مشارف العـام الثلاثين للهجـرة .. أبو ذر وقـد انتحى جانبـًا غارقـًا فى خواطـره .. تلم به ذكريات السنين .. ها هو الآن فى مسجد الرسول ـ عليه السلام ..
ينظر إلى حيث كان يقيم بين أهل الصُفّة إلى جوار الجامع .. إنه ليذكر كيف أن النبى لم يجعله مصلى فحسب ، بل جعله أيضاً مكاناً للجماعـة لالتقاء أفرادهـا وتدبر شئونهم ..
فـى ركـن صحنه الواسع أقام محمد ـ عليه السلام ـ حجراته التى أقام فيها بقية حياته .. وفى الطرف الشمالى أنشأ العريش الذى كان يعين ناحية القبلة ،
وفى طرفه المقابل أقيمت الصُفّة بمظلة بعرض الجدار تحملها جذوع نخل ليجلس تحتها أهل الصُفّة الذين انضم أبوذر إليهم ..
كان معه بالصُفّة ممن يذكر من صُحبة الأيام الخوالى صهيب الرومـى وخبـاب بن الأرت وعمـار بن ياسر وغيرهـم مـن الصحابـة القدماء .. قضى من قضى وبقى من بقى ..
لم يكونوا جميعاً من الفقراء ، ولكن اتسع لهم قلب وحدب وعطف النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته الأبرار .. كانوا يشيرون كما يشير سراه الناس ، ويشاركون بالرأى كما يشارك جلة الصحابة ..
لم يضق بأحدهم صدر النبى ، ولا ضاق صدر خليفته الصديق ، ولا صدر أمير المؤمنين عمر على شدته الشديدة فى الحق .. إنه لا يزال يذكر كيف كانوا يزهدون الدنيا ويواسون الفقراء ..
كيف ينسى تعفف أبى بكر ، وكيف ينسى يوم رأى خالداً بن الوليد سيف الله وهو يخضع فى الشام لبلال بن رباح ينفذ فيه أمر عمر ويعقله ويقتسم ماله حتـى نعليـه ،
فــلا يتأفف خالد ، ولا تحدثه نفسه بأنه قائد عظيم من أعرق بطـون قريش وبأن بلالاً معتوق أبى بكـر ..
كيف ينسى أبـا عبيدة بـن الجراح يرفض ولاية الأمـر يـوم السقيفة ويقـدم أبا بكر ؟! ثم كيف ينسى عمـر بن الخطاب وقد جاع وجاع أهل بيته فـى عـام المجاعـة كمـا جاع الناس ؟!..
كيف ينسى عمر وهو يبكى بكاء طويلاً حتى اخضلت لحيته إشفاقًا على جموع فقراء المسلمين .. كيف ينساه وهو يكتب إلى عمرو بن العاص فى مصر يؤنبه ويستنفره لنجدة فقراء المسلمين ،
فيقول له : « أفترانى هالكًا وَمْن قِبَلى، وتعيش أنت وَمْن قِبلك! فيا غوثاه ! يا غوثاه ! يا غوثاه ! » ..
وإنه ليذكر كيف لبى عمرو وأجاب يقول : « أما بعد ، فلبث . لأبعثن إليك بعير أولها عندك وآخرها عندى » ..

وإنه ليذكر كيف كان أبو عبيدة بن الجراح غياثًا وأسرع الأمراء استجابة لنداء عمر ، فقدم بنفسه فى أربعة آلاف راحلة محملة بالطعام ، فولاه عمر قسمته على فقراء المسلمين !! ..
مـا بـال الدنيا قد تغيرت ، مع أنه لم يمض على وفاة الرسول سوى عشرين عامـًا ؟! .. مـا بـال البعض قــد استهـواه المــال حتى صرفـه أو يكـاد عن الهـدى النبوى ،
وما بال أقوام لا يواسون الفقراء ولا يرفقون بهم ؟! .. وما بال عثمان يعجز عمـا قـدر عليه أبو بكر وعمر ؟!! .. إن لعثمان صحائف بيضـاء ومشرقـة وضـاءة لا ينساها أحد ..
لقد جهز وحده نصف جيش العسـرة فـى تبــوك .. وهو ذو النورين ، صاحب العطاء والفضل .. عفافه لا يختلف عليه أحـد ، وبذله للإسلام والمسلمين وكرمـه مـن ماله لا ينكره أحد ..
فما باله لا يقوى على شوكة مـن أعزهـم الغنى ؟! .. إنه ليذكر فرح عثمان يوم نظر إلى عير مُقبلة فقال له : ـ « فـيما كنت تحـب أن تكــون هــذه العير يـا أبا ذر ؟ » ..
فلما أجابه : « رجال مثل عمر » .. ملأته الغبطة لتوقير عمر وفضل عمر .. ما الذى جعل عثمان يشتد عليه هذه الشدة ، ويسكت عن مخالفة معاوية لأمره ؟!! ..
إنه ليعلم أن عثمان حين كتب لمعاوية بتسييره إليه بالمدينة قد أوصاه بحسـن تجهيزه وأن يزوده ويرفـق بـه ، فما بال عثمان يسكت على مخالفة معاوية لأمره وقد شاهده يدخل المدينة على أضمر بعير ،
مسلخ الساقين من القنب اليابس المجهز به البعير ، يموت أو يكاد من الإجهاد والجوع والعطش ؟!! .. أجل لقد ساء عثمان ما رآه من حاله ، وأكرم وفادته ، وترفق به ..
لكن ماله يسكت على معاوية وغير معاوية ممن أثروا وتركوا سنة الرسول ومنهج الشيخين ؟! .. إنه يوقر عثمان ، وسيظل يوقره ، وإنه لصادق حين قال للمسلمين .
« والله لو أمرنى عثمان أن أمشى على رأسى لمشيت » .. ولكن أيمنعه حبه وتوقيره لعثمان عن دك معاقل الثروات ، ومواساة الفقراء ؟!..
وإنه لفى خواطره هذه ، يلم به بالمسجد بعض سراة المدينـة وأثرياء المسلمين ، فينظر إليهم معاتبًا … »
أبو ذر : ( معاتبًا ) ألاّ تذكرون يوم قال لنا الرسول « إن أقربكم منى مجلسًا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئته يوم تركته فيها » ..
أحد الحاضرين : فما ذكرك بهذا الآن ؟ .. يرحمك الله ..
أبو ذر : والله ما منكم أحد إلاّ وفد نشب فيها بشىء غيرى .. والله إنى لأرجو أن أكون أقربكم مجلسًا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم القيامة ..
لقد قال لي خليلي : « إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة ، إلاّ من أعطاه الله خيراً فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرًا .. »
* * *

« المسجد النبوى بالمدينة .. أبو ذر ، وقد التف حوله بعض المسلمين .. »
المسلم : ( مواسيًا ) هون عليك أبا ذر !
أبو ذر : أخاف عليكم الغد ، بأكثر مما أخاف عليكم اليوم .. إنكم فى زمان الناس فيه كالشجرة المخضودة لاشوك لهـا ، إن دنوتَ منهم لاطفوك ، وإن أمرتهم بمعروف أطاعوك ،
وإن نهيتهم عن منكر لم يعادوك .. ولكـن سيأتى زمن الناس فيـه كالشوك ، إن دنوت منهم آذوك ، وإن أمرتهم بمعروف عَصْوك ، وإن نهيتهم عن منكر عادوك ،
فرحم الله رجلا تصدق من غناه ليوم فاقته ..
أحد المسلمين : ألا توصنا يا أبا ذر ؟ ..
أبو ذر : أوصيكم بآل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهم الأسرة من نوح .. والآل من إبراهيم ، والصفوة والسلالة من إسماعيل ، والعترة الطيبة الهادية من محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
فأنزلوا آل محمد بمنزلة الرأس من الجسد ، بل بمنزلة العينين من الرأس ، فإنهم فيكم كالسماء المرفوعة ، وكالجبال المنصوبة ، وكالشمس الضاحية ، وكالشجرة الزيتونة أضاء زيتها وبورك زندها .
* * *
« فى موسم الحج .. أبو ذر فى صحن الكعبة وحوله جمع من المسلمين »
أبو ذر : ( مناديا ) يا أيها الناس ! أنا جندب الغفارى .. هلمّوا إلى الأخ الناصح الشفيق .
«يجتمع إليه الناس»
أبوذر : أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفرا أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه ؟
أحدهم : بلى !
أبو ذر : فسفر طريق القيامة أبعد ما تريدون فخذوا منه ما يصلحكم
آخر : وما يصلحنا ؟
أبو ذر : حجوا حجة لعظام الأمور ، صوموا يوما شديدا حره لطول النشور ، صلوا ركعتين فـى سواد الليل لوحشة القبور ، كلمـة خير تقولها أو كلمة سوء تسكت عنها لوقوف يوم عظيم ،
تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرها ، اجعل الدنيا مجلسين ، مجلسا فى طلب الآخرة ، ومجلسًا فـى طلب الحلال ، والثالث يضرك ولا ينفعك لا تريده .
اجعل المـال درهمين : درهمًا تنفقه على عيالك مـن حله ، ودرهمًا تقدمـه لآخرتك ، والثالث يضـرك ولا ينفعك لا تريـده .. ( مناديًا ) يا أيها الناس ! قد قتلكم حرص لا تدركونه أبدًا !!
* * *
« أبو ذر فى المسجد وسط جماعة من المسلمين .. يسألونه عن الصلاة »
أبو ذر : لا تؤخروا الصلاة عن وقتها ..
عبد الله بن الصامت : ( مقاطعًا ) يا أبا ذر .. كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة ؟
أبو ذر : يا عبد الله ، صل الصلاة لوقتها ، فإذا أدركتها معهم فصلها .. إنها لك نافلة .. لقد سألت خليلى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال لى :
« صل الصلاة لوقتها ، فإن أدركتك فصل معه ، ولا تقولن أنى قد صليت فلا أصلى » ..
يا أخى لقد أخبرنا النبى أن من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ، ومن نكث العهد ومات ناكثاً للعهد جاء يوم القيامـة لا حجة له !!
( كالمخاطب نفسه ) قد تركنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما يحرك طائر جناحيه إلاّ ذكرنا منه علمًا !
* * *
« أبو ذر فى المسجد بالمدينة .. وسط لفيف من المسلمين ... »
أبو ذر : ( كالمخاطب نفسه ) يا ليتنى شجرة تُعضد ؟
أحد المسلمين : مالك وللأشجار يا صاحب رسول الله ؟!
أبو ذر : سمعت أبا القاسم خليلى يقـول : « والذى نفسى بيده لـو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا ، ومـا استقررتم على الفرش ، ولا تمتعتم من الأزواج ، ولا شبعتم من الطعام ..
ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل
».. والذى نفسى بيده لوددت منذ سمعت هـذا الحديث أنـى كنت شجـرة تعضد ووددت أنــى لم أخلق !
مسلم : زدنا يا أبا ذر ..
أبو ذر : قد قال لى خليلى : « ألاَ أخبرك بأحب الكلام إلى الله " ؟ .. قلت : بلى يا رسول الله . قال : " أحب الكلام إلى الله ، سبحان الله وبحمده » ..
* * *
« بأحد أحياء المدينة .. أبو ذر مع لفيف من فقراء المسلمين .. »
شاب : ألا تخاف قريشًا يا أبا ذر ، وقد أغلظت لبعضهم القول ؟
أبو ذر : وما تقدر قريش أن تفعل بى ، والله للذل أحب إلى من العز ، ولبطن الأرض أحب إلى من ظاهرها .. وقد أوصانى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن أقول الحق وإن كان مرًا ،
وأن لا أخاف فى الله لومة لائم .. والذى نفسى بيده لقد فارقت وقوتى من الجمعة إلى الجمعة مدُّ ، والله لا أزداد عليه حتى ألقاه ..
* * *
« بحى من أحياء المدينة .. أبوذر يصادف أبا موسى الأشعرى قادمًا إلى المدينة ، ما إن يراه أبو موسى حتى يقبل عليه مرحبـاً متوددًا .. »
أبو ذر : إليك عنى !
أبو موسى : مرحباً بأخى !
أبو ذر : إنما كنت أخاك قبل أن تلى !
أبوموسى : فماذا تأخذ علىّ فى هذا يا أبا ذر ؟
أبوذر : إقبالكم على الدنيا ، وانصرافكم عن الناس !
* * *
« بيت أبى ذر .. يلحظ أن غلامه قد أطلق الشاة على علف الفرس! »
أبو ذر : ( للغلام معاتبا ) لم أرسلت الشاة على علف الفرس ؟!
الغلام : لعلى أردت أن أمتحن غيظك !!!
أبو ذر : لأجمعـن يـا بنى مـع الغيظ أجـرًا .. (يستأنف وقد كظم غضبه) أنت حرٌ لوجه الله ..
* * *
« دمشق بالشـام .. معاوية فى جولة بالمدينة وبرفقته بعض المسلمين ، يشاهد زوجة أبى ذر وقد خرجت للحاق بزوجها فى المدينة ..
يرقبها معاوية فيلاحظ أنها تحمل فى متاعها البسيط جرابًا يبدو ثقيلاً على يد حامله .. معاوية ينادى فى أصحابه وهو يشير إلى الجراب .. »

معاوية : انظروا !! .. انظروا إلى هذا الذى يزهد فى الدنيا ـ ما عنده ؟!
زوجة أبى ذر : أما والله ما فيها دينار ولا درهم .. وإنما هى بعض حوائجنا !!
« تمضى زوجة أبى ذر فى طريقها ، بينما يسقط فى يد معاوية ويتابعها بنظره فى تسليم .. »
* * *
« المدينة ، أمام دار أمير المؤمنين عثمان .. يقف بعض المسلمين فيسمعون أبا ذر ـ وعثمان يتناجيان حتى ارتفعت أصواتهما .. »
أبو ذر : يا أمير المؤمنين ، افتح الباب ، لا تحسبنى من قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرٌَميّة !!
« الناس ينتظرون بالخارج وقد انقطع صوت المناجاة .. بعد فترة ، يخرج أبو ذر مبتسما .. فيبتدره أحد المسلمين .. »
أحد المسلمين : مالك ولأمير المؤمنين يا أبا ذر ؟
أبو ذر : سامع مطيع ، ولو أمرنى أن آتى صنعاء أو عدن لأتيت !
* * *
« عثمان فى داره بالمدينة وحوله بعض الصحابة .. يدخل عليه أبو ذر فيجلس على ركبتيـه أمام عثمان .. يشكو إليه ما يراه من حال المسلمين .. »
أبو ذر : أما ترى يا أمير المؤمنين ؟! .. لقد بلغت الأبنية سَلْعًا .. وبلغ ولد أبى العاص ثلاثين رجلاً .. يتخذون عباد الله خولاً وخدمًا !!
عثمان : يا أبا ذر ، أما أخبرتك أنه علىّ أن أقضى ما علىّ ، وأنه ليس لى إلاّ أن آخذ ما على الرعية ، وأدعوهم إلى الاجتهاد والاقتصاد ، وما علىّ أن أجبرهم على الزهد ! ..
( يستأنف معاتبًا ) أفلا تكف يا أبا ذر عما أنت فيه ؟!!
أبو ذر : حتى يواسى الأغنياء الفقراء !
عثمان : يا أبا ذر ، .. انته عما أنت فيه !
أبو ذر : قد أمرنى رسول الله أن أخرج من المدينة إذا بلغ البناء سَلْعًا ..
عثمان : أنت وشأنك .. دار عنى وجهك !!
أبو ذر : ( مستأذنًا ) أسير إلى مكة ؟ .
« عثمان صامت لا يجيب .. »
أبو ذر : أتمنعنى من بيت ربى أعبده فيه حتى أموت ؟!
« عثمان لا يجيب .. »
أبو ذر : إذن إلى الشام ؟ ..
عثمان : لا والله .. لقد شكا معاوية منك !
أبو ذر : البصرة ؟!
« عثمان لا يجيب .. »
أبوذر : ( يستأنف بعد برهة ) والله يا أمير المؤمنين ما كنت لأختار غير ما ذكرت لك ، ولو تركتنى فى دار هجرتى ما أردت شيئاَ من البلدان ! .. فسيرنى حيث شئت من البلاد !
عثمان : ( مترددًا ) أتسير إلى الَّربَذَه ؟
أبو ذر : (فرحًا) الله أكبر .. صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ..قد أخبرنى بكل ما أنا لاق!!
عثمان : ( مستفسراً ) .. فبم أخبرك يا أبا ذر ؟!
أبو ذر : أخبرنى بأنى أمنع من مكة والمدينة ، وأموت بفلاة .. لعلها الربذه ، وهناك سوف أوارى التراب !!
( يستأنف معاتباً ) يا أمير المؤمنين إنى سائر إلى رَبَذتك ، فإنْ مت بها فأنا طريدك ، فإذا بعثنى ربى حكم بينى وبينك !
عثمان : إذًا أحُجَك .. إنك تبغى علىّ وتسعى ! .
أبو ذر : إن كنت أنت الحاكم يومها فاحْجُجْنى .. إن الحكم يومئذ لا يقبل صلةً ، ولا بينه وبين أحد قرابة !
عثمان : ( يستدرك ومواسيًا ) يا أبا ذر ، ما كنا قد أحببنا لك إلاّ أن تجاورنا فى المدينة .. فأنت وما تريد !! .. نأمر لك بنعم من نعم الصدقة ، تغدو عليك اللقاح وتروح ..
أبو ذر : يا أمير المؤمنين .. لا حاجة لى فى ذلك .. يكفـى أبا ذر صُرَيْمته .. ( متمتمًا لنفسه وهو يخرج ) .. دونكم يا معشر قريش ، دنياكم فأعزموها ودعونا وربنا !
* * *
« على بن أبى طالب فى داره بالمدينة .. ومعه الحسن والحسين وبعض بنى هاشم .. يبلغه أن أبا ذر سائر بأمر أمير المؤمنين إلى الربذه .. يسارع علىّ فيتهيأ للخروج .. »
على : ( لبنى هاشم آسيًا ) .. لقد وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه ، ثم أوكى عليه .. لـم يبق اليوم أحـد لا يبالى فـى الله لومة لائم غير أبى ذر ؟!!
* * *
« بظاهـر المدينة .. أبو ذر ماضٍ براحلته ومتاع بسيط .. مروان بن الحكم يتولى تسييره عـن المدينـة .. يطلـع عليهم على بن أبى طالب ومعه الحسن والحسين ،
وعقيل بن أبـى طالب وعبد الله بـن جعفـر وعمار بن ياسر مودعين .. ما إن يراهم أبوذر حتى تبدو عليه المسرة والارتياح ، بينما يجتاح مروان ضيق لا يستطيع أن يداريه »

مروان : ( معترضا سبيل على ) إن أمير المؤمنين قـد نهـى الناس أن يصحبوا أبا ذر فى مسيره ويشيعوه ! ( يستأنف محذرًا ) فإن كنت لم تدر بذلك فقد أعلمتك !
« على يزور عنه ، ويتقدم إلى أبى ذر فيعترضه مروان ، ويحاول أن يحول بينهما .. على يتملكه الغضب ويحمل بالسوط ويضرب به بين أذنى راحلة مروان »
على : ( لمروان غاضبًا ) .. تنح نحاك الله إلى النار ..!
« مروان يتنحى كارهًا عن طريق على .. يكر عائدًا إلى المدينة مغمغما بأنه سيشكو إلى أمير المؤمنين .. بينما يمضى علـى وصحبه مع أبى ذر حافين به مشيعين له .. »
على : ( مواسيًا ) .. يـا أبا ذر ، إنك غضبت لله فارجُ مـن غضبت لـه .. إن القوم خافوك على دنياهم ، وخفتهم على دينك ..
فاترك فى أيديهم ما خافـوك عليه ، واهرب منهم بما خفتهم عليه .. فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عما منعوك !
( بعد برهة ) ستعلم يا أبـا ذر من الرابح غـدًا ، والأكثر حُسّدًا .. ولو أن السموات والأرض كانتا على عبد رتقًا ثم اتقى الله ، لجعل الله له منهما مخرجًا ..
( يستأنف ) يا أبـا ذر ، لا يؤنسنّك إلاّ الحـق ، ولا يوحشنك إلاّ الباطل .. فلو قبلت دنياهم لأحبوك ، ولو قرضت منها لأمنوك !!!

« يبدو الارتياح والطمأنينة على أبى ذر .. بينما يمضى الموكب فى سكون وجلال .. الحسين يقترب من أبى ذر وقد بدا عليه الحزن والإشفاق .. »
الحسين : ( لأبى ذر مواسيًا ) .. يا عماه ! إن الله قادر أن يغير ما قد ترى . والله كل يوم فى شأن ..فاسأل الله الصبر والنصر .. واستعذ به من الجشع ،
فإن الصبر من الدين والكرم ، وإن الجشع لا يقدم رزقا والجزع لا يؤخر أجلاً ..

أبو ذر : بارك الله فيك يا ابن بنت رسول الله ..
« أبو ذر يتوقف براحلته .. ويعزم على مشيعيه أن يكتفوا ويرجعوا .. ويلحف فى رجائه فيتهيأ علىّ وصحبه للانصراف ، فلا يستطيع أبو ذر أن يغالب مشاعره ، فينهمر الدمع من عينيه ، ويبكى !! .. »

على : ( رفيقًا حانيًا ) ما يبكيك أبا ذر ؟
أبو ذر : رحمكم الله أهل البيت ، .. إذا رأيتك يا أبا الحسن وولدك ذكرت بكم رسول الله !!..
« تنثال عبرات أبى ذر .. يودعه علىّ وصحبه .. يمضى ركب أبى ذر وهم يرقبون حزانى حتى غاب عن الأنظار » ..

علىّ : (يحدث نفسه آسيًا) لـم يبق اليوم أحـد لا يبالى فـى الله لومـة لائم غير أبى ذر !!
عمار : (لنفسه) صدقت يا رسول الله .. ها هو أبو ذر ، يمشى وحده ، ويموت وحده .. من يدرى ، لعله يبعث وحده ..