« انصرمت أعوام ، وطويت صفحات الزمن .. قُبض الرسول عليه السلام ، ومضت خلافة الصديق والفاروق على سنته عليه الصلاة والسلام وهديه ..
لم يحص أبو ذر على الخليفتين شيئًا ، ولم ينكر منهما أمرًا .. فتفرغ للعبادة والجهاد .. يمضى أيامه زاهدًا متعبدًا مجاهدًا ..
قُبض أبو بكر ثم عمر ، ومضى زمن من خلافة عثمان رضى الله تعالى عنهم ، فبدأ يرى مستحدثات لم يألفها ، وأمـورًا أنكرهـا ، وثروات لم يعهدهـا ..
أحس الرجل نذر الخطر ، وخشى على أمة محمد من مفاتن الدنيا وغرورها وزخرفها .. فرفع رايـة الله ، وخرج يدك معاقل الثروات ويواسى الفقراء .. »
* * *
« فى حى من أحياء المدينة .. حلقة فيها ملأ من قريش ، معهم الأحنف بن قيس .. يقبل عليهم أبـو ذر الغفـارى فى ثياب بسيطـة خشنة .. لا يكاد ينضم إليهم حتى يقف فيهم واعظاً .. »
أبو ذر : ( ناصحًا ) بشر الكانزين برضف يحمى عليه فى نار جهنم فيوضع على حلمة ثدى أحدهم حتى يخرج من نُغْض كتفيه ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل ..
« يضع السامعون رءوسهم إلى أذقانهم مطرقين .. لا يحير أحدهم جوابًا ، ولا يعلق بكلمة » ..
أبو ذر : ( يستأنف بعد برهة ) وبشر الكانزين بكىِّ فى ظهورهم يخرج من جنوبهم وبكىِّ من قبل أقفائهم يخرج من جباههم !!
« ينتحى أبو ذر جانبا تاركاً إياهم مطرقين فى وجوم »
الأحنف بن قيس : ( هامسًا إلى قرشى بجواره ) من الرجل ؟
القرشى : إنه أبو ذر الغفارى .. جندب بن جناده .. صاحب رسول الله ..
« ينهض الأحنف ليلحق بأبى ذر .. فيراه يجلس إلى سارية قريبة ، فينضم إليه » ..
الأحنف : ( لأبى ذر ناصحًا ) ما رأيت هؤلاء إلاّ كرهوا ما قلت لهم !!
أبو ذر : إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً .. إن خليلى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم دعانى فأجبته فقال : أترى أُحُدًا .. فنظرت ما على من الشمس وأنا أظن أنه يبعثنى فى حاجة له ..
فقلت : أراه . فقال : « ما يسرنى أن لى مثله ذهباً أنفقه كله إلاّ ثلاثة دنانير » ..
( يستأنف حزينًا ممرورًا ) .. ثم هؤلاء يجمعون الدنيا لا يعقلون شيئًا !!
الأحنف : لقد كرهوا ما قلت ؟ !!
أبو ذر : (محزونًا) ما قلت إلاّ شيئاًً سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم ..
الأحنف : ( مستفتياً ) ما تقول فى هذا العطاء ؟
« يبدى لأبى ذر ما معه من عطاء منح له » ..
أبو ذر : خذه ، فإن فيه اليوم معونة ، ( مستدركًا ) فإذا كان ثمنًا لدينك فدعه ..
الأحنف : يرحمك الله .. ولكن مالك ولإخوتك من قريش لا تعتريهم وتصيب منهم ؟!!
أبو ذر : لا وربك ، لا أسألهم عن دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله !.
* * *
« فـى المسجد بالمدينة .. لفيف مـن المسلمين فيهم أبو ذر »
أبو ذر : قد والله استحدثت أمور ، ما رأيناها أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا أتاها الشيخان !!
أنصارى : أتعلم يا أبا ذر كم أعطى أمير المؤمنين لمروان بن الحكم ؟!
أعرابى : إنه قريب القرابة فى بنى أمية ؟!
الأنصارى : لقد جعل له خمس خراج أفريقية ، وللحارث بن الحكم ثلاثمائة ألف درهم .. ولزيد بن ثابت مائة ألف درهم !!
أبو ذر : هذا والله أكثر كثيرًا مما يحتاجونه !.
الأعرابى : لقد بنوا القصور واقتنوا الضياع ، واكتنزوا الأموال !!
أبو ذر : ( يتلو ) « وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
(34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
35 »
( التوبة 34 ـ 35 )
* * *
« دار عثمان بالمدينة ـ يستأذن عليـه مـروان ابن الحكم »
مروان بن الحكم : ( غاضبًا ) والله ما أرى يا أمير المؤمنين إلاّ أن أبا ذر سيفسد عليك أمرك ! ..
« عثمان يطرق مليّا »
مروان : ( يستأنف ملحًّا ) إنه لا يدع مكاناً إلاّ عيبنا وألب علينا .. وها هو يحصى عليك ما تعطيه الأمراء والولاة ، ولا ينى فى تحريض الناس وتأليبهم عليك ..
« يفكر عثمان مليّا .. ثم ينادى مولاه »
عثمان : ( مناديًا ) يا نائل .. يا نائل ..
« يقدم نائل »
نائل : لبيك يا أمير المؤمنين ..
عثمان : ( لنائل ) اذهب إلى أبى ذر ، فادعه إلينا ..
« ينصرف نائل .. ويمضى بعده مروان »
* * *
« مجلس عثمان .. يدخل أبو ذر .. »
عثمان : ( مبتدرًا ) يا أبا ذر ، انته عما يبلغنى عنك ..
أبو ذر : وما يبلغك عنى يا أمير المؤمنين ؟!
عثمان : بلغنى أنك تحرض الناس علىّ ..
أبو ذر : ( مردداً فى استنكار ) أحرض الناس عليك ؟!
عثمان : نعم .. إنك لا تقرأ فى المسجد إلاّ « وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ »
أبو ذر : أينهانى أمير المؤمنين عن قراءة كتاب الله ، وعيب من ترك أمر الله ؟! .. ( مستأنفًا ) فو الله لأن أرضى الله بسخط عثمان ، أحب إلىّ وخير لى من أن أسخط الله برضاه ..
« يطرق عثمان ملياً .. يطول صمته .. فينهض أبو ذر وينصرف » ..
* * *
« فى مجلس عثمان بالمدينة .. عثمان وحوله عدد من المهاجرين والأنصار .. فيهم أبوذر .. ينضم إليهم كعب الأحبار » ؟!
عثمان : ( سائلاً الحاضرين ) أرأيتم من زكى ماله ، هل فيه حق لغيره ؟
كعب الأحبار: ( منبريًا ) لا ، يا أمير المؤمنين ..
أبو ذر : ( غاضباً وهو يدفع كعب الأحبار فى صدره ) كذبت يا ابن اليهودى ( يتلو )
« لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوآ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
» ( البقرة /177 )
عثمان : ( للحاضرين ) أترون بأساً أن نأخذ مالاً من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أمورنا ، ونعطيكموه ؟
كعب الأحبار : ( منبريًا ) لا بأس ذلك ..
« أبو ذر يرفع عصاه فيدفع بها فى صدر كعب »
أبو ذر : ( مغضبًا ) يا ابن اليهودى ما أجرأك على القول فى ديننا ؟ !!
عثمان : ( لأبى ذر غاضبًا ) .. ما أكثر أذاك لى !! غيب وجهك عنى فقد آذيتنا !!
« ينصرف أبو ذر مغضبًا .. »
* * *
« المسجد النبوى بالمدينة .. عبد الله بـن الصامت جالس إلـى أبى ذر بصحن المسجد . »
عبد الله : ( مواسيًا ) سر عنك يا أبا ذر .. حسبك أن النبى مات وهو عنك راض .. كان عليه الصلاة والسلام يتفقدك إذا جاء ، ويناديك إذا راح ـ فهلا ذكرت لنا بعض ما يوصيك به ؟!
أبو ذر : أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بسبع : « أمرنى بحُب المساكين والدنو منهم ، وأمرنى أن أنظر إلى من هو دونى ، وأن لا أسأل أحداً شيئاً ، وأن أصل الرحم وإن أدبرت ،
وأن أقول الحق وإن كان مُرًا ، وألا أخاف فى الله لومة لائم ، وأن أكثر من قـول : لا حول ولا قوة إلاّ بالله ـ فإنهن من كنز تحت العرش ..
»
* * *
« أمام دار عثمـان بـن عفان بالمدينة .. يمر عبد الله بن عباس من أمـام الدار ، فيشاهد أبا ذر جالساً ..
يبدو عليه أنه ينتظر لقاء عثمان وأنهم قـد تغافلوا عنه ساعة .. يدخل ابن عباس على عثمان »

عبد الله بن عباس : ( عاتبًا ) يا أمير المؤمنين ، هذا أبو ذر بالباب !!
عثمان : ائذن له ـ إنْ شئت أن تؤذينا وتبرّح بنا
« ينادى ابن عباس على أبى ذر فيدخل .. أبو ذر يجلس على سرير منسوج بالسعف والحبال »..
عثمان : ( مبادرًا ) يا أبا ذر ، ألست الزاعم أنك خير من أبى بكر وعمر ؟!
أبو ذر : ما قلت !
عثمان : إنى أنزع عليك بالبينة ..
أبو ذر : والله ما أدرى ما بينتك وما تأتى به ؟! .. وقد علمتَ ما قلتُ !
عثمان : فكيف إذاً قلت ؟
أبو ذر : ما قلت إلاّ ما سمعته من رسول الله .. سمعته يقول .. « إن أحبكم إلىّ وأقربكم منى الذى يلحق بى على العهد الذى عاهدته عليه » ..
( مستأنفًا ) وكلكم قد أصاب من الدنيا ، وأنا على ما عاهدته عليه ، وعلى الله تمام النعمة !
* * *
« بعد أيام ، أبو ذر فى داره بالمدينة .. يجمع متاعه القليل .. يدخل عليه أحد المهاجرين »
المهاجر : إلام العزم يا أبا ذر .
أبو ذر : قد ضاق بى صدر أمير المؤمنين .. وما أرى إلاّ أن ألحق بالشام فأريح وأستريح ..
المهاجر : وهل تراك ستستريح فى الشام يا أبا ذر ؟!
أبو ذر : يفعل الله ما يريد !
« يمضى أبو ذر فى جمع متاعه .. ويحزم أمره مغادراً إلى الشام »
* * *
« دمشق بالشام وقد انصرمت الأيام .. موضع بحى من أحياء دمشق .. أعمال البناء جارية على قدم وساق فى قصر الخضراء وقد بدأ يكتمل ..
معاوية بن أبى سفيان يتفقدها مزهوًا .. يمر به أبو ذر »

معاوية : ( متوددًا ) مرحبا بصاحب رسول الله ..
أبو ذر : ( مبتدرًا ) ما فتئت يا معاوية كما عهدتك .. معجباً مزهوًا .. أضاقت دارك حتى تبنى القصور ؟ !!

« ينظر معاوية إلى القصر العظيم فى إعجاب .. ولا يجيب »
أبو ذر : ( ملحًا ) يا معاوية ، إن كنت إنما بنيتها من مال المسلمين فهى الخيانة ، وإن كنت إنما بنيتها من مالك فإنما هو الترف ..
« يمضى أبو ذر بادى الاستياء !! »
* * *
« أبو ذر فـى جامع دمشق يتحدث إلى شاب جالس إليه .. »
أبو ذر : ( للشاب ) تسألنى يا أخى كيف تصلى إذا أدركتك الصلاة فى فلاة .. أقول لك إنى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول :
« حيثما أدركتك الصلاة فصل ، فإن الأرض كلها مسجد » ..
وكان صلى الله عليه وسلم يقول : « جعلت لى الأرض مسجدًا . » يسروا ولا تعسروا .. قد قال لى خليلى ـ صلـى الله عليه وسلـم :
« إن الصعيد الطيب طهور ـ وإن لم تجـد المـاء ـ عشر سنين ، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك أو بشرتك .. »
* * *
« بحى من أحياء دمشق .. أبو ذر فى نفر من المسلمين .. يلحق بهم عبد الله بن سبأ » ..
ابن سبأ : يا أبا ذر ، ألاّ تعجب إلى معاوية ، يقول المال مال الله ؟! ألاّ إن كل شىء لله ، كأنه يريد أن يحتجنه دون الناس ، ويمحو اسم المسلمين !!
أبو ذر : إن كان يقول ، لأعتبن عليه .
« ينهض منصرفًا .. »
* * *
« مجلس معاوية بقصره بدمشق .. يدخل عليه أبو ذر .. »
أبو ذر : ( مبتدرًا ) يا معاوية .. أأنت تقول المال مال الله ؟!
معاوية : نعم ..
أبو ذر : فما يدعوك إلى أن تسمى مال المسلمين مال الله ؟!
معاوية : يرحمك الله يا أبا ذر ، ألسنا عباد الله ، والمال ماله ، والخلق خلقه ، والأمر أمره ؟
أبو ذر : فلا تقله ..أتريد أن تحتجنه دون الناس ؟!
معاوية : لا بأس يا أبا ذر .. فإنى لا أقول إنه ليس لله ، ولكنى سأقول : مال المسلمين ..
« يتهيأ أبو ذر للانصراف » ..
معاوية : ( مستوقفاً ) مهلاً يا أبا ذر .. ما الذى أوجدك علينا ؟!
أبو ذر : إن أموال الفىء من حقوق المسلمين ، وليس لك أن تختزن منها شيئًا ، ولكنك خالفت الرسول وأبا بكر وعمر ـ وكنزتها لك ولبنى أمية !!
معاوية : يا أبا ذر ، إنى لا أكنز المال ، ولكنى أدخره لأصرفه فى صالح المسلمين ولا أبخل به عليهم ..
أبو ذر : إنك لا تريد بعطاياك وجـه الله ، وإنمـا تبغى أن يقال كريم جواد .. ( يستطرد عاتبًا ) يا معاوية ، لقد أغنيت الغنى .. وأفقرت الفقير!! ..
معاوية : ( محذرًا ) يا أبا ذر ، ارجع عما أنت فيه .. فإنك تحدث بما تقول فتنة ..
أبو ذر : (وهو ينصرف) لا والذى نفسى بيده ، حتى يبذل الأغنياء المعروف ..
« يغادر المكان .. »
* * *
« أبو ذر فـى داره بدمشق .. يدخـل عليه غلام من قبل الأمير القائد حبيب بـن مسلمة فيناوله صرة .. »

أبو ذر : ( مستفسرًا ) ما هذا يا بنى ؟ !
الغلام : هذه ثلاثة مائة دينار يا صاحب رسول الله ..
أبو ذر : ممن يا بنى ، ـ ولم ؟!
الغلام : إنها من الأمير حبيب بن مسلمة .. يقول لك استعن بها على حاجتك !
أبو ذر : ( وهو يعيد الصرة ) خذها يا بنى ، وارجع بها إليه ؟.. ( مستأنفًا ) أما وجد أحدًا أغر بالله منا ! .. ما لنا إلاّ ظل نتوارى به ، وثلة من غنم تروح علينا ،
ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها ، ثم إنى لأتخوف الفضل ..
« الغلام يتناول الصرة وينصرف »
* * *
« معاوية فى مجلسه بقصر الخضراء عام 28هـ .. يستأذن عليه رسول من قبل أمير المؤمنين عثمان .. يناوله كتابًا من أمير المؤمنين .. يفضه معاوية .. »
دمشقى : ماذا يا أمير ؟
معاوية : ( لحاشيته ) تعرفون أننى كتبت إلى أمير المؤمنين مرارا أستأذنه فى غزو البحر ، وهو لا يجيبنى ـ وها هو ذا قد أذن ..
« معاوية يرسل فى طلب عبد الله بن قيس الجاسى حليف بنى فزارة .. »
« بعد فترة يدخل عبد الله بن قيس على معاوية فيسلم عليه بالإمارة .. »
معاوية : ( مبتدرًا ) لقد أذن أمير المؤمنين لنا فى غزو البحر .. سنبدأ بقبرص ، وقد اخترتك لهذا الأمر يا عبد الله ..
ولكن اعلم أن أمير المؤمنين قد أمرنا ألا ننتخب الناس ولا نُقرع بينهم ، وإنما نخيرهم .. فمن اختار الغزو طائعًا .. فسوف نحمله فى البحر ونعينه .. وسنبدأ بقبرص ..
* * *
« أبو ذر فى داره .. يعد العدة للخروج مع المجاهدين إلى قبرص .. تعترضه زوجته .. »

الزوجة : ( مترفقة ) يا أبا ذر ! إن سنك الآن يعفيك !
أبو ذر : وما يمنعنى يا أمة الله ما دمت قادرا على حمل نصيبى .. لا والله لا أقعد والمسلمون يغزون البحر ..
« أبو ذر يخـرج ليلحق بالمجاهدين تحت قيادة عبد الله بن قيس .. لا يجد أبو ذر فى ذلك حرجًا .. يبذل قصارى مستطاعه مجاهداً وسط المسلمين فى تواضع وفداء ..
يخوض معهم البحر ، ويصل مع الطلائع إلى قبرص حيث يلاقيهم بها عبد الله بن سعد بن أبى سرح قادمًا من مصر .. »
« قبرص وقد مضت الأيام ، وتصالح المسلمون مع أهل الجزيرة ، وانطلق الأذان يصدح فى ربوعها ..
أبو ذر وأبو الدرداء يرقبان ما يجرى بقلوب ملؤها الشكر والإيمان .. تنثال عبرات أبى الدرداء .. »
جبير بن نفير : وما يبكيك يا أبا الدرداء فى يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟
أبو الدرداء : (وهو يربت على منكبى جبير) .. ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره .. هذه أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك ، فلما تركوا أمر الله صاروا إلى ما ترى !!
* * *
« مسجد دمشق .. أبو ذر وقد عاد من غزو قبرص .. ينادى فى الناس .. »
أبو ذر : يا أيها الناس .. هلمّوا إلى الأخ الناصح الشقيق ..
« يتهافت إليه الناس ، ويكثر الجمع حوله »
يا معشر الأغنياء .. واسوا الفقراء !!
( يتلو) « وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 34
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
35 » ( التوبة 34 ، 35 )
يا كانز المال !
اعلم أن فى المال ثلاثة شركاء ..
القـدر يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها فى هلاك أو موت !! والوارث ، ينتظر أن تموت ثـم يستاقهـا وأنت ذميم !! وأنت الثالث ، إن استطعت أن تكون أعجز الثلاثة فلا تكونن !!
إن الله عز وجل يقول :
( يتلو ) « لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ 92 » ( آل عمران 92 )
يا كانز المال !
ألا تعلم أنه ما من يوم يصبح فيه العباد إلاّ وملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفا !!
يا معشر الأغنياء ، واسوا الفقراء ..
« تسرى كلمات أبى ذر فى الحاضرين .. »
* * *
« أبو ذر يجلس إليـه نفر من شباب المسلمين فى جامع دمشق »
شاب مسلم : يا أبا ذر .. هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه ؟
أبو ذر : ما لقيته عليه الصلاة والسلام قط إلاّ صافحنى ، وبعث إلى ذات يوم ولم أكن فى اهلى ، فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلىّ ،
فأتيته وهو على سريره فالتزمنى ( احتضننى ) ، فكانت تلك أجود وأجود
شاب مسلم : بالله زدنا يا أبا ذر ..
أبو ذر : سمعته عليه الصلاة والسلام يقول : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم .. قالها ثلاثًا ، فقلت : خابوا وخسروا ـ ومن هم يا رسول الله ؟ ـ
قال : المسبل .. وهو الذى يجر إزاره عجبًا وخيلاء .. والمنّان .. والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ..
* * *
« أبو ذر فى جمع من المسلمين بمسجد دمشق .. »
أبو ذر : تسألوننى عن الصدقة .. أقـول لكـم إن النبى صلى الله عليه وسلم قال لى :
« تبسمك فى وجه أخيك صدقة ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل فى أرض الضلالة صدقة ، ونظرك للرجل الردىء البصر صدقة ،
وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق صدقة ، وإفراغك من دلوك فى دلو أخيك صدقة ..
»
قد قال لى خليلى صلى الله عليه وسلم : « اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن » ..
« وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظاً للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله ، قل كلامه إلا فيما يعنيه
»
* * *
« أبو ذر فى طريقه بأحد الأحياء .. تصادفه مشاحنة بين شخصين ، يهوله أن يسمع أحدهما يرمى الآخر بالكفر .. »
أبو ذر : ( للشاب غاضبًا ) يا ابن أخى ، ـ لقد سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول :
« لا يرمى رجل رجلاً بالفسق أو بالكفر ، إلاّ ردت ».. وقال : « من رمى مؤمنا بكفر ، فهو كقتله »
« يبدو الهـم والحـزن علـى الشاب .. يلحظه أبو ذر .. فيبادره »
( مواسيًا ) يا ابن أخى ، ـ لقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يتلو علينا .. « من عمل مثل قراب الأرض خطيئة ، ثم لقينى لا يشرك بى شيئًا ، جعلت له مثلها
مغفرة ..
» .. يا ابن أخى : « من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن » .