بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الصلاة والسلام على رسول الله واله
المفهوم الصحيح للتوسل على ضوء السنة

لفضيلة الأستاذ حماد بن محمد الأنصاري
الأستاذ بالجامعة الإسلامية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.. فقد اطلعت على رسالة صغيرة كتبها شخص باسم عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري الحسني وسماها (اتحاد الأذكياء في التوسل بالأنبياء وغيرهم من الصالحين والأولياء) يدعو فيها إلى التوسل بذوات الصالحين مستدلاً على دعواه فيها بخمسة أحاديث مرفوعة وبخمسة آثار موقوفة، وعقب على كل واحد منها بأنه صحيح، وأنها دالة كلها على مرامه..
هذا وقد ألفت رسائل كثيرة في الرد على مثل هذه الرسالة، منها قاعدة التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية، وصيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ زيني دحلان للشيخ السهسواني، وغاية الأماني في الرد على النبهاني للألوسي، ومنهاج التأسيس في الرد على ابن جرجيس للشيخ عبد اللطيف، وتأسيس التقديس في الرد على ابن جرجيس لبابطين النجدي، ومصباح الظلام في الرد على ابن منصور للشيخ عبد اللطيف وغير ذلك كثير.
فمشاركة لهؤلاء الأعلام في الذب عن السنة المطهرة وحفاظاً على العقيدة السلفية من أن يعبث بها كل لاعب رأيت من الواجب على بيان الحق نحو الأخبار ولآثار التي لبس بها الغمارى على العامة فوضعت قلمي على هذه الأوراق مستعيناً بالله وحده، فإذا تلك الأخبار والآثار على قسمين، قسم دال مرامه ولكنه ضعيف جداً أو موضوع، وقسم خارج عن الموضوع على فرض صحته، وقد قدمت الكلام على الأحاديث المرفوعة التي ساقها في رسالته الصغيرة التي تقدمت الإشارة إليها. وكذلك ما ساق في أصل رسالته هذه ثم قفيته بالكلام على ما أورده من الآثار الموقوفة، وسميت هذه الرسالة (بتحفة القاري في الرد على الغمارى) فإليك أيها القارئ أدلة الغمارى التي لا تنطلي إلا على الأغمار لأنك إذا نظرت إليها تجد أن أسانيدها كلها لا تخلو من كذاب أو متهم بالكذب متروك الحديث أو مجهوله تنقطع أعناق الإبل دون أن يعرف. إضافة إلى أنه أورد فيها حديث عمر في الصحيحين وحديث الأعمى في السنن مع أنهما خارجان عن الموضوع، كما ستقرؤه إن شاء الله في محله.
1 - الحديث الأول من أحاديث الغمارى قال: "أخرج الطبراني في معجمه الكبير والأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: "رحمك الله يا أمي، كنت أمي بعد أمي تجوعين وتشبعينني وتعرين وتكسينني وتمنعين نفسك طيباً وتطعمينني تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة"، ثم أمر أن تغسل ثلاثاً ثلاثاً فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه وكفنها ببرد فوقه ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون فحفروا قبرها فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وأخرج ترابه بيده فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه وقال:" الله الذي يحيى ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين"، وكبر عليها أربعاً وأدخلها اللحد هو والعباس وأبو بكر رضي الله عنهما ". قال: قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير روح بن صلاح، وقد وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف. قال فالحديث صحيح وله طرق، منها عن ابن عباس عند أبي نعيم في المعرفة والديلمي في مسند الفردوس بإسناد حسن كما قال الحافظ السيوطي"، انتهى كلام الغمارى.
قلت:
قال الحافظ ابن حجر في اللسان: "إن روح بن صلاح ذكره يونس في تاريخ الغرباء وقال: هو من أهل الموصل قدم مصر وحدث بها.رويت عنه مناكير ".
قال الدارقطني:" ضعيف في الحديث ".
وقال ابن ماكولا:" ضعفوه، سكن مصر ".
وقال ابن عدى بعد أن أخرج له حديثين:" وله أحاديث كثيرة في بعضها نكرة "
وقال الذهبي في الديوان:" روح بن صلاح عن ابن لهيعة قال ابن عدى: ضعيف ".
وقال السهسواني في الصيانة:" روح ضعيف ضعفه ابن عدى، وهو داخل في القسم المعتدل من أقسام من تكلم في الرجال، كما في فتح المغيث للسخاوى، ولا اعتداد بذكر ابن حبان له في الثقات فإن قاعدته معروفة من الإحتجاج بمن لا يعرف كما في الميزان، وكذلك لا اعتداد بتوثيق الحاكم وتصحيحه فإنه داخل في القسم المتسمح "
قال السخاوى: وقسم متسمح كالترمذي والحاكم .
وقال السيوطى في التدريب:" وهو متساهل فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحاً ولا تضعيفاً، حكمنا بأنه حسن إلا أن تظهر فيه علية توجب ضعفه ".
وقال البدر بن جماعة:" والصواب أنه يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الحسن أو الضعف أو الصحة "
ووافقه العراقي وقال:" أن حكمه عليه بالحسن فقط تحكم ".
فقول الحاكم وابن حبان عند التعارض لا يقام له وزن حتى ولو كان الجرح مبهماً لم يذكر له سبب، فكيف مع بيانه، كما هو الحال في ابن صلاح هذا، فأنت ترى أئمة الجرح قد اتفقت عباراتهم على تضعيفه، وبينوا أن السبب رواية المناكير، فمثله إذا انفرد بالحديث يكون منكراً لا يحتج به، فلا يغتر بعد هذا بتوثيق من سبق ذكره إلا جاهل أو مغرض.
فحديث أنس هذا الذي تبين أنه ضعيف أوهم الغمارى أنه صحيح بتمسكه بتوثيق ابن حبان والحاكم لروح بن صلاح، وقد بينا ضعفه وعدم اعتداد العلماء بتوثيق المذكورين فتذكر. ولم يكتف بهذا التلبيس بل قال عقبه:
ولهذا الحديث طرق منها عن ابن عباس عند أبي نعيم في المعرفة والديلمى في الفردوس بإسناد حسن كما قاله الحافظ السيوطى.
فهذا كذب منه على ابن عباس رضي الله عنهما وربما على السيوطى أيضاً فليس في حديث ابن عباس موضع الشاهد من حديث أنس وهو قوله (بحق نبيك والأنبياء الذين قبلي فإنك أرحم الراحمين).
قال ابن الأثير في أسد الغابة ما نصه:" أخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء إجازة بإسناده عن أبي بكر بن أبي عاصم حدثنا عبد الله بن شبيب بن خالد القيس حدثنا يحيى بن إبراهيم بن هاني أخبرنا حسين بن زيد بن على عن عبد الله بن محمد بن عمر بن على عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن فاطمة بنت أسد في قميصه واضطجع في قبرها وجزاها خيراً ".
وروى عن ابن عباس نحو هذا وزاد:" فقالوا: ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه؟ قال: إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة، واضطجعت في قبرها ليهون عليها عذاب القبر " .
وقال ابن عبد البر:" روى سعدان بن الوليد السابرى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: لما ماتت فاطمة أم على بن أبي طالب ألبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه واضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه؟ فقال: "إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها ليهون عليها " .
ورواه الطبراني في الأوسط أيضاً بدون هذا الشاهد مثل رواية ابن عبد البر، وقال الهيثمى:" وفيه سعدان بن الوليد ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات " . ولفظه في المجمع عن ابن عباس قال:" لما ماتت فاطمة أم على بن أبي طالب خلع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه وألبسها إياه واضطجع في قبرها، فلما سوى عليها التراب قالوا: يا رسول الله رأيناك صنعت شيئاً لم تصنعه بأحد؟ فقال:" إني ألبستها قميصي لتكسى من ثياب الجنة واضطجعت معها في قبرها ليخفف عنها من ضغطة القبر، إنما كانت أحسن خلق الله إلي صنيعاً بعد أبى طالب ". وليس في هذه الروايات عن ابن عباس ذكر للشاهد الذي تقدم في حديث أنس رضي الله عنه ".
2 - وعند الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة " أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض وبكل حق هو لك وبحق السائلين عليك ".
قلت:
قال الهيثمى في المجمع:" وفيه فضالة بن جبير وهو ضعيف مجمع على ضعفه ".
وقال الذهبي في الميزان:" قال ابن عدى عامة أحاديثه غير محفوظة ".
وقال ابن حبان:" لا يحل الاحتجاج به بحال، يروي أحاديث لا أصل لها "
هكذا في الفوائد المجموعة للشوكاني رحمه الله.