« مسجد دمشق .. يدخل أبو ذر ، ينتحى جانبًا فيصلى ركعتين .. يرقبه الحاضرون فى إكبار وفيهم مالك بن أوس بن الحدثان »
أبو ذر : ( يتلو ) « أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ 1 حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ 2 كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ 3 ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ 4 كَلا لَوْ تَعْلَمُــونَ عِلْمَ الْيَقِينِ 5 لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ 6 ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ 7 ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ 8 » ( التكاثر 1ـ 8 )
« يجتمع حوله الناس »
مالك بن أوس : (مبادرًا) هلا حدثتنا يا أبا ذر بشىء مما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أبو ذر : سمعت حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
« فى الإبل صدقتها ، وفى البقر صدقتها ، وفى البُرّ صدقته ، مَنْ جمع ديناراً ، أو تبراً ، أو فضة ، لا يُعِدُّهُ لغريمٍ ، ولا ينفقه فى سبيل الله ، كُوى به ! »
مالك بن أوس : يا أبا ذر ، انظر ما تُخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن هذه الأموال قد فشت !
أبو ذر : من أنت ، يا ابن أخى ؟ ..
مالك : إننى مالك بن أوس بن الحدثان ..
أبو ذر : أى بنى ، قد عرفت نسبك الأكبر ، ما تقرأ :
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 34
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ 35
» ( التوبة 34 ، 35 )
« مالك والحاضرون يطرقون منكرين .. »
* * *
« أبو ذر فى داره .. يدخل عليه رسول من قبل معاوية ، يقرئه السلام ، يقدم إليه صرة »
أبو ذر : ( مستفسرًا ) ما بها ؟
رسول معاوية : ثلاثمائة دينار .. قد بعث معاوية إليك بها ..
« يقدم الصرة إلى أبى ذر ، ولكن أبا ذر لا يأخذها »
أبو ذر : ( سائلاً ) إن كانت من عطائى الذى حرمتمونيه عامى هذا ، قبلتهـا .. ( يستأنف ) وإن كانت صلة فلا حاجة لى فيها !!
« تبـدو الحيرة علـى رسـول معاويـة .. لا يستطيع أن يحير جوابًا .. »
أبو ذر : ردها إليه ، فلا حاجة لى فيها ..
« ينصرف رسول معاوية بالصرة »
* * *
« جامع دمشق وقـد جلس البعض يتحادثون .. يدخل أبو ذر ، فيهرع إليه البعض »
أبو ذر : ( مناديًا ) يا أيها الناس .. هلمّوا إلى الأخ الناصح الشفيق ..
« يتقاطر إليه الناس ويلتفون حوله »
( يستأنف ) يا معشر الأغنياء ، أنفقوا مما أعطاكم الله ، ولا تغرنكم الحياة الدنيا .. واجعلوا فى أموالكم حقاً للسائل والمحروم .. قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
« ألهاكم التكاثر ، يقول ابن آدم مالى مالى ، وهل لك من مال إلاّ ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأبقيت .. »
يا معشر الأغنياء ، لقد نهى الله عز وجل عن الكنز ، وقال الرسول : تبًا للذهب ! تبًا للفضة ! ..
لقد شق ذلك على أصحابه كما شق عليكم !.
قالوا : أى المال نتخذ ؟
وخليلى يقول : ـ « لسانًا ذاكرًا ، وقلبًا شاكرًا ، وزوجة تعين أحدكم على دينه »
أحد الحاضرين : ( يهمس إليه ناصحًا ) إنك تخوض فى معاوية ، فحاذر !.
أبو ذر : لا والله ، قد أوصانى خليلى أن أقول الحق ولو كان مراً ، وألاّ أخشى فى الله لومة لائم ..
* * *
« قصر الخضراء بدمشق .. معاوية فى مجلسه وقد مد الخوان بأطيب وأشهى وأفخر أنواع الطعام .. يدخل أبو ذر فيستقبله معاوية هاشاً باشاً »
معاوية : ( مرحبًا ) أهلا بصاحب رسول الله .. عزمت عليك أن تأكل معنا ..
أبو ذر : ( معتذرًا ) طعامى كل جمعة صاع من شعير .. هذا عهدى منذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم .. والله لا أزيد عليه شيئًا حتى ألقاه ..
معاوية : يا أبا ذر ، إنك تشتد على نفسك ؟!
أبو ذر : أنتم الذين غيرتم .. ينخل لكم الشعير ولم يكن ينخل ، وخبزتم المرقق .. جمعتم إدامين ، واختلفت عليكم ألوان الطعـام ..
يغدو أحدكم فى ثوب ، ويروح فى آخر .. وما كنتم هكذا فى عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
معاوية : يا أبا ذر ، لقد اشتكى الأغنياء منك !.
أبو ذر : أيشكون أن أدعوهم إلى كتاب الله ، ونبذ كنز الأموال ، ومواساة الفقراء ؟!
معاوية : إن الآية نزلت فى أهل الكتاب ..
أبو ذر : بل نزلت فينا وفيهم ..
معاوية : ( محذرًا ) فإنى آمرك أن تكف ..
أبو ذر : ( وهو يمضى مغاضبًا ) لا والله .. حتى يبذل الأغنياء المعروف ..
* * *
« بحى من أحياء دمشق .. أبو ذر يمشى إلى داره مهمومًا مشغول البال على ابنته التى تركها هزيلة مريضة » ..
أبو ذر : ( محادثاً نفسه ) أو ستكتحل عيناى ثانية بمرآها معافة ؟!
« يلم بأبى ذر خاطر حزن »
( كالمخاطب نفسه) يا أبا ذر لا تحزن .. إنما أموالكم وأولادكم فتنة !.
« أبو ذر فى طريقه إلى داره ، والخاطر لا يفارقه .. حتى يصل إلى داره ، يطرق الباب ، فتفتح له امرأته بادية الحزن .. يدخل قلقًا حيث يلقى ابنته مسجاة.. فتجهش امرأته بالبكاء .. »
أبو ذر : ( مغمغمًا ) إنا لله وإنا إليه راجعون ! ..
( لزوجته وقد سالت عبراته ) اصبرى واذكرى الله .. لا حول ولا قوة إلاّ بالله .. إنما يولدون للموت ويعمرون للخراب !!
* * *
« بحى مـن أحيـاء دمشـق .. وقـد اجتمع إلى أبى ذر ملأ من شباب وفقراء المسلمين ، يحادثهم بما يأخذه على الأغنياء من كنز الأموال وعدم مواساة الفقراء »
أحدهم : يا صاحب رسول الله ، إنهم يكنزون الذهب والفضة ، بينما لا يجد بعضنا ما يقتات به ؟!! ..
أبو ذر : ( ينطلق غاضبًا ) عجبت لمن لا يجد القوت فى بيته ، كيف لا يخرج إلى الناس شاهرًا سيفه ؟! ( يستدرك معاتبا نفسه ) ألم يوصك الرسول : اصبر حتى تلقانى ؟!
شاب : ( سائلا ) أنخلع عصا الطاعة ؟
أبو ذر : ( ناهيا ) .. لا .. لا .. ما إلى هذا أردت ، إنما هى كلمة جرت ، وصرخة أفلتت ..
( مغمغماً لنفسه وهو يمضى ) قد والله سمعت رسول الله يقول : ـ « من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه » .. وقد أوصانى خليلى أن أصبر حتى ألقاه ، وإننى لصابر حتى ألقاه ..
* * *
« أحـد أحيـاء دمشق يمـر أبو ذر ، فيشاهد أبا الدرداء قائما على بناء له يبنيه .. والعمال يغدون ويروحون حاملين المونة وأحجـار البناء .. »

أبو ذر : ( معاتباً ) قد حملت الصخر على عواتق الرجال !!
أبوالدرداء : إنما هو بيت أبنيه ! .
أبو ذر : ( يكرر مؤنبًا ) حملت الصخر على عواتق الرجال !
أبوالدرداء : يا أخى لعلك وجدت علىّ من ذلك ؟!!
أبو ذر : لو مررت عليك وأنت فى عذرة أهلك كان أحب إلى مما رأيتك فيه ..
« يمسك أبو ذر فجأة ، وينصرف مطرقاً كما لـو كان منصتًا لخـاطر لا يسمعه سواه !! .. »
* * *
« دار أبى ذر بدمشق .. يجلس إليه عبد الله بن الصامت .. وقد خرج إلى أبـى ذرعطـاؤه ، أبو ذر مستغرق فى تقسيمه يريد أن يوزعه صدقة .. »
عبد الله بن الصامت : يا أبا ذر .. لو ادخرته لحاجة تنوبك أولضيف يأتيك !.
أبو ذر : إن خليلى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عهد إلىّ أيما ذهب أو فضة أوكى عليه فهو حجر على صاحبه يوم القيامة حتى يفرغه إفراغـاً فى سبيل الله عز وجل ..
دمشقى : ألا تتخذ لك ضيعة !!
أبو ذر : وما أصنع يا أخى بأن أكون صاحب ضيعة أو أميرًا ؟! .. وإنما يكفينى فى كل يوم شربة ماء أو لبن وفى الجمعة قفيز من قمح !
* * *
« فى جامع دمشق .. أبو ذر وقد التف حوله المسلمون .. »
أبو ذر : يا معشر المسلمين .. لقد حدثت والله أعمال ما أعرفها ، و والله ما هى فى كتاب الله ولا سنة نبيه .. والله إنى لأرى حقا َيطفأ ، وباطلاً يحيا .. يا معشر الأغنياء .. واسوا الفقراء ،
فإن الله تعالى يقول :« لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّــونَ » ( آل عمـــران 92 ).. يا معشر الأغنياء .. لا تكنزوا الذهب والفضة والأموال ، واذكروا قول الحق جل علاه ..
« وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 34 يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ 35 »
( التوبة 34 ، 35 )
* * *
« معاوية فى مجلسه بقصر الخضراء .. يستأذن عليه أبو ذر .. ما إن يدخل حتى يبتدره معاوية .. »
معاوية : ( مبتدرًا فى حدة ) .. ما هذا الذى بلغنى أنك ذكرته فى المسجد يا أبا ذر ؟! .. أما كفاك ما فعلته بالمدينة حتى ضاق بك صدر أمير المؤمنين !!
أبو ذر : أتعيبون على ذكر كلام الله عز وجل ؟!!
معاوية : ( وهو يتصنع الهدوء ) إن الآية التى لا تفتأ تكررها وتعيدها لتؤلب الناس علينا ـ قد نزلت فى أهل الكتاب ..
أبو ذر : بل نزلت فينا وفيهم .
معاوية : إنى آمرك أن تكف يا أبا ذر ..
أبو ذر : والذى نفسى بيده ، لأستمرن على دعوة الناس إلى الزهد والعفاف ، وتحذيرهم من الكنز ، ولأبشرن الكانزين بعذاب يوم القيامة .. يوم تكوى جباههم وجنوبهم وظهورهم بمكاو من نار ..
معاوية : ( محذرًا) خير لك يا أبا ذر أن تنتهى عما أنت فيه ! .
أبو ذر : والله لا أنتهى حتى يواسى الأغنياء الفقراء ! .
معاوية : ( متوعدا ) يا أبا ذر ..إن هذا فراق بينى وبينك ، فحاذر ! .
أبو ذر : قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا .. والذى نفسى بيده لو وضعتم السيف فى عنقى ، ثم ظننت أنى منفذ كلمة سمعتها من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن تحتزوا لأنفذتها !!
« ينصرف أبو ذر لا يلوى على شىء .. »
* * *
« معاوية فى مجلسه بقصر الخضراء بدمشق فى حاشيته .. يأمر بخادم .. يدخل إليه أحد خدمه فيدفع إليه صرة من النقود .. »
معاوية : خذ هذه الصرة ، بها ألف دينار ، فأعطها لأبـى ذر الغفـارى .. ( مستدركًا ) أخبره أنها عطاؤه ..
« ينصرف الخادم بالصرة .. »
* * *
« بقصر الخضراء ، فى اليوم التالى .. معاوية فى حاشيته وفى مجلسه نفر من المسلمين .. يستدعى خادمه الذى أرسله إلـى أبـى ذر بأمس ، فيدخل مهرولاً .. »
« الخادم تبدو عليه الحيرة .. لا يفهم مـراد معاوية »
معاوية : ( للخادم ) اذهب الآن إلى أبى ذر ( يستأنف مفسرا ) قل له : انقذ جسدى من عذاب معاوية ، فإنه أرسلنى بالمال إلى غيرك ، وإنى أخطأت به إليك ..
« معاوية يلتفت إلى المحيطين به .. »
معاوية : ( متهكماً ) سنرى الآن ما صنع أبوذر فى عطيته .. هل اكتنزها أم واسى بها الفقراء كما لا يفتأ يقول !!
« يمضى الخادم مسرعًا .. »
* * *
« أبو ذر فى داره بدمشق .. يدخل عليه خادم معاوية»
الخادم : ( متوسلاً ) يا أبا ذر ، ناشدتك الله أن تنقذ جسدى من عذاب معاوية .
أبوذر : ولم يعذبك يا بنى ؟!
الخادم : قد أرسلنى أمس بالمال إلى غيرك ، وإنى أخطأت به إليك !
أبو ذر : ( مواسياً ) والله يا بنى ، ما بقى عندنا من الدنانير شىء ، ولكن أخّرنا ثلاثة أيام حتى نجمعها ..
« رسول معاوية يمضى محبطاً .. »
* * *
« معاوية فى مجلسه بقصر الخضراء بدمشق .. وقد وقف رسوله أمامه مطرقا .. »
معاوية : ( للمحيطين به من حاشيته ) ليس لنا على هذا الرجل سبيل .. فأشيروا علىّ !
أموى : ( محرضا ) .. مالك به حاجة ، وما أرى إلا أنه سيفسد عليك الشام ، اكتب إلى أمير المؤمنين يستقدمه إليه ..
معاوية : نعم ما أشرت به …
« ينادى معاوية على كاتبه ويبدأ فى إملائه رسالة إلى أمير المؤمنين عثمان .. »
* * *
« بعد أيام .. دار عثمان بن عفان بالمدينة .. يجلس إليه نفر من المسلمين .. يصل بريد معاوية من الشام .. فيأمر عثمان بتلاوة كتابه .. يقوم كاتب عثمان بفض الكتاب ،
ويقرأه .. »
الكاتب : إن معاوية يشكو من أبى ذر ، وتأليبه الفقراء عليه وعلى أغنياء الشام !
عثمان بن عفان : ( لمن حوله ) أضاق عقل معاوية وحلمه بأبى ذر ؟! ( للكاتب ) فماذا يريد ؟!
الكاتب : يقول معاوية : إن أبا ذر قد ضيق علىّ وأعضل بى .. وأنه تجتمع إليه الجموع ، ولا آمن أن يفسدهم عليك ، فإن كان لك فى القوم حاجة فاحمله إليك !!
« عثمان يفكر مليا .. ثم يملى .. »
عثمان : ( لكاتبه ) اكتب إلى معاوية ( يبدأ فى الإملاء ) « إن الفتنة قد أخرجت خطمها وعينيها ، فلم يبق إلاّ أن تثب ، فلا تنكأ القرح ، وجهز أبا ذر إلىّ ، وابعث معـه دليلاً وزوده ، وأرفق بـه
، وكفكف النـاس ونفسك ما استطعت ، فإنما تمسك ما استمسكت .. والسلام . »
* * *
« أبو الدرداء فى نفر من المسلمين فى مسجد دمشق .. يقبل عليهم أحد المكيين .. »
المكى : أما بلغك يا أبا الدرداء ما صنع معاوية بأبى ذر ؟!
أبوالدرداء : لا والله .
المكى : لقد كتب إلى أمير المؤمنين أن يحمله إليه إن كانت له بالشام حاجة ، فكتب إليه أمير المؤمنين أن يجهزه ، وقد بلغنى أن معاوية بسبيله إلى إشخاصه إلى المدينة محمولاً مع الجند ..
أبوالدرداء : ( مستاءً ) لم يفعلون به هذا .. والله ، لو أن أبا ذر ضرب ظهرى وقطع يدى ، ما وجدت عليه .. وقـد سمعت رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقـول :
ـ ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبى ذر ، ومن سره أن ينظر إلى أدنى الناس زهداً فى الدنيا فلينظر إلى أبى ذر ..
* * *
« قصر الخضراء بدمشق .. معاوية حوله حاشيته .. يدخل رئيس الحرس ، ويقف بين يدى معاوية .. »

معاوية : هل أبلغتم أبا ذر بما أمر به أمير المؤمنين ؟ .
رئيس الحرس : نعم ..
معاوية : أريدكم أن تحملوه إلى المدينة على أضمر بعير ، ولا تضعوا على البعير إلاّ قنبا يابسًا .. وابعثوا معه خمسة من الجنود الصقالبة ، فليطيروا به بأسرع ما يستطيعون ..
« ينصرف رئيس الحرس مسرعا لتنفيذ الأمر.. يبدو الارتياح على معاوية .. »
* * *
« بظاهر دمشق .. أبو ذر يركب بعيراً ضامراً على ظهره قنب يابس يدمى أفخاذ الراكب ، حول أبى ذر خمسة من شداد الجنود الصقالبة يمضـون بـه مسـرعين ..
ليس مع أبى ذر إلاّ متاع خشن قليل .. يصادف الركب بعض المسلمين .. »

أحد المسلمين : ( مواسيًا ) صبرًا أبا ذر .. هون عليك ..
أبو ذر : والله لو أمرنى عثمان أن أمشى على رأسى لمشيت ..
* * *
« بعد أسابيع .. موكب أبى ذر فى حراسة الجنود الصقالبة يدخل المدينة ، ويمضى فى أحيائها شطر دار عثمان ..
يلاحظ المسلمون الصورة الخشنة التى أرسل بها معاوية أبا ذر !! لا يكاد يمر الموكب على أحد حتى يبدو عليه الاستياء .. أحد الأنصار يقترب من الموكب .. »

الأنصارى : ( يواسيه فى حزن ) يا أبا ذر ، أنت تموت من ذلك ؟!
أبو ذر : هيهات حتى أُنفى .. هيهات حتى أُنفى ..
« أبو ذر يتأمل فى أبنية المدينة .. فيلحظ أن بعض الدور قد ارتفع بناؤها حتى طاول جبل سَلعْ .. يظهر عليه الامتعاض .. »
أبو ذر : ( يتمتم محزونًا ) بشر أهل المدينة بغارة شعواء وحرب مذكار !
« يمضى الركـب فـى صورتـه تلك الخشنة .. وأبو ذر يردد عبارته .. »
* * *

« دار عثمان بالمدينـة .. عثمان ومعـه نفـر من الصحابة .. يصل أبو ذر ، فيبدو الاستياء على عثمان والصحابة من الحال التى رأوه عليها .. »
عثمان بن عفان : ( مترفقا ) مرحبا وأهلاً بأخى ! .
أبو ذر : مرحبـاً وأهـلاً بأخـى .. ( يستأنف عاتبًا ) .. لقد أغلظت علينا العزيمة يا أمير المؤمنين !! والله لو عزمت علىّ أن أحبو لحبوت .. والله ما أنا منهم يا أمير المؤمنين.
« يطرق عثمان مليّا »
عثمان : صدقت يا أبا ذر ، إننا أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة ..أحببت أن أجعلك مع أصحابك ، وخفت عليك جُهال الناس !..
« عثمان ينادى ويأمر بالإعداد لنزول أبى ذر ضيفاًً على الدار .. »
عثمان : ( معاتباً ) ولكن ما لأهل الشام يشكون ذرب لسانك يا أبا ذر ؟!
أبو ذر : والله ما قلت إلاّ ما أعلم من كتاب الله وسنة رسوله … كان معاوية يقول مال الله ، كأنه يريد أن يحتجنه عن الناس ، فعزمت عليه أن يقول مال المسلمين ..
وعتبت عليه إسرافه فى بناء الخضراء .. وقد كنز الناس فبشرتهم بمكاو من نار ، ودعوتهم إلى أن يواسى الأغنياء الفقراء !
عثمان : يا أبا ذر ، علىّ أن أقضى ما علىّ وآخذ ما على الرعية ، وأن أدعو الرعية إلى الاجتهاد والاقتصاد ، وما علىّ أن أجبرهم على الزهد !
أبو ذر : لا ترضوا من الأغنياء حتى يبذلوا المعروف ويحسنوا إلى الجيران والإخوان ويصلوا القرابات !!