بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين

الشرك





الشرك هو أعظم مصيبة تقع على الإنسان من فعل يديه، وهي التي تحدد هوية الإنسان،
وتحدد هوية حياته ومستقبله ومستقبل أبنائه،
وتحدد هوية الدولة التي تحكم والمجتمعات، وتحدد مصير
هؤلاء كلهم، كما حصل لحياة أقوام مشهورة في التاريخ،
هذا الشرك يتعرض مفهومه في أيامنا إلى أعظم أنواع التحريف
والمغالطة، من خلال علماء السوء ومدرسين الدين في المدارس
والجامعات، حتى أوقعوا الناس جميعهم في الشرك، وجعلوا
أكثرهم مشركين وهم لا يعلمون، فقد أبرزوا صورة الشرك
أنها تتمثل فقط في عبادة الأصنام (التي لم يعد لها وجود في
ديار المسلمين منذ مجيء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم)،
أو تتمثل كما يدعون في التمسح بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم،
أو بقبور الصالحين، أو بالتشفع بالرسول صلى الله
عليه وسلم حين الدعاء، أو بالصالحين من الصحابة أو التابعين أو غيرهم .
وتم التركيز كثيراً على هذا المفهوم لحاجة في نفس يعقوب،
وتم إهمال المفهوم الأصلي للشرك، ولكن الأهم من ذلك أن
التحريف الذي حصل لمفهوم الشرك غرضه أكثر من ذلك
بكثير كما ذكرنا، فالشرك لم تكن هناك مسألة من المسائل
في القرآن قد تعرضت للتوضيح والتبيان
والتحذير كمثله، حتى يرحم الله الناس فلا يقعون فيه فيخسروا الدنيا والآخرة.
الغرضمنتحريفمفهومالشركهو<wbr>جعلالإتباعلغيرأوامرالله
منالحكاموالسلاطينالقائمينا<wbr>ليومأمراًطبيعياً،
ولايُخرجمنالملةولايمسال<wbr>عقيدة، مما مهّد للقبول بإتباع غير أوامر الله والعمل في خدمتها، وبالتالي نجد شعوب المسلمين اليوم مخدرة، وتأتمر بأمر الحاكم الكفري وهي تعلم، وتجتنب نواهيه من دون الله، ولا ترى في ذلك بأساً، وتنصاع لأحكامه وأنظمته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، بل وتقوم على تنفيذها وخدمتها، ولا ترى في ذلك بأساً.وانغمس الأفراد والشعوب بالتالي في الشرك انغماساً لعيناً مُهيناً مُذلاً، وأصبحت لدينا اليوم مجتمعات شركية، وأفراد مشركون، وأكثرهم لا يعلمون، وبات كثير منهم يظن أن صلاته في المسجد أو في البيت كافية لصلاح دينه أو عمله أو قبوله عند الله.
الشرك بخلاف الكفر، بالإمكان أن يقع فيه الإنسان المسلم بكل يسر وسهولة، وذلك بمجرد مخالفته شروط الشهادتين ومقتضياتهما، التي هي الإتباع المطلق لأوامر الله واجتناب نواهيه، مما ورد في القرآن الكريم وسنة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فنجد أن الجندي البسيط الذي يعمل في أحد الأجهزة الأمنية، يتبع أوامرَ يُؤمر فيها بالتجسس على المسلمين، أو يُؤمر مثلُه بالتقبض على المسلمين، ممن لا يملكون دفتر إقامة على سبيل المثال، أو يؤمر مثله باقتحام بيوت الآمنين، فيتّبع هذا وذاك أوامرَ مخالفةً لأوامر الله سبحانه وتعالى، أي متبعين أوامر الحاكم، فيكونون بهذا قد أشركوا مع الله آمراً وناهياً آخر، وهذا هو الشرك بعينه.
ونجد الوزراء، وعلماء السلاطين، ومدراء الدوائر الحكومية ورؤساءها، في الجوازات والجنسية أو الأحوال المدنية، أو في المدارس أو الجامعات، أو الغرف التجارية أو الصناعية أو الجمارك أو غيرها، نجدهم بالأنظمة التي ينفذونها يخالفون أوامر الله سبحانه وتعالى، ويتبعون أوامر غيره من الحكام، أي يشركون مع الله آمراً وناهياً أخر، وذلك هو الشرك بعينه، يفعلون ذلك وهم لا يجدون في ذلك بأساً ولا يتورعون فيه، ثم يتوجهون إلى المساجد ليصلوا فيها مع المصلين، أو تكون لهم إمامة الناس في صلاتهم .
قال الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة 3:
وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

خطبة في التحذير من الشرك وانواعه

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [ سورة آل عمران102 ] .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [ سورة النساء1 ] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ سورة الأحزاب 70-71 ] .

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أهمية العقيدة.
00:01:14
أيها المسلمون:

إن أغلى ما يملكه المسلم هو عقيدته التي يؤمن بالله سبحانه وتعالى بها، ويعتقد ما يجب لله سبحانه وتعالى من أنواع التعظيم، ويوحده عز وجل كما يريد، وينصرف عن كل ما يناقض هذا التوحيد، وإن من أعظم الواجبات على المسلم الابتعاد عن الشرك المنافي لهذا التوحيد

إن أغلى ما يملكه المسلم هو عقيدته التي يؤمن بالله سبحانه وتعالى بها، ويعتقد ما يجب لله سبحانه وتعالى من أنواع التعظيم، ويوحده عز وجل كما يريد، وينصرف عن كل ما يناقض هذا التوحيد، وإن من أعظم الواجبات على المسلم الابتعاد عن الشرك المنافي لهذا التوحيد

، وقد بينا في خطبة سابقة أركان هذه العقيدة، وخطوطها الإجمالية الرئيسية، ثم بينا في خطبة تليها أعظم أنواع الشرك الأكبر التي تنافي هذه العقيدة، ونثلث اليوم بذكر بعض الأمور المنافية للتوحيد، مما بعضه من الشرك الأصغر، وبعضه من الشرك الأكبر؛ لأن معرفة الشر لتوقيه من الأمور المهمة للمسلم في هذا العصر الذي عم فيه الجهل، وحصل فيه من الكثيرين الوقوع في أنواع الشرك كبيرها وصغيرها.

أمور تنافي التوحيد.
00:02:39
فمما ينافي التوحيد: الإشراك مع الله سبحانه وتعالى بذكر مخلوق وعطفه عليه في أمر من الأمور كقول الرجل: ما شاء الله وشاء فلان، ولما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، غضب عليه الصلاة والسلام وقال: (أجعلتني لله عدلاً، قل: ما شاء الله وحده)[رواه النسائي10758]، وعلمنا في حديث آخر أن نقول: (ما شاء الله ثم شاء فلان)[رواه أبو داود4980]، وفي معنى هذا قول القائل: أنا بالله وبك، أو أنا في حسب الله وحسبك، أو مالي إلا الله وأنت، أو أنا متوكل على الله وعليك، أو هذا من الله ومنك، أو الله لي في السماء وأنت لي في الأرض، أو أنا تائب إلى الله وإليك، وبعضها أقبح من بعض، وقد علمنا الملك في حديث الأبرص والأقرع والأعمى بقوله للرجل: (فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك)[رواه البخاري3464]، علمنا أن نجرد التوحيد، وأن نضع كلاً في منزلته، (فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك)[رواه البخاري3464]، ولم يقل: إلا بالله وبك، ومن هذا القبيل من النوع المحرم قول بعض الناس: لولا الله وفلان ما حصل كذا، وقول بعضهم: أعوذ بالله وبفلان، أو هذا من صدقات الله وصدقاتك، ونحو ذلك مما فيه تسوية بين الخالق والمخلوق، ومن هذا القبيل أيضاً قول القائل: ببركة الله وبركة فلان، والأمثلة على ذلك كثيرة.

ومن الأمور ما لا يجوز عطفه حتى بثم كالتوكل فلا يجوز لقائل أن يقول: أنا متوكل على الله ثم عليك؛ لأن التوكل لا يكون إلا على الله، ولأنه عبادة لا تصرف إلا لله.

ومن الأمور المنافية للتوحيد ما نسمعه في خطب بعض المنحرفين عن الشريعة المجانبين للدين من أهل الأهواء في قولهم في تصدير خطاباتهم: بسم الله بسم العروبة، بسم الشعب، ونحو ذلك من الأمور فهذا إخلال بالتوحيد، ولو ذكرت مثل هذه الكلمات على ذبيحة لما جاز أكلها، واعتبرت كالميتة، فلا يجوز أن يقال: بسم الله بسم العروبة، ونحو ذلك من الأشياء التي يقولها بعض الثوريون، ومثل قول المشركين: بسم المسيح، أو بسم المجيب، ونحو ذلك من أسماء آلهتهم التي ذكرها على الذبائح شرك أكبر، كيف يحدث مثل هذا ممن ينتسب للإسلام أو يدعيه في تصديره لخطاباته.

ومن الأمور المنافية للتوحيد أيضاً عند نزول المطر قول القائل: مطرنا بنوء كذا وكذا، مطرنا بالنوء الفلاني، أو بالنجم الفلاني، ونحو ذلك.

وعلمنا صلى الله عليه وسلم القول الصحيح وهوالتحذير من الشرك  Frownمطرنا بفضل الله ورحمته)[رواه البخاري846]، فنحن نرد نزول المطر إلى الله، لا إلى نوء ولا إلى نجم، ولا إلى منخفض جوي وإنما نقول: مطرنا بفضل الله، وأما ذكر السبب وشرحه بالعوامل الطبيعية فلا شيء فيه، شرح نزول المطر بذكر العوامل الطبيعية التي أدت إلى نزوله لا شيء فيه، لكن ذكر هذا الشيء الطبيعي على أنه هو الذي أنزل المطر أو أنه هو السبب ولم يجعله الله سبباً فهو من أنواع الشرك.

ومن الأمور المنافية للتوحيد إطلاق لفظ السيد على المنافق أو الكافر، وما أكثره اليوم، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا للمنافق سيدنا، فإن يكن سيدكم فقد أغضبتم ربكم)[رواه أحمد22939]، ذلك لأنه لا يجوز تسييد المنافق ولا الكافر، بل إن هذا من الاستخفاف بشرع الله عز وجل.

ومما ينافي التوحيد أيضاً، بل من أعظم ما ينافيه التألي على الله كقول القائل: والله لا يغفر الله لفلان، والله لا يرحم الله فلاناً، وهكذا من الأمور، فهذا الذي يقول الله بشأنه: (من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان)[رواه مسلم2621]، وقائله على خطر عظيم.

ومما ينافي التوحيد قول القائل إذا عثر، أو وقع في مصيبة أو حصل له مشكلة مثلاً: يا جاه محمد، أو يا علي، أو يا سيدي فلان، أو يا ست نفسية، فهذا من جنس الشرك الذي يقع فيه الأوغاد في هذا العصر، لا يراعون لله حقاً، ولا يناشدون الله ولا يدعونه، بل يدعون غير الله من نبي أو عظيم أو ولي أو صحابي ونحو ذلك، وهذا من الشرك فلا يدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا به، لا يستغاث بميت، ولا يستعان به وإنما يستعان بالله عز وجل.

ومما ينافي التوحيد سب الدهر، مثل لعن الساعة أو اليوم أو الشهر أو السنة ونحو ذلك، أو قول: يا خيبة الدهر، فإن هذا يؤدي إلى ما يلي:

سب من ليس بأهل للسب، فإن الدهر من خلق الله، مسخر لله ومنقاد، فكيف يسب؟.

ثانياً: إنه سب متضمن للشرك؛ لأن الذي يسب الدهر أو يسب الساعة أو يسب الزمان فكأنه يعتقد أن هذا الزمان يضر وينفع وأنه هو الذي يعمل عمله ويفعل فعله ولذلك سبه وشتمه، أو أن الدهر ظالم، أو الزمان جائر، أو قول بعض العامة: الزمن غدَّار، ونحو ذلك.

ثالثاً: أن سب الدهر يعود على من خلق الدهر؛ لأن الدهر ليس له من الأمر شيء، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر)[رواه البخاري4826].

ومن الأمور المنافية للتوحيد: الحلف بغير الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)[رواه الترمذي1535]، (لا تحلفوا بآبائكم)[رواه البخاري3836]، والحلف بغير الله يشمل الحلف بالأنبياء أو الأولياء أو الجمادات ونحو ذلك، أو الآباء والأقرباء، كقول القائل: والنبي، أو والكعبة، أو وحياة فلان، أو ورأس أبي، وحياة أولادي، أو وأمانتي، قال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بالأمانة فليس منا)[رواه أبو داود3253]، أو وشرفي، ونحو ذلك من الأمور، فكل هذا لا يجوز؛ لأن الحلف تعظيم للمحلوف به، وهو إذا عظم المحلوف به، وكان هذا المحلوف به ليس الله عز وجل، وإنما هو مخلوق من المخاليق، فإنه صرف نوعاً من التعظيم لا يجوز إلا لله صرفه لغير الله.

ومما ينافي التوحيد أيضاً: تعبيد الأسماء لغير الله، كما كانوا في الجاهلية يسمون عبد الجن وعبد الحجر، وعبد شمس، وعبد مناف، وعبد العزى، وعبد الكعبة، وعبد اللات، وعبد المسيح، ونحو ذلك، فكل اسم معبد لغير الله فهو حرام، أياً ما كان، فمن سمى عبد النبي أو عبد الرسول، أو عبد الإمام أو عبد الأمير أو عبد الباقر أو عبد الحسن أو عبد الحسين، ونحو ذلك فهو مشرك بالله عز وجل، وبهذه المناسبة، وليس في أصل الموضوع وبالمناسبة نقول لبعض الناس: تجنبوا التعبيد لأسماء لم ترد لله مثل عبد النور وبعد العال لم يرد من أسمائه العال، وإنما ورد المتعال، وعبد المقصود فلم يرد تسمية الله بالمقصود، وعبد الوحيد فليس من أسمائه الوحيد، وإنما من أسمائه تعالى الأحد والواحد، وعبد العاطي فليس العاطي من أسماء الله ولم يثبت له، فتجنب ذلك يا عبد الله.

ومما ينافي التوحيد: قول القائل بعد فوات الأمر: لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا فقال: (لا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان)[رواه مسلم2664]، ولذلك فإن الإنسان إذا وقع في شيء حتى لا يتندم ولا يتأسف يغلق هذا الباب، فإنما فيه تندم وتحسف لا فائدة فيه لا يقوله الإنسان المسلم، بل إن الذي يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا يظن بأنه لو غير تصرفه لغير قدر الله، لو غير فعله لنجا من قدر الله، وهكذا، وهذا غلط فماذا يدريه ربما لو لم يفعل هذا الأمر لوقع فيما هو أعظم أو فيما هو أشد ونحو ذلك، وإنما نقول: قدَّر الله وما شاء فعل، هذا ما علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم، علمنا ما ينفع ونهانا عما يضر.

ومن الأمور كذلك: اعتقاد البركة في أشياء لم ترد البركة فيها في الشريعة، فهذا مما ينافي التوحيد.

وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن قول الرجل: تباركت علينا يا فلان، فقال: هذا لا يجوز، فهو تعالى المبارِك والعبد هو المبارَك، والله عز وجل جعل في أمور البركة ونزع من أمور البركة فالبركة إليه سبحانه، هو الذي يجعلها فيما يشاء ويرفعها مما يشاء، سبحانه وتعالى، وليس لمخلوق أن يبارك في شيء أبداً فإن الله عز وجل هو الذي يطرح البركة في الأمور.

نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا من الموحدين، وأن يجعلنا من الذين يجتنبون ما ينافي التوحيد صغيره وكبيره، نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه، أنت الولي الغفار فاغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأرجوا من إخواني أن يتقدموا ويتفسحوا ليدخل إخوانهم الواقفون في الغبار خارج المسجد.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، هو السميع العليم، وهو البصير بخلقه وعباده سبحانه وتعالى، هو الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أيها المسلمون ينبغي أن نحذر من أنواع الشرك في اللفظ أو العمل، فإن كثيراً من الناس تنبؤك ألفاظهم عن عدم احترامهم لعقيدتهم، وعن تساهلهم فيما يغضب الرب عز وجل، مع أن أهم المهمات هو التوحيد، وأن أعظم الواجبات على العبد أن يوحد ربه.

ومن العبارات المنكرة كذلك قول بعضهم: الدين لله والوطن للجميع، يعني أن دين الله والسكان الذين يعيشون في الوطن لا يضر ما دام الوطن يجمعهم، فنقول: كذبتم وخسئتم، وهذه كلمة كبرت تخرج من أفواهكم إن تقولون إلا كذباً، كلمة عظيمة مفضية للردة عن الإسلام، والخروج عن هذه الشريعة، ومفارقة النور إلى الظلمات، كلمة توقع في الكفر والله، واعتقادها كفر ولا شك فيه، قولهم: الدين لله، والوطن للجميع.

من العبارات المنكرة كذلك قول بعضهم: الدين لله والوطن للجميع، يعني أن دين الله والسكان الذين يعيشون في الوطن لا يضر ما دام الوطن يجمعهم، فنقول: كذبتم وخسئتم، وهذه كلمة كبرت تخرج من أفواهكم إن تقولون إلا كذباً، كلمة عظيمة مفضية للردة عن الإسلام، والخروج عن هذه الشريعة، ومفارقة النور إلى الظلمات، كلمة توقع في الكفر والله، واعتقادها كفر ولا شك فيه، قولهم: الدين لله، والوطن للجميع.

ومما ينافي التوحيد أيضاً: ما يقع فيه بعض العامة بقولهم: شاءت السماء، شاءت الطبيعة، وشاءت الأقدار؛ لأن هذه الأشياء لا مشيئة لها، وإنما المشيئة لله رب العالمين، فهو يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى، وحتى مشيئة المخلوقين من أمثالنا تحت مشيئة الله وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ [ سورة التكوير29 ] .

ومن الأمور المنافية للتوحيد كذلك: قول بعض المسافرين: أنا ذاهب للعمرة مثلاً ثم لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، يقول وهو في هذه المنطقة مثلاً: أنا ذاهب للعمرة ولزيارة قبره عليه الصلاة والسلام، فنقول لهذا القائل: إن نبيك صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)[رواه البخاري1189]، فلا يجوز قصد السفر لمكان يتعبد فيه إلا الثلاثة مساجد، فلا إلى قبر ولا إلى مسجد آخر، حتى قال أهل العلم: من نوى بسفره الذهاب إلى مسجد قباء لا يشرع له إلا من كان قريباً من قباء فذهب إلى قباء يوم السبت مثلاً يصلي فيه فله أجر عمرة، وأما أن ينوي بقلبه السفر من أجل مسجد أو موضع في الأرض ليعبد الله فيه غير المساجد الثلاثة فإن سفره محرم، لكن لو صار في ذلك المكان، سافر لحاجة ولغرض فوجد نفسه بجانب مسجد يصلي فيه لا بأس، لكن أن يقصد بالسفر مسجداً أو موضعاً في الأرض ليعبد فيه غير المساجد الثلاثة فلا يجوز، فما بالك بمن شد الرحل لزيارة قبر ولو قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك لا يجوز، فالواجب أن يقول القائل: أنا ذاهب إلى مكة ثم إلى مسجد رسول الله، مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس إلى القبر، إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصلي فيه؛ لأن الصلاة في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام بألف صلاة فيما سواه من المساجد، فإذا وصل الرجل إلى مسجده عليه الصلاة والسلام، بقصد الصلاة في المسجد فوجد نفسه في المسجد قريباً من القبر، يأتي القبر ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بأس بذلك أبداً، وزيارة القبور مشروعة للرجال، ولذلك ففرق بين من ينوي بالسفر الذهاب للمسجد النبوي، وبين من ينوي بالسفر الذهاب للمسجد النبوي وبين من ينوي بالسفر زيارة القبر ونحو ذلك، فالأول حلال مشروع، والثاني حرام مبتدع، وأما إذا وصل البلد وكان بها مقابر فمر بها ولو كانت بلداً بعيدة فمر بالمقابر فسلم عليها لا بأس بذلك، وهو مأجور إن شاء الله.

ومما يناقض التوحيد أيضاً: التشاؤم بالأزمنة، أو الأمكنة، أو الأصوات، ونحو ذلك، مثل التشاؤم بصوت الغراب أو البوم، أو التشاؤم بأصحاب العاهات كالأعور الأعرج، ونحو ذلك، أو التشاؤم بشهر صفر، أو آخر أربعاء من كل شهر، ونحو ذلك، أو التشاؤم بالرقم ثلاثة عشر ونحو ذلك، فإن هذه التشاؤمات حرام لا تجوز، ومن وقع في الطيرة فقد وقع في الشرك، يناله من الشرك نصيبه منه، شركاً أصغر أو أكبر بحسب اعتقاده، والطيرة: أن يردك الشيء عما كنت تريد أن تفعله، الطيرة: أن تتشاءم فيردك التشاؤم عما كنت تريد أن تفعله، فإذا ردك شيء غير شرعي عما تريد أن تفعله وقعت في الطيرة، فمن ذهب ليفتح دكانه فشاهد أعرج أو أعمى في الطريق فرجع إلى البيت متشاءماً، أو سمع صوت غراب أو طار طير جهة اليسار أو الشمال مثلاً، فلم يفتح الدكان مثلاً، ورجع عن مشواره أو عن عمله من أجل ذلك، أي أن هذا التشاؤم رده عن عمله فقد وقع في الشرك، فهذا هو التشاؤم، هذا هو التشاؤم المذموم، ولهذا الموضوع بقية؛ لأن بيان ما ينافي التوحيد من الأمور المهمة للناس الذين وقع كثير منهم في تفريط في تعلم عقيدتهم.

أيها المسلمون:

عظموا الله كما ينبغي له، وكبروه وسبحوه واذكروه فهو المنعم عليكم بنعمة الإسلام والدين وهذه العقيدة الصحيحة التي حرم منها الملايين في أقطار الأرض، فهم عاكفون على أصنام أو طواغيت، ويشركون بالله عز وجل، أو يلحدون به، أو ينكرون وجوده، وأنتم أهل الملة الحنيفية، وأهل هذه الشريعة، وهذه العقيدة، فلا يحرفنكم شيطان من الإنس أو الجن عن هذا الدين وعن هذا التوحيد، وصلوا على نبيكم في هذا اليوم العظيم يوم الجمعة، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، فلا تنسوا الصلاة عليه سائر هذا اليوم، وليس في الخطبة فقط، وإنما في سائر هذا اليوم، صلوا عليه، على نبينا الذي علمنا الدين والتوحيد والعقيدة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم انصر هذا الدين، اللهم انصر هذا الدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم اخذل الكفرة والمشركين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويعادون أولياءك، وينبذون شريعتك، اللهم افضح المنافقين، واهتك أستارهم، واكفنا شرورهم، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم نسألك نصراً عزيزاً، وفتحاً قريباً، تفتح فيه بيننا وبين الكفرة بالحق، وتنصرنا عليهم يا رب العالمين، اللهم اخذل اليهود ومن شايعهم، واجعل كيدهم في نحورهم، وطهر بلاد المسلمين منهم، اللهم رد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً، اللهم من كادنا فكده، ومن أرادنا بسوء فدمره، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم اجعل عليهم رجزك وبأسك وعذابك يا رب العالمين، يا جبار انتقم منهم إنك على كل شيء قدير.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا.