بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى في كتابه الكريم}خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ{ وقال r]إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق[.
أيها الأحبة الكرام: شرع الله العبادات من أجل تحقيق غايات وأهداف سامية وليست طقوساً مبهمة وأعمالاً غامضة وحركات لا معنى لها.
كلا. فالصلاة شرعت لحكمة بيّنها ربنا في قرآنه الكريم قال I}وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ{.
فالابتعاد عن الرذائل والتطهير من سوء القول وسوء العمل هو حقيقة الصلاة وقد جاء في الحديث القدسي الذي يرويه النبي r عن ربّه]إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل على خَلْقي ولم يَبت مُصِرّاً على معصيتي وقطع النهار في ذكري ورحم المسكين وابن السبيلِ والأرملةَ ورحم المصاب[.
والزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب بل هي غرس لمشاعر الحنان والرأفة وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة والمودة قال I}خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا{ هذه هي الغاية من إخراج الزكاة.
والصوم أيضاً ليس حرماناً من الطعام والشراب فحسب، بل هو خطوة لتهذيب السلوك
قال r]من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه[ وهكذا بقيّت العبادات فكلها ترتبط ارتباطاً وثيقا بالخلق الحسن.
فهي وإن اختلفت في مظاهرها لكنها تلتقي عند الغاية التي رسمها رسول الله r في قوله ]إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق[.
فالصلاة والصيام والزكاة والحج وبقيّت العبادات هي مدارج للكمال المنشود فإذا لم يستفد منها العبد في تصفية قلبه ونقاء سريرته وتهذيب صلته بالله وبالناس فقد ضاع عمله سدى.
أخي المسلم: إن من الأسباب التي تجعل الإنسان مفلساً يوم القيامة مع كثرة صلاته وصيامه، سوء الخلق.
لقد سأل النبي r أصحابه يوماً ]أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال r المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضيَ ما عليه اُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طُرح في النار[
علينا أن نغرس في نفوس أطفالنا القيم والمُثل التي دعا إليها المصطفى r فالأطفال صفحة بيضاء تستطيع أن تكتب فيها ما تشاء.قال r]كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يُهَوِّدانهِ أو يُنَصِّرانهِ أو يُمَجِّسانهِ[.
نعلمهم الصدق، نعلمهم البر، نعلمهم الكرم، نعلمهم الأمانة، نعلمهم احترام الكبير، نعلمهم الشجاعة، نعلمهم بر الوالدين، نعلمهم الحياء. مع ضرورة أن نكون نحن قد تخلقنا بهذه الصفات. فكيف تغرس في نفس طفلك الصدق وأنت تكذب أمامه باليوم عشرات المرات. إذا أردت أن تكون أسرتك صالحة فكن أنت المثل الأعلى لهم
رأيتُ صلاحَ المرءِ يُصْلِحُ أهلَهُ وَيُـعْـديـهـمُ عـنـد الفـسـاد إذا فـسـدْ
يُعَظَّمُ في الدنيـا بفضل صلاحـهِ وَيُحْفَظُ بعد الموت في الأهل والولدْ
لقد رسم النبي r لنا منهجاً عملياً في تخلُّقهِ بكل خلق عظيم فكان القدوة والأسوة عملاً وليس قولاً فقط. لم يكن فاحشاً ولا متفحِّشاً لم يُرَ مقدِّماً ركبتيه بين يدي جليس له ما انتقم لنفسه قط كان دائم البشر، كان سمحاً، شجاعاً، عادلاً، صدوقاً، أميناً.
أيها الأخوة: الأخلاق في الإسلام لها مكانة عظيمة، ومما يُميِّزُ ديننا الحنيف أن الأخلاق فيه يجب أن تكون سجية وطبيعة لا تكلف فيها وأن تعامِل بها المسلم وغير المسلم، فالصدق واجب على المسلم مع المسلم وغيره. وقد أمر الإسلام بالعدل ولو مع الفاجر أو الكافر، قال r]دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه[
يقول الإمام ابن تيميه "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة "
يجب أن نبحث عن الفضائل ونلتزم بها تطبيقا ونثبت عليها، يجب أن تكون العبادات دافعاً يدفعنا لتغيير سلوكنا نحو الأكمل فلا تنفع العبادة رجلاً سيئ الخلق فالدين سلوك والدين معاملة فمن استكمل الأدب وحسّن الخُلق مع الخَلق فهذا قد حاز خيري الدنيا والآخرة.
كان أبو الدرداء t يسأل الله دائماً ويقول اللهم كما حسنت خَلْقي فحسن خُلُقي ويبكي فتقول له زوجته يا أبا الدرداء ما كان دعاؤك الليلة إلا في حسن الخلق؟ فيقول لها
يا أم الدرداء يأتي العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن خلقه الجنة ويسيء خلقه حتى يدخله سوء الخلق النار.

// اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت//.

أقول قولي هذا............