ولد بشعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين. ولما توفي الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، كان له ثلاث عشرة سنة فقط.
ومع ذلك فقد حفظ للمسلمين عن نبيهم ألفا وستمائة وستين حديثا أثبتها البخاري ومسلم في صحيحيهما .
صحب النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من ثلاثين شهرا ، وحدث عنه بجملة صالحة ، وعن عمر ، وعلي ، ومعاذ، ووالده ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي صخر بن حرب ، وأبي ذر ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وخلق.
النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بمولده :
(عن ابن عباس ، قال(حدثتني أم الفضل بنت الحارث قالت بينا أنا مارة والنبي صلى الله عليه وسلم في الحجر فقال (يا أم الفضل) قلت لبيك يارسول الله قال (إنك حامل بغلام ) قلت كيف وقد تحالفت قريش لا يولدون النساء؟ قال(هو ما أقول لك ، فإذا وضعتيه فأتيني به ) فلما وضعته أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه عبد الله وألباه بريقه.أي حنكه قال(اذهبي به فلتجدنه كيسا) قال فأتيت العباس فأخبرته، فتبسم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان رجلا جميلا ، مديد القامه ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه فقبل ما بين عينيه ، وأقعده عن يمينه، ثم قال(هذا عمي ، فمن شاء فليباه بعمه) فقال العباس: بعض القول يا رسول الله ، قال (قال ولم لا أقول وأنت عمي ، وبقية آبائي ، والعم والد.
وقرأ كثيراً على أبي ، وزيد.
وقرأ عليه مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وطائفة.
وروى عنه( ابنه علي ، وابن أخيه عبدالله بن معبد ، ومواليه، عكرمه ، ومقسم ، وكريب ، وأبو معبد نافذ ، وأنس بن مالك ، وأبو الطفيل ، وأبو أمامه بن سهل ، وأخوه كثير بن العباس ، وعروة بن الزبير ، / وعبيد الله بن عبد الله ، وطاووس ، وأبو الشعثاء جابر ، وعلي بن الحسين ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد بن جبر ، والقاسم بن محمد ، وأبو صالح السمان ، وأبو رجاء العطاردي ، وأبو العالية ، وعبيد بن عمير ، وابنه عبدالله ، وعطاء بن يسار ، وإبراهيم بن عبدالله بن معبد ، وأربدة التميمي صاحب التفسير ، وأبو صالح باذام ، وطليق بن قيس الحنفي ، وعطاء بن أبي رباح ، والشعبي ، والحسن ، وابن سيرين ، ومحمد بن كعب القرضي ، وشهر بن حوشب ، وابن أبي مليكة ، وعمرو بن دينار ، وعبيد الله بن أبي يزيد ، وأبو جمرة نصر بن عمران الضبعي ، والضحاك بن مزاحم ، وأبو الزبير المكي ، وبكر بن عبد الله المزني ، وحبيب بن أبي ثابت ، وسعيد بن أبي الحسن ، وإسماعيل السدي ، وخلق سواهم .
وفي التهذيب الرواة عنه مائتان سوى ثلاث أنفس.
وأمه هي:
أم الفضل لبابه بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية من هلال بن عامر.
أولاده: أكبرهم العباس وبه كان يكنى و علي أبو الخلفاء وهو أصغرهم والفضل ومحمد وعبيد الله ولبابه وأسماء .
وأولاده :
الفضل ومحمد وعبيد الله ماتوا ولا عقب لهم ، أما لبابه فلها أولاد من زوجها علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وبنته الأخرى أسماء وكانت عند ابن عمها عبد الله بن عبيد الله بن العباس فولدت له حسنا وحسينا.
صفاته :
وكان وسيما جميلا وسيما مديد القامه مشربا صفرة صبيح الوجه له وفرة يخضب بالحناء مهيبا كامل العقل ذكي النفس من رجال الكمال.
انتقل ابن عباس مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح ، وقد أسلم قبل ذلك ، فإنه صح عنه أنه قال (كنت أنا وأمي من المستضعفين أمي من النساء وأنا من الولدان.
وهو ابن خالة خالد بن الوليد المخزومي.
وكان ابن عباس منذ طفولته الطاهرة النقية لا يتخلف عن مجلس رسول الله ولا عن الصلاة خلفه وكان الرسول يرى في ابن عمه غلاما نجيبا عقله أكبر من سنه ومداركه أوسع من طفولته فهو لايكاد يسمع آية من كتاب الله حتى يحفضها عن ظهر قلب ، ولا يكاد يسمع حديثا نبويا حتى يعيه ويستوعبه ، وكان يجالس الكبار ويستمع إليهم ولذلك فإنه كان يزداد كل يوم علما وحكمة وفطنة ، وينمو وعيا وإحساسا وإدراكا حتى بلغ مرتبة الفتيا وهو في سن الثامنة عشر من عمره .
طلبه للعلم وتحمله الشدائد في تحصيله:
يقول رضي الله عنه (لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار : هلم نسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير ، فقال : واعجبا لك يا بن عباس ! أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي عليه السلام من ترى ؟ فترك ذلك . وأقبلت على المسألة ، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل ، فأتوسد ردائي على بابه ، فتسفى الريح على التراب ، فيخرج فيراني ، فيقول: يابن عم رسول الله ! ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول :أنا أحق أن آتيك ، فأسألك . قال: فبقى الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس علي: فقال ( هذا الفتى أعقل مني ).
منهج ابن عباس بالتفسير !!
وكان ابن عباس رضي الله عنه من أشهر مفسري الصحابة، مع أنه كان أصغرهم سناً، وكان من منهج ابن عباس في تفسيره لكتاب الله أن يرجع إلى ما سمعه من رسول الله، وما سمعه من الصحابة، فإن لم يجد في ذلك شيئاً اجتهد رأيه، وهو أَهْلٌ لذلك، وكان - رضي الله عنه - يرجع أحيانًا إلى أخبار أهل الكتاب، ويقف منها موقف الناقد البصير، والممحِّص الخبير، فلا يقبل منها إلا ما وافق الحق، ولا يُعوِّل على شيء وراء ذلك .
وقد نُسب لـ ابن عباس تفسير سُمِّي "تنوير المقابيس" طُبع مراراً في مصر، وتدور روايات الكتاب على طريق واحد، هو طريق السدي الصغير، عن محمد بن السائب الكلبي، عن ابن صالح؛ وهذه السلسلة تعرف بسلسلة الكذب. يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمئة حديث " وعلى هذا فلا عبرة بهذا التفسير، ولا تصح نسبته إلى ابن عباس، فهو مقول ومختلق عليه .
فضائله :
ولقد رأى ابن عباس جبريل عليه السلام عند النبي مرتين .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا جاءته الأقضية المعضلة قال لابن عباس : إنها قد طرأت علينا أقضية وعضل فأنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله . وما كان يدعو أحدا سواه وذلك لحذقه واجتهاده.
وقال ابن عباس: كان عمر يأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم ، قال : فذكر أنه سألهم وسأله فأجابه، فقال لهم : كيف تلومونني عليه بعد ما ترون.
وكان يفتي في عهد عمر و عثمان إلى يوم مات.
أخبر الطبراني في الكبير بأسناد رجاله رجال الصحيح عن عبد الملك بن ميسرة ، قال : جالست سبعين أو ثمانين شيخا من أصحاب سول الله ما أحد منهم خالف ابن عباس فيلتقيان إلا قال :القول كما قلت ، أو قال : صدقت .
وأخرج الحاكم في مستدركه من حديثه أيضا ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فوضعت له وضوءاً ، فقالت له ميمونة : وضع لك عبد الله بن عباس وضوءاً ، فقال (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
وعندما نشبت فتنة الخوارج ذهب إليهم عبد الله بن عباس وناقشهم فيما التبس عليهم فهمه ، وأسفرت المناقشة عن اقتناع عشرين ألفاً منهم ، وعادوا إلى الحق.