نص ثناء الحافظ ابن حجر على ابن تيمية ووصفه بشيخ
إن أهم الأدلة على ثناء الحافظ ابن حجر على ابن تيمية ما قاله فيه عند تقريظه كتاب الرد الوافر على من زعم ان ابن تيمية كافر لابن نـاصر الدين الدمشقي كما أثبته السخاوي في كتابه الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر قال فيه ما نصه قال السخاوي في الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر (مخطوطة موجودة في مكتبة طوبقبو بتركيا رقم المخطوط 1992). في معرض سرد تقريظات ابن حجر للكتب ما نصه: ». ومن ذلك ما كتب به على الرد الوافر على من زعم أن ابن تيمية شيخ الاسلام كافر لحافظ الشام ابن ناصر الدين في سنة خمس وثلاثين وحدث به في أواخر السنة التي تليها بالشام بقراءة صاحبنا النجم الهاشم: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. وقفت على هذا التأليف النافع والمجموع الذي هو للمقاصد التي جمع لأجلها جامع.
فتحققت سعة اطلاع الامام الذي صنفه، وتضلعه من العلوم النافعة بما عظّمه بين العلماء وشرّفه.
وشهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس، وتلقيبه بشيخ الاسلام في عصره باق الى الآن على الألسنة الزكية ويستمر غدا كما كان بالأمس، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره أو تجنب الإنصاف، مما أكثر غلط من تعاطى ذلك وأكثر عثاره، فالله تعالى هو المسؤول أن يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا بمنّه وفضله. ولو لم يكن من الدليل على إمامة هذا الرجل الا ما نبّه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في تاريخه أنه لم يوجد في الاسلام من اجتمع في جنازته لمّا مات ما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين، وأشار الى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدا، شهدها ما بين مئي ألوف، ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد بل أضعاف ذلك لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته.
وأيضا فجميع من كان ببغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد وكان أمير بغداد وخليفة الوقت إذ ذاك في غاية المحبة له والتعظيم، بخلاف ابن تيمية، فكان أمير البد حين مات غائبا، وكان أكثر من في البلد من الفقهاء.
فتعصبوا عليه حين مات محبوسا بالقلعة، ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف عليه الا ثلاثة أنفس تأخروا خشية على أنفسهم من العامة . ومع حضور هذا الجمع العظيم فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته لا بجمع سلطان ولا غيره. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أنتم شهود الله في الأرض.
ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مرارا بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة ودمشق. ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته ولا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة، حتى حُبس بالقاهرة ثم بالاسكندرية، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه وكثرة ورعه وزهده، ووصفه بالسخاء والشجاعة وغير ذلك من قيامه في نصر الاسلام والدعاء الى الله تعالى في السر والعلانية. فكيف لا ينكر على من أطلق أنه كان كافرا بل من أطلق على من سماه شيخ الاسلام الكفر. وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك، فإنه شيخ الاسلام بلا ريب.
والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عنادا. وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبري منه، ومع ذلك فهو بشر يخطىء ويصيب فالذي أصاب فيه -وهو الأكثر- يستفاد منه ويترحم عليه بسببه، والذي أخطأ فيه - بل هو معذور - لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه، حتى كان أشد المتشغبين عليه القائمين في إيصال الشر اليه وهو كمال الدين الزملكاني يشهد له بذلك، وكذلك الشيخ صدر الدين ابن الوكيل الذي لم يثبت لمناظرته غيره.
ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم قياما على أهل البدع من الروافض والحلولية والاتحادية، وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة، وفتاويه فيهم لا يدخل تحت الحصر فيا قرة أعينهم اذا سمعوا تكفيره، ويا سرورهم اذا رأوا من يكفره من أهل العلم. فالواجب على من تلبس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشهورة أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل فيفرد من ذلك ما ينكر فيحذر منه على قصد النصح، ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء.
ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب الا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة على عظيم منزلته. فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم والتميز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلا عن الحنابلة. فالذي يطلق عليه - مع هذه الأشياء - الكفر أو على من سماه شيخ الاسلام: لا يلتفت اليه ولا يعول في هذا المقام عليه بل يجب ردعه عن ذلك الى أن يراجع الحق ويذعن للصواب.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل».
انتهى كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله وهو كلام نفيس جدا. فماذا يقول الأحباش في ذلك؟