له الرياح، وسخر له الجن تعمل بين يديه بإذن الله تعالى وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [النمل:17].
22- زكريا عليه السلام: رزقه الله تعالى يحيى رغم كبر سنه وامرأته عاقر، آتاه الله النبوة وأكفله مريم عليها السلام، وكان نجاراً يعمل بيده. طلب من الله آية فقال الله تعالى: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً [مريم:20] ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً [مريم:2].
23- يحيى عليه السلام: هو ابن زكريا عليه السلام، ولدته أمه بعد أن كانت عاقراً وأبوه شيخاً كبيراً. سلم الله عليه يوم ولد ويوم مات، ويسلم عليه يوم يبعث حياً. وقد ذبحه قومه ( بنو إسرائيل ): أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39].
24- عيسى عليه السلام: هو ابن مريم عليها السلام، وهو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم ورح منه، وهو من أولي العزم من الرسل. آتاه الله الإنجيل، ولم يُقتل ولم يُصلب كما زعمت اليهود ولكن رفعه الله إليه. ومن معجزاته أن يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ... بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء:157، 158].
25- محمد : وهو خاتم الأنبياء والمرسلين. أرسله الله تعالى بين يدي الساعة إلى الثقلين الأنس والجن بشيراً ونذيراً. آتاه الله القرآن الكريم المعجزة الخالدة إلى يوم القيامة. وهو النبي الأميّ، وقد أعطي حوض الكوثر في الجنة، أمّته آخر الأمم في الدنيا وأولهم حشراً يوم القيامة. وهو أول من ينشق عنه القبر للبعث. وهو صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة.
صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ورزقنا شفاعته، آمين.
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].
موقع ام القرى
الإيمان بالأنبياء والرسل حقيقته ومقتضياته
الإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان العبد إلا به. والأدلة الشرعية متواترة على تأكيد ذلك، فقد أمر سبحانه بالإيمان بهم، وقرن ذلك بالإيمان به فقال: { فآمنوا بالله ورسله } (النساء: 171) وجاء الإيمان بهم في المرتبة الرابعة من التعريف النبوي للإيمان كما في حديث جبريل: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله .. ) رواه مسلم ، وقرن الله سبحانه الكفر بالرسل بالكفر به، فقال:{ ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا } (النساء:136)، ففي هذه الآيات دليل على أهمية الإيمان بالرسل، ومنزلته من دين الله عز وجل، وقبل بسط الكلام في ذلك، يجدر بنا ذكر تعريف كل من الرسول والنبي، وتوضيح الفرق بينهما .
معنى الرسول
الرسول فـي اللغة هو الذي يُتابع أخبار الذي بعثه، أَخذاً من قولهم: " جاءت الإِبل رَسَلاً " أَي: متتابعة، وسُمِّي الرَّسول رسولاً لأَنه ذو رسالة . و الرَّسول: اسم من أَرسلت وكذلك الرِّسالة .
معنى النبي :
النبي في اللغة: فعيل بمعنى فاعل ومفعل فهو مُنْبِِئ ومٌنْبَأ، مُنْبِِئ أي مخبر عن الله، ومٌنْبَأ أي مُخبَرٌ من الله، قال تعالى: { قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير }(التحريم:3)، وقال: { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم }(الحجر:49)، فالنبي هو الذي يُخبَر من الله، وهو الذي يُخبِر الناس أي يبلغهم أمر الله ونهيه ووحيه، وقد يكون لفظ ( النبي ) غير مهموز، فيكون من النبو وهو الرفعة والمكانة .
الفرق بين النبي والرسول
اختلف العلماء في التفريق بين معنى النبي والرسول، على أقوال:
القول الأول: أنهما سواء أي أنهما لفظان مترادفان، واستدلوا بقوله تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي }(الحج:52) فأثبت لهما معاً الإرسال، قالوا: ولا يكون النبي إلا رسولا؛ ولا الرسول إلا نبياً .
ورد هذا القول بأن الله فرق بين الاسمين، ولو كانا شيئاً واحداً لما حسن تكرارهما في الكلام البليغ.
القول الثاني: أنهما مفترقان من وجه، ويجتمعان من وجه، قال القاضي عياض:" والصحيح والذي عليه الجماء – الجمع - الغفير أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً ". ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند، و الحاكم في المستدرك و ابن حبان عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه قال: قلت: يا رسول الله، كم وفاء عدة الأنبياء ؟ قال : ( مائة ألف، وأربعة عشر ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جماً غفيراً ) .
إلا أنه وعلى الرغم من اتفاق أصحاب هذا القول على وجود فرق بين النبي والرسول، إلا أنهم اختلفوا في تحديده على أقوال، لعل أرجحها ما ذهب إليه البعض من أن الرسول: من بعث بشرع جديد وأمر بتبليغه، والنبي من أمر بالتبليغ ولكن بشرع من سبقه من الرسل، كحال أنبياء بني إسرائيل الذين كلفوا بتبليغ شريعة موسى عليه السلام .
قال شيخ الإسلام في كتاب النبوات : " فأولئك الأنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم لكونهم مؤمنين بهم، كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول، وكذلك أنبياء بني إسرائيل يأمرون بشريعة التوراة، وقد يوحي إلى أحدهم وحي خاص في قضية معينة، ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالم الذي يفهمّه الله في قضية معنى يطابق القرآن، كما فهّم الله سليمان حكم القضية التي حكم فيها هو وداود، فالأنبياء ينبئهم الله فيخبرهم بأمره ونهيه وخبره، وهم ينبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله من الخبر والأمر والنهي " أ.هـ .
مراتب الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل ليس على مرتبة واحدة، بل هناك الإيمان المجمل وهو الإيمان بجميع الرسل على وجه الإجمال وبمحمد صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص، فهذا واجب على عموم الأمة لا يسع المؤمن أن يعرض عنه أو ينكره .
وهناك الإيمان المفصّل وهو الإيمان بجميع الرسل ومعرفة ما ثبت في الشرع عنهم ، من أسمائهم وأسماء الكتب التي أنزلت عليهم ، وهذا فرض على مجموع الأمة لا على كل فرد بعينه، بحيث إذا قام به من تحصل به الكفاية في تعليم الناس وحفظ دينهم سقط عن الآخرين.
والإيمان بالرسل يتضمن أمورا:
1- التصديق بنبوتهم وبما جاءوا به من عند الله عز وجل، قال تعالى: { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون { (الحديد:19).
2- عدم التفريق بين أحد منهم كما قال تعالى: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } (البقرة:285) .
3- توقيرهم وتعظيمهم: قال تعالى: { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا } (الفتح:9) قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد: " تعظموه وتوقروه من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام، وأجمع العلماء على أن من انتقص نبيا من الأنبياء فقد كفر ".
4- وجوب العمل بشرائعهم: وذلك في حق كل أمة لنبيها، ولا يخفى أن ذلك قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم التي نسخت شريعته كل شريعة.
5- اعتقاد عصمتهم في تبليغهم الوحي، و عصمتهم من الكبائر والصغائر التي تدل على خسة الطبع وسفول الهمة.
الحكمة من إرسال الرسل:
تتلخص الحكمة في إرسال الله رسله إلى العباد في أمور:
الأول: إقامة الحجة على العباد، وتبشير المؤمنين بنعيم الله وجنته في الآخرة، وإنذار الكافرين من عذابه وعقابه، قال تعالى: { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما }(النساء:165). وقال صلى الله عليه وسلم مبينا الحكمة من بعثة الرسل: ( ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ) رواه البخاري ومسلم .
الثاني: إقامة الدين وسياسة الدنيا به، فقد كان الأنبياء هم الساسة الذين يديرون شؤون البلاد والعباد، قال صلى الله عليه وسلم: ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ) متفق عليه، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم هو قائد الأمة وأميرها.
الثالث: توحيد الأمة دينيا وسياسيا، وذلك أن انقياد الأمة للرسل يجعلهم يدينون لهم بالطاعة ويتبعونهم فيما جاءوا به من الدين الحق، فتتحقق بذلك وحدتهم الدينية والسياسية.
الرابع: تحقيق القدوة والأسوة العملية، وهذه لها فوائد: الأولى: دحض حجة من قد يزعم أنه ليس في مقدوره تطبيق تلك الشرائع، فيقال له: إن الأنبياء وهم بشر أيضا، قد طبقوا تلك الشرائع ومارسوها عمليا، فكيف يصح القول بأن تطبيقها مما لا يستطاع !!
الفائدة الثانية: تحقيق الأسوة والقدوة للمؤمنين في كيفية تطبيق تلك الشرائع، وكيفية العمل بها، لأن كثيرا من الأمور النظرية تختلف الأفهام في تطبيقها، فيأتي الفعل النبوي فاصلاً ومبيناً.
الفائدة الثالثة: تحقيق الأسوة والقدوة للمؤمنين بحثهم على الإكثار والاستزادة من فعل الصالحات، اقتداء بالأنبياء عليهم السلام، الذين كانوا القدوة في ذلك بسلامة إيمانهم وكثرة أعمالهم الصالحة .
التوحيد محور دعوة الرسل
تتمحور دعوة الرسل جميعا من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا صلى الله عليه وسلم حول قضية واحدة هي عبادة الله وحده، وترك عبادة من سواه، وهذا الأمر يشكِّل لب دعوة الرسل ومجمع رسالتهم . ومن خلال استعراض القرآن لدعوة الرسل نجد أن هذه القضية واضحة جلية، مدلل عليها بأدلة كثيرة، قال تعالى: } إن الدين عند الله الإسلام { ( آل عمران/19)، وقال تعالى: } ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين { (آل عمران:85) والإسلام هو الدين الذي نادى به جميع الأنبياء، فنوحٌ يقول لقومه: { وأمرت أن أكون من المسلمين } (يونس:72)، والإسلام هو الدين الذي أمر الله به أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام:{ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } (البقرة:131)، ويوصي كل من إبراهيم ويعقوب أبناءه قائلاً :{ فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } (البقرة/132)، وأبناء يعقوب يجيبون أباهم بعد أن سألهم ما يعبدون من بعده ؟ : } نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون { (البقرة: 133)، وموسى ينادي قومه قائلاً: } يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين { (يونس:84)، والحواريون يقرّون لعيسى عليه السلام بقولهم:{ آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون } (آل عمران:52)، وحين سمع فريق من أهل الكتاب كلام الله:{ آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين } (القصص:53).
فالإسلام شعار عام دعا إليه الأنبياء وأتباعهم منذ فجر البشرية إلى عصر النبوة المحمدية، والإسلام هو الطاعة والانقياد والاستسلام لله تعالى بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ولذلك فإن الإسلام في عهد نوح كان باتباع ما جاء به نوح، والإسلام في عهد موسى كان باتباع شريعة موسى، والإسلام في عهد عيسى كان باتباع الإنجيل، والإسلام في عهد محمد صلى الله عليه وسلم كان بالتزام ما جاء به الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا سيظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
ومن الأدلة على تمركز دعوة الرسل حول توحيد الله سبحانه ونفي عبادة من سواه، ما صرح به سبحانه في قوله تعالى: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } (النحل:36)، ومن ذلك قوله تعالى:} وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون { (الأنبياء: 25)، وقال صلى الله عليه وسلم: ( الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد ) أخرجه البخاري و مسلم ، وأولاد العلات مَنْ لهم أب واحد وأمهات شتى، فوحدة الأب إشارة إلى أن الدين واحد وهو التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، واختلاف الأمهات إشارة إلى الاختلاف في فروع الشريعة، فشريعة عيسى تخالف شريعة موسى في بعض الأمور ، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم تخالف شريعة موسى وعيسى في أمور، قال تعالى:{ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } (المائدة:48) .
هذه هي حقيقة الدين الواحد الذي دعت إليه الرسل، وأُنزلت في سبيل تحقيقه الكتب، دين يدعو إلى إفراد الله بالعبادة ، ونبذ الآلهة الباطلة التي اتخذها البشر سواء أكانت تلك الآلهة حسية كالأصنام والأحجار والأشجار والكواكب، أم كانت معنوية كاتباع الهوى، وتقليد الآباء ونحو ذلك .
معجزات الرسل
معجزات الرسل هي الآيات التي أجراها الله على أيديهم تصديقا لهم، وبرهانا على الحق الذي معهم، ولهذا سماها الله في كتابه ( آيات ) أي علامات دالة على صدقهم.
وتأييد الله رسله بالمعجزات من كمال عدله ورحمته ومحبته للعذر وإقامته للحجة على العباد، إذ لم يبعث الله نبياً من الأنبياء إلا ومعه آية تدل على صدقه فيما أخبر به، قال تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط } (الحديد: 25)، وقال تعالى:{ فإن كذبوك فقد كُذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير } (آل عمران:184)، وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) متفق عليه .
ومن عظيم حكمة الله عز وجل أن جعل معجزات رسله من جنس ما أبدع فيه القوم المرسل إليهم، إمعاناً في الحجة، وقطعاً للعذر، فلو جعلت معجزة الرسول في أمر يجهله من أرسل إليهم ، لكان لهم عذر في عدم إحسان ما يجهلونه .
فموسى عليه السلام أرسل في قوم كان السحر شائعا بينهم ، فآتاه الله من الآيات ما فاق به قدرة السحرة على أن يأتوا بمثله ، فلما رأى السحرة ذلك ، علموا أن هذا أمر ليس من فعل السحر ، وإنما هي المعجزة الربانية التي أيَّدَ الله بها نبيه موسى ، فما كان من السحرة إلا أن آمنوا وأذعنوا .
ولما بعث الله تعالى عيسى عليه الصلاة والسلام في بني إسرائيل كان فن الطب فيهم شائعاً، فاقتضت حكمته تعالى أن جعل كثيراً من معجزاته عليه السلام من قبيل أعمال أهل الطب، فأبرأ الله على يديه الأبرص والأكمه - الذي ولد أعمى - وأحيا الموتى، وكل من البرص والكمه فضلا عن الموت من الأمراض المستعصية التي لم يكن بمقدور الأطباء في ذلك الزمان التسبب في الشفاء منها ، فآتى الله عيسى عليه السلام معجزة الشفاء منها بلمسة ودعاء، وكل ذلك يدل على أن فعله عليه السلام لم يكن من جنس ما يفعله الأطباء، فإن الأطباء يمكنهم أن يشفوا من البرص ، لكن بعد معالجة وزمن، وكذلك يمكنهم أن يشفوا من العمى الذي يكون عرضياً ليس مخلاً بجوهر البصر، وأما شفاء الأكمه عديم البصر فهذا ليس في طاقتهم ، وكذلك إحياء الموتى.
ومثل ذلك مع نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد بعث في قوم كانوا أهل فصاحة وبيان، وكان صلى الله عليه وسلم أميا لا يقرأ ولا يكتب، فلما بعثه الله عز وجل جعل معجزته من جنس ما نبغ فيه العرب، وهو الكلام الفصيح، فآتاه الله القرآن، وتحدى العرب أن يأتوا بمثله فعجزوا ، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بمثل سورة منه فعجزوا ، ثم أعلمهم بأنه لو اجتمع البشر كلهم، وتظاهرت الجن معهم على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ما استطاعوا أن يأتوا بمثله، قال تعالى : { أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } (يونس: 38)، وقال تعالى: { أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } (هود: 13). وصدق الله إذ يقول: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } (الإسراء:88).
ولا يعني ما سبق أن المعجزة لا تأتي إلا على وجه واحد بحسب حال الناس وواقعهم، بل ربما جاءت المعجزة بناء على طلب المرسَل إليهم، كطلب الحواريين من عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء فأجابهم إلى ذلك، وكطلب قوم صالح منه أن يخرج لهم من الصخرة ناقة فدعا الله فأجابه، وكمعجزة انشقاق القمر ونبع الماء ونحو ذلك، إلا أن المعجزات تجتمع جميعها في غاية واحدة هي تأييد الأنبياء، وإظهار صدقهم فيما جاءوا به.
فوائد آيات الأنبياء ومعجزاتهم :
إن الآيات التي جاء بها الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ذات فوائد كثيرة نذكر منها ما يلي:
1. بيان قدرة الله سبحانه وتعالى، وذلك أن خرق العادة أمر متعذر على الناس فعله، فإذا أجراه الله على يد رسله، كان ذلك دليلا على سعة قدرة الله وأنه المتصرف في الأسباب الكونية لا أن الأسباب هي المتصرفة في الكون .
2. بيان رحمة الله بعباده، إذ لم يكتف سبحانه بإرسال الرسل وإنزال الكتب الموافقة لما فُطر الناس عليه من التوحيد، وإنما أيد رسله بالمعجزات حتى لا يكون للناس عذر في رد ما جاء به الرسل من الحق والدين.
3. بيان حكمة الله البالغة؛ إذ لم يرسل رسلا دون أن يؤيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم، وذلك أن من غير الحكمة أن يرسل المرء شخصا في أمر غاية في الأهمية من غير أن يزوده بما يدل على صحة رسالته من أمارة أو دليل، فكيف برسالة عظيمة من أحكم الحاكمين ؟!
4. رحمة الله بالرسول الذي أرسله؛ إذ لو أرسله من غير معجزات وآيات تدل على صدقه، لما صدقه الخلق ولكان عرضة للسخرية والهزء والتكذيب، فكان إرساله بالآيات المعجزات من رحمة الله به؛ ليتسنى له إقناع الخلق بطريقة لا يستطيعون معارضتها، ولا يمكنهم ردها إلا جحوداً وعناداً .
واجبنا نحو الرسل
أوجب الشرع الكريم على المسلم حقوقا، عليه أن يؤديها تجاه أنبياء الله ورسله، قياما بما أمر الله به من تعظيمهم وتوقيرهم، واعترافاً بما فضلهم به على سائر الخلق، من تبليغ رسالته وتبيين دينه.
فمن تلك الحقوق: الإيمان بهم جميعاً، وعدم التفريق بينهم، بأن يُؤمن ببعض ويُكفر ببعض كحال النصارى الذي آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد، أو كحال اليهود الذين آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، قال تعالى: { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } (البقرة:136).
ومن الحقوق المتعينة على المسلم تجاه أنبياء الله ورسله النظر إليهم بعين الكمال ، فلا يجوز للمسلم أن ينتقص واحدا من الأنبياء ، بل يجب أن يعتقد أنهم أدوا رسالة الله على أكمل وجه ، وأنهم بلغوا درجة الكمال البشري ، فلا نقص يعيبهم ، ولا عيب يشينهم ،قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تفضلوا بين أنبياء الله ) متفق عليه ، وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك – وقد علم أنه خيرهم – تواضعاً ، ولئلا يتوصل بالتفاضل بين الأنبياء إلى انتقاص أحد منهم .
ومن الحقوق المتعينة على المسلم تجاه أنبياء الله ورسله محبتهم جميعاً ، وهذا أمر مجمع عليه ، ومن أبغض نبياً من الأنبياء فقد كفر .
ومن حقوقهم دفع غلو الغالين فيهم، كغلو النصارى في المسيح بن مريم عليه السلام حيث ادعوا أنه ابن الله ، قال تعالى :{ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } (النساء:171).
ومن الحقوق المتعينة على المسلم تجاه أنبياء الله ورسله دفع ما أُلصق بهم من تهم وإشاعات ، كتلك التي روجها اليهود - وزعموا أنها في الكتاب المقدس – حيث تصف الأنبياء بأنهم أهل غدر وخيانة ، أو أنهم أهل شهوة وسكر ، فإن الذب عن أعراض أنبياء الله أمام هذه التهم الباطلة من أوجب الواجبات على أهل العلم ، صيانة لمقام الأنبياء وحفظا لحقهم.
ومن الأدب مع أنبياء الله ورسله، الصلاة والسلام عليهم مطلقاً وعند ذكرهم، فقد نقل غير واحد من العلماء الإجماع على مشروعية ذلك، منهم الإمام النووي .
هذا فيما يتعلق بحقوق أنبياء الله ورسله على المسلم على وجه العموم ، ولا شك أن هناك حقوقاً اختص بها نبينا صلى الله عليه وسلم ،من أعظمها وجوب متابعته ، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى:{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب } ( الحشر:7 ) وقال: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } (الأحزاب:21)، كما يجب اعتقاد أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، وأن شريعته هي خاتمة الشرائع، وأنه لا نجاة لأحد إلا باتباعه صلى الله عليه وسلم.
تلك كانت لمحة موجزة عن الركن الرابع من أركان الإيمان، عن الإيمان بالرسل سادة البشرية وهداتها، عن صفوة الله من خلقه الذين اصطفاهم الله لحمل رسالته وتبليغ دينه، فقاموا بما كلفوا به خير قيام، وتحلموا صنوف الأذى في ذلك، فمنهم من قتل، ومنهم من رمي في النار، ومنهم من نفي، ومنهم من سلط عليه سفلة الخلق وهملهم، هذا وهم في ذلك صابرون محتسبون، راغبون في إيصال الخير لأقوامهم وهدايتهم، فكانوا بحق هداة البشرية الحقيقين ورواد النهضة فيها، فلو بحثت البشرية في تاريخها كله لما أوجدت أشرف ولا أنبل من أنبياء الله ورسله، فصلوات الله وسلامه عليهم جميعاً إلى يوم الدين.