لماذا سمى عمر رضي الله عنه جمعه الناس في صلاة التراويح على إمام واحد : بدعة ؟
السؤال:
جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس على صلاة التراويح ، وقال : إن تلك بدعة حسنة ، فلماذا قال عنها بدعة مع أنه من الخلفاء الراشدين الذين أُمرنا باتّباع أقوالهم وأفعالهم والتي هي جزء من السنة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
روى البخاري (2010) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : " خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ: "إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ ، لَكَانَ أَمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ: "نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ " .
وقول عمر رضي الله عنه : " نعم البدعة هذه " إنما قصد بتسميتها بدعة معناها اللغوي ؛ يعني : أنها أمر جديد ، لم تجر به عادة الناس وعملهم .
وذلك أن جمع الناس في رمضان كل ليلة على إمام واحد باستمرار وانتظام : لم يكن من قبل ، فاعتبر ظاهر الحال ، وقصد المعنى اللغوي للبدعة ، ولم يقصد المعنى الشرعي لها ، الذي يعني : استحداث أمر في الدين ، وليس منه ، مع نسبته إلى الدين ؛ فصلاة التراويح من الدين المشروع المندوب إليها ، وهكذا صلاتها جماعة : من الأمر المرغب فيه المندوب إليه ، وثبت أصله من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله .
وقد نص أهل العلم على ذلك :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" هذه تسمية لغوية ، لا تسمية شرعية ، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق .
وأما البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليل شرعي ، فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل أو إيجابه بعد موته ، أو دل عليه مطلقا، ولم يعمل به إلا بعد موته، ككتاب الصدقة ، الذي أخرجه أبو بكر-رضي الله عنه- فإذا عمل ذلك العمل بعد موته ، صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ .
كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة ، ويسمى محدثا في اللغة، كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين إلى الحبشة: " إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم، ولم يدخلوا في دين الملك، وجاءوا بدين محدث لا يعرف " .
ثم ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة : ليس بدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة، فلفظ البدعة في اللغة ، أعم من لفظ البدعة في الشريعة .
وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام ، بل كل دين جاءت به الرسل ، فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد: ما ابتُدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان كذلك: فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى؛ وقد قال لهم في الليلة الثالثة، أو الرابعة لما اجتمعوا: ( إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن تفرض عليكم ، فصلوا في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته ، إلا المكتوبة) .
فعلّل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض ، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم ، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم .
فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه جمعهم على قارئ واحد ، وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة ، وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد ، مع الإسراج : عملا لم يكونوا يعملونه من قبل؛ فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك ، ولم يكن بدعة شرعية ؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح ، لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم ، فانتفى المعارض " .
انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 95-97) .
وقال ابن رجب رحمه الله :
" وأما ما وقع في كلام السَّلف مِنِ استحسان بعض البدع ، فإنَّما ذلك في البدع اللُّغوية ، لا الشرعية ، فمِنْ ذلك قولُ عمر - رضي الله عنه - لمَّا جمعَ الناسَ في قيامِ رمضان على إمامٍ واحدٍ في المسجد، وخرج ورآهم يصلُّون كذلك فقال: نعمت البدعةُ هذه. وروي عنه أنَّه قال: إنْ كانت هذه بدعة، فنعمت البدعة "
ومرادُه أنَّ هذا الفعلَ لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت ، ولكن له أصولٌ منَ الشَّريعةِ يُرجع إليها، فمنها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يحُثُّ على قيام رمضان ، ويُرَغِّبُ فيه ، وكان النَّاس في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ متفرِّقةً ووحداناً، وهو - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بأصحابه في رمضانَ غيرَ ليلةٍؤ، ثم امتنع مِنْ ذلك معلِّلاً بأنَّه خشي أنْ يُكتب عليهمؤ، فيعجزوا عن القيام بهؤ، وهذا قد أُمِنَ بعده - صلى الله عليه وسلم " .
انتهى من "جامع العلوم والحكم" (2/ 783) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" وضّح أهل العلم أن مراد عمر في ذلك من حيث اللغة العربية ؛ لأنه رضي الله عنه جمع الناس على إمام واحد ، وكانوا متفرقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الصديق ، فلما كان عهده رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد ، ومر عليهم ذات ليلة وهم يصلون فقال : نعمت هذه البدعة ، يعني: جمعه لهم على إمام واحد مستمر منتظم .
هذا من حيث اللغة العربية ، وليس مقصوده أن هذه البدع، الأساس والأصل، فإنه رضي الله عنه لا يمكن أن يوجد البدع ، ولا يقر البدع " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (3/ 33) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" قول عمر: " نعمت البدعة هذه " لم يقصد به البدعة بمعناها الشرعي ، الذي هو إحداث شيء في الدين على غير مثال سابق ، وإنما قصد البدعة بمعنى من معانيها اللغوية ، وهو الأمر الحديث الجديد الذي لم يكن معروفا قبيل إيجاده ، ومما لا شك فيه أن صلاة التراويح جماعة وراء إمام واحد : لم يكن معهودا ولا معمولا زمن خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر ، فهي بهذا الاعتبار حادثة، ولكن بالنظر إلى أنها موافقة لما فعله صلى الله عليه وسلم فهي سنة وليست بدعة ، وما وصفها بالحسن إلا لذلك " .
انتهى من "صلاة التراويح" (ص 50) .
وانظر للفائدة السؤال رقم : (183220) .
والله أعلم.
السؤال:
جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس على صلاة التراويح ، وقال : إن تلك بدعة حسنة ، فلماذا قال عنها بدعة مع أنه من الخلفاء الراشدين الذين أُمرنا باتّباع أقوالهم وأفعالهم والتي هي جزء من السنة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
روى البخاري (2010) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : " خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ: "إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ ، لَكَانَ أَمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ: "نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ " .
وقول عمر رضي الله عنه : " نعم البدعة هذه " إنما قصد بتسميتها بدعة معناها اللغوي ؛ يعني : أنها أمر جديد ، لم تجر به عادة الناس وعملهم .
وذلك أن جمع الناس في رمضان كل ليلة على إمام واحد باستمرار وانتظام : لم يكن من قبل ، فاعتبر ظاهر الحال ، وقصد المعنى اللغوي للبدعة ، ولم يقصد المعنى الشرعي لها ، الذي يعني : استحداث أمر في الدين ، وليس منه ، مع نسبته إلى الدين ؛ فصلاة التراويح من الدين المشروع المندوب إليها ، وهكذا صلاتها جماعة : من الأمر المرغب فيه المندوب إليه ، وثبت أصله من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله .
وقد نص أهل العلم على ذلك :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" هذه تسمية لغوية ، لا تسمية شرعية ، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق .
وأما البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليل شرعي ، فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل أو إيجابه بعد موته ، أو دل عليه مطلقا، ولم يعمل به إلا بعد موته، ككتاب الصدقة ، الذي أخرجه أبو بكر-رضي الله عنه- فإذا عمل ذلك العمل بعد موته ، صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ .
كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة ، ويسمى محدثا في اللغة، كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين إلى الحبشة: " إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم، ولم يدخلوا في دين الملك، وجاءوا بدين محدث لا يعرف " .
ثم ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة : ليس بدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة، فلفظ البدعة في اللغة ، أعم من لفظ البدعة في الشريعة .
وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام ، بل كل دين جاءت به الرسل ، فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد: ما ابتُدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان كذلك: فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى؛ وقد قال لهم في الليلة الثالثة، أو الرابعة لما اجتمعوا: ( إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن تفرض عليكم ، فصلوا في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته ، إلا المكتوبة) .
فعلّل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض ، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم ، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم .
فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه جمعهم على قارئ واحد ، وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة ، وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد ، مع الإسراج : عملا لم يكونوا يعملونه من قبل؛ فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك ، ولم يكن بدعة شرعية ؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح ، لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم ، فانتفى المعارض " .
انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 95-97) .
وقال ابن رجب رحمه الله :
" وأما ما وقع في كلام السَّلف مِنِ استحسان بعض البدع ، فإنَّما ذلك في البدع اللُّغوية ، لا الشرعية ، فمِنْ ذلك قولُ عمر - رضي الله عنه - لمَّا جمعَ الناسَ في قيامِ رمضان على إمامٍ واحدٍ في المسجد، وخرج ورآهم يصلُّون كذلك فقال: نعمت البدعةُ هذه. وروي عنه أنَّه قال: إنْ كانت هذه بدعة، فنعمت البدعة "
ومرادُه أنَّ هذا الفعلَ لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت ، ولكن له أصولٌ منَ الشَّريعةِ يُرجع إليها، فمنها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يحُثُّ على قيام رمضان ، ويُرَغِّبُ فيه ، وكان النَّاس في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ متفرِّقةً ووحداناً، وهو - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بأصحابه في رمضانَ غيرَ ليلةٍؤ، ثم امتنع مِنْ ذلك معلِّلاً بأنَّه خشي أنْ يُكتب عليهمؤ، فيعجزوا عن القيام بهؤ، وهذا قد أُمِنَ بعده - صلى الله عليه وسلم " .
انتهى من "جامع العلوم والحكم" (2/ 783) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" وضّح أهل العلم أن مراد عمر في ذلك من حيث اللغة العربية ؛ لأنه رضي الله عنه جمع الناس على إمام واحد ، وكانوا متفرقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الصديق ، فلما كان عهده رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد ، ومر عليهم ذات ليلة وهم يصلون فقال : نعمت هذه البدعة ، يعني: جمعه لهم على إمام واحد مستمر منتظم .
هذا من حيث اللغة العربية ، وليس مقصوده أن هذه البدع، الأساس والأصل، فإنه رضي الله عنه لا يمكن أن يوجد البدع ، ولا يقر البدع " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (3/ 33) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" قول عمر: " نعمت البدعة هذه " لم يقصد به البدعة بمعناها الشرعي ، الذي هو إحداث شيء في الدين على غير مثال سابق ، وإنما قصد البدعة بمعنى من معانيها اللغوية ، وهو الأمر الحديث الجديد الذي لم يكن معروفا قبيل إيجاده ، ومما لا شك فيه أن صلاة التراويح جماعة وراء إمام واحد : لم يكن معهودا ولا معمولا زمن خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر ، فهي بهذا الاعتبار حادثة، ولكن بالنظر إلى أنها موافقة لما فعله صلى الله عليه وسلم فهي سنة وليست بدعة ، وما وصفها بالحسن إلا لذلك " .
انتهى من "صلاة التراويح" (ص 50) .
وانظر للفائدة السؤال رقم : (183220) .
والله أعلم.