[size=32]
للشيخ الذبيان محمد الدبيان



إذا وقعت في الماء نجاسة، فغيرت طعمه أو لونه، نجس، وهو مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة [1]، ومالك [2]، والشافعي [3]، وأحمد [4].



وفي الريح خلاف شاذ عن عبدالملك بن الماجشون[5].



الدليل الأول: الإجماع:


حكى الإجماعَ على نجاسة الماء المتغير بالنجاسة الطحاويُّ من الحنفية، فقال: قد أجمعوا أن النجاسة إذا وقعت في البئر، فغلبت على طعم مائها، أو ريحه أو لونه، أن ماءها قد فسد[6].



وقال ابن نجيم: "اعلم أن العلماء أجمعوا على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه بالنجاسة لا تجوز الطهارة به، قليلاً كان الماء أو كثيرًا، جاريًا كان أو غير جارٍ، هكذا نقل الإجماع في كتبنا"


والباجي من المالكية، قال: ما تغير بنجاسة خالطته، فلا خلاف في نجاسته



وقال الشافعي - رحمه الله -: إذا تغير طعم الماء أو ريحه أو لونه كان نجسًا، يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه لا يُثْبِت مثلَه أهلُ الحديث، وهو قول العامة لا أعلم بينهم فيه اختلافًا[9]، وحكى الإجماع النووي أيضًا[. وابن قدامة من الحنابلة، قال: وأما نجاسة ما تغير بالنجاسة، فلا خلاف فيه، وكذلك ابن تيمية .



وقال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت النجاسة الماء طعمًا أو لونًا أو ريحًا، أنه نجس ما دام كذلك، ولا يجزي الوضوء والاغتسال به"



كما حكى الإجماع من المحدثين ابن حبان في صحيحه، والبيهقي]، وابن عبدالبر في التمهيد ، والعراقي



قال ابن حبان: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الماء لا ينجسه شيء))، وقوله: ((إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء)) يَخُص هذين الخبرين الإجماعُ على أن الماء قليلاً كان أو كثيرًا، فغيَّر طعمَه أو لونه أو ريحَه نجاسةٌ وقعت فيه أن ذلك الماء نجس بهذا الإجماع[17].





الدليل الثاني: من النظر:


أن الماء الطاهر إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة، فإننا إذا استعملناه أصبحنا مستعملين للنجاسة نفسها، فيجب الامتناع عنه.



قال حرب بن إسماعيل: سئل أحمد عن الماء إذا تغير طعمه أو ريحه؟ قال: فلا يتوضأ به، ولا يشرب، وليس فيه حديث، ولكن الله تعالى حرم الميتة، فإذا صارت الميتة في الماء فتغير طعمه أو ريحه، فذلك طعم الميتة وريحها، فلا يحل له، وذلك أمر ظاهر.



قال الخلال: وإنما قال أحمد: ليس فيه حديث؛ لأن هذا الحديث (الماء طهور إلا ما غلب... الحديث) يرويه سليمان بن عمر، ورشدين بن سعد، وكلاهما ضعيف[18].



قال ابن حزم: وإذا تغير لون الطاهر بما مازجه من نجس، أو تغير طعمه بذلك، أو تغير ريحه، فإننا حينئذٍ لا نقدر على استعمال الطاهر إلا باستعمال النجس، واستعمال النجس حرام في الصلاة، ولذلك وجب الامتناع عنه[19].



وأما ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من نجاسة الماء إذا غيرت طعمه أو لونه أو ريحه، فلا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه شيء.



(41) فقد روى ابن ماجه، قال: حدثنا محمود بن خالد والعباس بن الوليد الدمشقيان، قالا: ثنا مروان بن محمد، ثنا رشدين، أنبأنا معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه[20].

[إسناده ضعيف][21].




قال صديق حسن خان: "وقد اتفق أهل الحديث على ضعف الزيادة - يعني زيادة الاستثناء: إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه - لكنه قد وقع الإجماع على مضمونها، كما نقله ابن المنذر، وابن الملقن في البدر المنير، والمهدي في البحر، فمن كان يقول بحجية الإجماع، كان الدليل عنده على ما أفادته تلك الزيادة هو الإجماع، ومن كان لا يقول بحجية الإجماع، كان هذا الإجماع مفيدًا لصحة تلك الرواية؛ لكونها صارت مما أجمع على معناها وتلقي بالقبول، فالاستدلال بها، لا بالإجماع.



ولا أعرف أن الإجماع يعتبر به في تقوية الحديث الضعيف، فالإجماع وحده حجة، ولا يعتبر بالحديث الضعيف لا من القرآن، ولا من الإجماع، ولا من غيرهما إلا من السنة فقط بشروط ليس هذا مجال ذكرها، هذا الذي أعرفه من عمل أئمة الحديث، والله أعلم.




 
[/size]
[color] [/color]