بسم الله الرحمن الرحيم

أود أن أذكر لكم قبل بدايتنا فى الحديث أود أن أشير الى ان هذه الكلمات المنيرة هيا لمعلمتنا أم تيمية منقولة من مواضيعها البراقة أسال الله ان يبارك فيها وان يجعله علم ينتفع به فى ميزان حسناتها


فاللهم نبدأ حديثناا عن

البشارات المخبرة بهدي رسول المغفرة:


الحمد لله منور بصائر القلوب، وساتر خفايا العيوب، جاعل العلم خير ما كان في الوجود، يدفعنا للجد ويزرع في النفوس الهمة العالية، وفي عطائه دائما يجود، فالحمد لله حمدا كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، والله أكبر، نصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. أما بعد...

إن دين الله هو الإسلام، قال الله تعالى:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" المائدة آية 3. هذا الدين الخالد بإذن الله القهار الجبار، والله له حكمة حكيمة في هذا العالم قد لا تدركها عقولنا الصغيرة أمام هذا الكون الفسيح والأحداث في التاريخ كثيرة والسيرة النبوية شاهد مفحم لمن أراد الحق الحقيقي، وتمحص بإرادة منطقية في مسيرتها الخالدة، كيف لا؟ وقد كان قدوتها سيد المرسلين، وخاتم النبيين محمد بن عبد الله حبيب الله النبي المصطفى والشافع لأمته يوم الدين، وأمته خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.

من ثمة، وجدت من الواجب البحث حول مسألة وضع اللبنة الأولى لنور الهدى، وطبيعة القاعدة الأساسية في هذا المقتضى. فالبشارات كانت كثيرة حول مولد النبي الخاتم المرتضى الذي جاء مُتَمِّما بنعمة الله وفضله دينه، دين السلام، والحب والوئام، منذ أبونا آدم حتى قيام الساعة.

تلك البشارات هي قوله تعالى في كتابه العزيز:" يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا" وما يقارب هذا المعنى في التوراة:" يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لست بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن نقبضه حتى نقيم به الملة العوجاء حتى يقولوا لا إله إلا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما وقلوبا غلفا"

كما نزل وحي من الرحمن إلى النبي داود عليه السلام في الزبور الذي أنزله عليه:" يا داود، إنه سيأتي من بعدك نبي يسمى أحمد ومحمدا...صادقا ... سيدا... لا أغضب عليه أبدا، ولا يغضبني أبدا، وقد غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أمته مرحومة، أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل حتى يأتوني يوم القيامة، نورهم مثل نور الأنبياء، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي، لكل صلاة، كما افترضت على الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم"

كما ذكرت في ترجمة الإنجيل قول المسيح عليه السلام عن نبينا صلى الله عليه وسلم:" لا يجيئكم ما لم أذهب، فإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه، ولكنه ما يسمع يكلمهم به، ويسوسهم بالحق، ويخبرهم بالحوادث والغيوب" وقال تعالى في كتابه العزيز، القرآن الكريم، يوحي به إلى رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم ما قال عيسى عليه السلام إلى قومه يحدثهم عن النبي القادم من بعده:" ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد" فكانت البشارات كثيرة وفيرة تنبئ بالنبي الخاتم، نبي الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وكل من في الأرض والسماء يشهد على ذلك. جميع هذه النبؤات جاءت في الكتب المقدسة وخيرها القرآن الكريم الذي لا تشوبه شائبة.

وفي خضم الإرهاصات الأولى واللبنات البدائية على نهاية البعثات السمائية في خروج محمد بن عبد الله في أرض الصحراء القاحلة الذي بشر بعودتها أرض خصبة صالحة للزراعة! رأى ربيعة بن نصر ملك اليمن رؤيا هالته، وفظع بها، فلم يدع كاهنا ولا ساحرا، ولا عائما ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه، فقال لهم: إني قد رأيت رؤيا قد هالتني وفظعت بها، فأخبروني بها وبتأويلها،
قالوا له: اقصصها علينا نخبرك بتأويلها. قال: إن أني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها، فإنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره به، فقال له رجل منهم: فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشقّ، فإنه ليس أحد أعلم منهما، فهما يخبرانه بما سأل عنه. ( السيرة النبوية لابن هاشم ج 1 ص: 15).
قال ابن إسحاق: فبعث إليهما، فقدم عليه سَطيح قبل شِقّ فقال له: إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها، فأخبرني بها، فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها، قال: أفعل، رأيتَ حُمَمَة ( الفحمة، وإنما أراد فحمة بها نار) خرجت من ظُلمَة( أي من ظلام، يعني من جهة البحر: يريد خروج عسكر الحبشة من أرض السودانفوقعت بأرض تهمة ( الأرض المتصوبة نحو البحر، فأكلت منها كلَّ ذات جمجمة ( القصد إلى النفس والنسمة ويدخل فيها جميع ذوات الأرواح)، فقال له الملك: ما أخطأت منها شيئا يا سطيح، فما عندك في تأويلها؟ فقال: أحلف ما بين الحرتين ( أرض فيها حجارة سود متشيطة) من حَنَش، لتهبطن أرضكم الحبش ( يقال إنهم بنوحبش بن كوش بن حام بن نوح وبه سميت الحبشة)، فلتملكن ما بين أَبْيَنْ ( موضع في جبل عدن) إلى جُرَش ( من مخاليف اليمن من جهة مكة)، فقال له الملك: وأبيك يا سطيح، إن هذا لغائظ موجِع، فمتى هو كائن؟ أفي زماني هذا أم بعده؟ قال: لا، بل بعده بحين، أكثر من ستين أو سبعين، يمضين من السنين، قال: أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟ قال: لا، بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين، ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين، قال: ومن يلي من ذلك من قتلهم وإخراجهم؟ قال: يليه إرَمُ ( المعروف " سيف بن ذي يزن" جعله إرم لأنه هو العلم فمدحه أو أراد تشبيهه بعاد إرم في عظم الخلق والقوة) بن ذي يزن، يخرج عليه من عَدَن، فلا يترك أحدا منهم باليمن، قال: أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟ قال: لا بل ينقطع، قال: ومن يقطعه؟ قال: نبي زكيّ، يأتيه الوحي من قِبَلِ العليّ، قال: ومِمَّن هذا النبي؟ قال: رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النَّضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر، قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، يسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيئون، قال: أحق ما تخبرني؟ قال: نعم، والشَّفق والغسق، والفلق إذا اتَّسق، إن ما أنبأتك به لَحقّ.( سيرة ابن هشام ص: 16-17- ج: 1).