بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وإمام المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين أما بعد:
إخوتي الكرام أنقل لكم جزء من محاضرة :
صبر الرسول على الأذى
للشيخ :
محمد المنجد
وفي ذلك
أهمية لدراسة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]
.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله: إن دراسة شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور المهمة للمسلم الذي يريد أن يطبق قول الله عز وجل:
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
[يوسف:108]
ويريد أن يسير على تأثرٍ من نور هذه الآية:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
[الأحزاب:21].
وشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جوانب كثيرة من العظمة؛ تلك الجوانب التي لا بد للداعية إلى الله، ومن يريد أن يتربى على طريق الإسلام أن يدرسها دراسة متأنية.
عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبره على الاستهزاء
ونحن نستعرض في هذا المقام جانباً من جوانب عظمة شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله على نورٍ من ربه، ويصبر على الأذى في سبيل هذه الدعوة، وصبره صلى الله عليه وسلم على الأذى يتمثل في أحداث كثيرة تمَّت في حياته صلى الله عليه وسلم؛ من مواجهته للكفار والمشركين والمنافقين، وفي عامٍ واحد وهو العام العاشر من البعثة يتوفى الله تعالى خديجة رضي الله عنها ويموت أبو طالب ، فيطمع كفار قريش في أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يكونوا يطمعون قبل ذلك، وأذية الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم تتمثل في جوانب كثيرة:
أولاً: الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل:
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ [الأنبياء:36]
أن يهزأ المبطل بالمحق، وأن يسخر السفيه بالعاقل، تلك والله أذية كبيرة تقع كالصخر على صدر الذي يتعرض لهذا النوع من الأذى، رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه على الحق وهم يستهزئون به:
وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً
[الفرقان:41]
يستهزئون بشخصيته صلى الله عليه وسلم، ولكنه يصبر على هذا الأذى وهو يتفكر في قول الله تعالى يسري عن شخصه صلى الله عليه وسلم:
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
[الأنعام:10].
لقد دارت دائرة السوء عليهم، وهذا الاستهزاء الذي استهزءوا به قد أصبح وبالاً عليهم.
للدعاة في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة في الصبر على الاستهزاء
واليوم يقف الداعية إلى الله سبحانه وتعالى، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر موقفاً حرجاً أمام السهام التي توجه إليه من المستهزئين وهم يستهزئون بشخصيته، أو يستهزئون بمظهره، أو يستهزئون بالأفكار التي يحملها، إنه يتأسى بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصبر على هذا الاستهزاء. ولقد صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على شتى الاتهامات؛ فقد اتهموه بأنه يقول الشعر، وأن هذا القرآن إنما هو شعر، وأنهم أيضاً شعراء ولو شاءوا أن يأتوا بمثل شعره لأتوا، يريدون أن يحولوا هذا القرآن عن المجرى العظيم والقالب الذي نزل به؛ لكي يقولوا للناس:
نحن نستطيع أن نصنع مثله قال تعالى:
بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ
[الأنبياء:5]
وقالوا:
أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ
[الصافات:36]
وقال الله عنهم:
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ
[الطور:30]
إنهم ينتظرون نهايته، وينتظرون موته حتى تدفن دعوته في مهدها، ولا تقوم لها قائمة، ولكن الله سبحانه وتعالى تولى الرد عليهم، وتثبيت نبيه صلى الله عليه وسلم:
فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ
[الحاقة:38-41]
وقال عز وجل:
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ
[يس:69].
وكل عارف باللغة العربية؛ بنثرها وشعرها يعرف أن هذا القرآن ليس على وزن الشعر، وليس شعراً كالذي يقوله الشعراء. واليوم يقف الدعاة إلى الله عزوجل أمام المستهزئين وهم يرمونهم بتهم مثل هذه، فليس لهم والله إلا الصبر عليها، والرد على هذه الشبهات التي تطلق على الشريعة وأفكار الدين، منتهجين نهج القرآن في الرد عليها. وأوذي عليه السلام باتهامه بالسحر، قال تعالى:
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ
[يونس:2]
وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
[ص:4]
وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً
[الفرقان:8]
ولكن الله رد عليهم فقال:
كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
[الذاريات:52]
لماذا يريد الجاهليون أن يصموا شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحر؟ لأنهم رأوا أن لهذا القرآن الذي يتلوه صلى الله عليه وسلم أثراً عظيماً على نفوس الناس؛ إنه يجذب الأنظار، ويأخذ بمجاميع القلوب
( إن عليه لطلاوة، وإن له لحلاوة )
فهم يريدون أن يصرفوا أذهان الناس عن سبب هذا التأثير؛ وسبب هذا التأثير أن القرآن كلام الله، سبب هذا التأثير أنه نزل من عند الله الذي خلق النفس، ويعلم ما يؤثر بهذه النفس، وما تتأثر به هذه النفس، إنهم يريدون أن يصرفوا سبب التأثير إلى السحر الذي يؤثر -كذلك- في الناس؛ إنها والله دعاية إعلامية يريدون أن يلبسوا بها على الناس الذين يتأثرون بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقف الدعاة إلى الله عزوجل اليوم أمام أولئك الشاتمين الذين يريدون أن يلبسوا الحق بالباطل، ويريدون أن يصرفوا الناس عن تأثير القرآن والسنة، إنهم يستخدمون وسائل شتى من التهويس والتهويل، وصرف أنظار الناس عن هذا القرآن، وعن الوحي، وعن التأثر بالشريعة، فيستخدمون لذلك وسائل شتى. إن على دعاة الإسلام أن يجابهوا هذه المواقف، وأن يُجَلُّوا للناس أثر القرآن والسنة، وأن يُروا الناس بأبصار قلوبهم قبل أبصار عيونهم أن هذا القرآن وهذه السنة ذات أثر على الناس، مخاطبة الناس بالقرآن والسنة، وربطهم بها مباشرة من الواجبات اليوم، حتى يحصل ذلك التأثير. وصبر صلى الله عليه وسلم على اتهامه بالجنون:
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ
[الحجر:6]
وقالوا:
أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ
[الصافات:36]
.. ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ
[الدخان:14].
ليس أصعب على صاحب الإيمان، والعقل الراجح، والرأي السديد، والفكر الصائب، من أن يتهم في عقله، وأن يوصف بالجنون. وتولى الله الرد على هذه الفرية مثبتاً رسوله صلى الله عليه وسلم:
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
[سبأ:46]
وقال عز وجل:
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ
[التكوير:22]
وقال سبحانه وتعالى:
نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
[القلم:1-2].
واليوم عندما يحاول الداعية إلى الله أن يبين للناس الحق، ويرجعهم إليه، وأن يبين لهم الميزان الصحيح، ويزيل عنهم الغشاوة التي رانت على قلوبهم، والحجاب الذي غطى أبصارهم، ويريد أن يرجعهم إلى الشريعة وإلى الدين، يقولون له: أأنت مجنون؟!! كيف تريدنا أن نرجع إلى ذلك الواقع وأنت ترى الغرب والشرق، وترى القوى العظمى، والواقع المستحكم، ثم تريد أن تنقلنا إلى عصر يطبق فيه الإسلام (100%)؟ هذا مستحيل!
كن واقعياً، دع هذه الخيالات جانباً، إنك تحلم! وعند ذلك يجب أن يجابه الداعية إلى الله هذه السهام بواقعية الإسلام، وأن يثبت للناس أنه يمكن أن يطبق الإسلام، وأن أفكار الإسلام ليست جنوناً ولا هوساً، رغم تلك الاتهامات الباطلة التي يتهم بها أعداء الإسلام المتمسكين بشرع الله، إنهم يرمونهم كما رمى الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم -قدوة هذا الداعية- رموه أول مرة بالجنون والهوس واختلال العقل، إنهم كذلك اليوم يرمون من تمسك بالدين بالسفه، والجنون، والهوس، والوسوسة... إلى آخر تلك التهم، إنهم يتصورون أن تحكيم الله في الشرع والواقع يؤدي إلى جنوح الإنسان عن طريقة التفكير الصحيحة، وعن الواقعية، إن واقعهم فاسد، ولذلك يتصورون أنه واقع صحيح من شدة ضغطه عليهم، ومن تشبعهم بأفكار هذا الواقع، ويتصورون أن تحكيم الإسلام في القوانين والمظاهر، والعبادات والعقائد؛ أنه جنون وهوس؛ لأنهم لا يعقلون، فعقولهم لا تتحمل عظمة تلك التكاليف، ولا يتصورون كيف يمكن أن تطبق هذه التكاليف في ظل الظلمات الجاهلية التي يرزحون اليوم تحت نيرها؛ ولأنهم لا يستطيعون أن يتصوروا الواقع كيف يكون إسلامياً؛ يتهمون من ينادي بالعودة إلى الواقع الإسلامي الصحيح بالجنون، ولا يمكن أن تتصور عقولهم كيف يمكن أن يطبق الإسلام (100%)؟ وهذه نقطة خطيرة .
والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وإمام المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين أما بعد:
إخوتي الكرام أنقل لكم جزء من محاضرة :
صبر الرسول على الأذى
للشيخ :
محمد المنجد
وفي ذلك
أهمية لدراسة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]
.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله: إن دراسة شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور المهمة للمسلم الذي يريد أن يطبق قول الله عز وجل:
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
[يوسف:108]
ويريد أن يسير على تأثرٍ من نور هذه الآية:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
[الأحزاب:21].
وشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جوانب كثيرة من العظمة؛ تلك الجوانب التي لا بد للداعية إلى الله، ومن يريد أن يتربى على طريق الإسلام أن يدرسها دراسة متأنية.
عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبره على الاستهزاء
ونحن نستعرض في هذا المقام جانباً من جوانب عظمة شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله على نورٍ من ربه، ويصبر على الأذى في سبيل هذه الدعوة، وصبره صلى الله عليه وسلم على الأذى يتمثل في أحداث كثيرة تمَّت في حياته صلى الله عليه وسلم؛ من مواجهته للكفار والمشركين والمنافقين، وفي عامٍ واحد وهو العام العاشر من البعثة يتوفى الله تعالى خديجة رضي الله عنها ويموت أبو طالب ، فيطمع كفار قريش في أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يكونوا يطمعون قبل ذلك، وأذية الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم تتمثل في جوانب كثيرة:
أولاً: الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل:
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ [الأنبياء:36]
أن يهزأ المبطل بالمحق، وأن يسخر السفيه بالعاقل، تلك والله أذية كبيرة تقع كالصخر على صدر الذي يتعرض لهذا النوع من الأذى، رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه على الحق وهم يستهزئون به:
وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً
[الفرقان:41]
يستهزئون بشخصيته صلى الله عليه وسلم، ولكنه يصبر على هذا الأذى وهو يتفكر في قول الله تعالى يسري عن شخصه صلى الله عليه وسلم:
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
[الأنعام:10].
لقد دارت دائرة السوء عليهم، وهذا الاستهزاء الذي استهزءوا به قد أصبح وبالاً عليهم.
للدعاة في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة في الصبر على الاستهزاء
واليوم يقف الداعية إلى الله سبحانه وتعالى، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر موقفاً حرجاً أمام السهام التي توجه إليه من المستهزئين وهم يستهزئون بشخصيته، أو يستهزئون بمظهره، أو يستهزئون بالأفكار التي يحملها، إنه يتأسى بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصبر على هذا الاستهزاء. ولقد صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على شتى الاتهامات؛ فقد اتهموه بأنه يقول الشعر، وأن هذا القرآن إنما هو شعر، وأنهم أيضاً شعراء ولو شاءوا أن يأتوا بمثل شعره لأتوا، يريدون أن يحولوا هذا القرآن عن المجرى العظيم والقالب الذي نزل به؛ لكي يقولوا للناس:
نحن نستطيع أن نصنع مثله قال تعالى:
بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ
[الأنبياء:5]
وقالوا:
أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ
[الصافات:36]
وقال الله عنهم:
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ
[الطور:30]
إنهم ينتظرون نهايته، وينتظرون موته حتى تدفن دعوته في مهدها، ولا تقوم لها قائمة، ولكن الله سبحانه وتعالى تولى الرد عليهم، وتثبيت نبيه صلى الله عليه وسلم:
فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ
[الحاقة:38-41]
وقال عز وجل:
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ
[يس:69].
وكل عارف باللغة العربية؛ بنثرها وشعرها يعرف أن هذا القرآن ليس على وزن الشعر، وليس شعراً كالذي يقوله الشعراء. واليوم يقف الدعاة إلى الله عزوجل أمام المستهزئين وهم يرمونهم بتهم مثل هذه، فليس لهم والله إلا الصبر عليها، والرد على هذه الشبهات التي تطلق على الشريعة وأفكار الدين، منتهجين نهج القرآن في الرد عليها. وأوذي عليه السلام باتهامه بالسحر، قال تعالى:
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ
[يونس:2]
وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
[ص:4]
وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً
[الفرقان:8]
ولكن الله رد عليهم فقال:
كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
[الذاريات:52]
لماذا يريد الجاهليون أن يصموا شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحر؟ لأنهم رأوا أن لهذا القرآن الذي يتلوه صلى الله عليه وسلم أثراً عظيماً على نفوس الناس؛ إنه يجذب الأنظار، ويأخذ بمجاميع القلوب
( إن عليه لطلاوة، وإن له لحلاوة )
فهم يريدون أن يصرفوا أذهان الناس عن سبب هذا التأثير؛ وسبب هذا التأثير أن القرآن كلام الله، سبب هذا التأثير أنه نزل من عند الله الذي خلق النفس، ويعلم ما يؤثر بهذه النفس، وما تتأثر به هذه النفس، إنهم يريدون أن يصرفوا سبب التأثير إلى السحر الذي يؤثر -كذلك- في الناس؛ إنها والله دعاية إعلامية يريدون أن يلبسوا بها على الناس الذين يتأثرون بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقف الدعاة إلى الله عزوجل اليوم أمام أولئك الشاتمين الذين يريدون أن يلبسوا الحق بالباطل، ويريدون أن يصرفوا الناس عن تأثير القرآن والسنة، إنهم يستخدمون وسائل شتى من التهويس والتهويل، وصرف أنظار الناس عن هذا القرآن، وعن الوحي، وعن التأثر بالشريعة، فيستخدمون لذلك وسائل شتى. إن على دعاة الإسلام أن يجابهوا هذه المواقف، وأن يُجَلُّوا للناس أثر القرآن والسنة، وأن يُروا الناس بأبصار قلوبهم قبل أبصار عيونهم أن هذا القرآن وهذه السنة ذات أثر على الناس، مخاطبة الناس بالقرآن والسنة، وربطهم بها مباشرة من الواجبات اليوم، حتى يحصل ذلك التأثير. وصبر صلى الله عليه وسلم على اتهامه بالجنون:
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ
[الحجر:6]
وقالوا:
أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ
[الصافات:36]
.. ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ
[الدخان:14].
ليس أصعب على صاحب الإيمان، والعقل الراجح، والرأي السديد، والفكر الصائب، من أن يتهم في عقله، وأن يوصف بالجنون. وتولى الله الرد على هذه الفرية مثبتاً رسوله صلى الله عليه وسلم:
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
[سبأ:46]
وقال عز وجل:
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ
[التكوير:22]
وقال سبحانه وتعالى:
نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
[القلم:1-2].
واليوم عندما يحاول الداعية إلى الله أن يبين للناس الحق، ويرجعهم إليه، وأن يبين لهم الميزان الصحيح، ويزيل عنهم الغشاوة التي رانت على قلوبهم، والحجاب الذي غطى أبصارهم، ويريد أن يرجعهم إلى الشريعة وإلى الدين، يقولون له: أأنت مجنون؟!! كيف تريدنا أن نرجع إلى ذلك الواقع وأنت ترى الغرب والشرق، وترى القوى العظمى، والواقع المستحكم، ثم تريد أن تنقلنا إلى عصر يطبق فيه الإسلام (100%)؟ هذا مستحيل!
كن واقعياً، دع هذه الخيالات جانباً، إنك تحلم! وعند ذلك يجب أن يجابه الداعية إلى الله هذه السهام بواقعية الإسلام، وأن يثبت للناس أنه يمكن أن يطبق الإسلام، وأن أفكار الإسلام ليست جنوناً ولا هوساً، رغم تلك الاتهامات الباطلة التي يتهم بها أعداء الإسلام المتمسكين بشرع الله، إنهم يرمونهم كما رمى الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم -قدوة هذا الداعية- رموه أول مرة بالجنون والهوس واختلال العقل، إنهم كذلك اليوم يرمون من تمسك بالدين بالسفه، والجنون، والهوس، والوسوسة... إلى آخر تلك التهم، إنهم يتصورون أن تحكيم الله في الشرع والواقع يؤدي إلى جنوح الإنسان عن طريقة التفكير الصحيحة، وعن الواقعية، إن واقعهم فاسد، ولذلك يتصورون أنه واقع صحيح من شدة ضغطه عليهم، ومن تشبعهم بأفكار هذا الواقع، ويتصورون أن تحكيم الإسلام في القوانين والمظاهر، والعبادات والعقائد؛ أنه جنون وهوس؛ لأنهم لا يعقلون، فعقولهم لا تتحمل عظمة تلك التكاليف، ولا يتصورون كيف يمكن أن تطبق هذه التكاليف في ظل الظلمات الجاهلية التي يرزحون اليوم تحت نيرها؛ ولأنهم لا يستطيعون أن يتصوروا الواقع كيف يكون إسلامياً؛ يتهمون من ينادي بالعودة إلى الواقع الإسلامي الصحيح بالجنون، ولا يمكن أن تتصور عقولهم كيف يمكن أن يطبق الإسلام (100%)؟ وهذه نقطة خطيرة .