بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ديننا دين وحي و نقل وأخطر ما في النقل صحته :
أيها الأخوة الكرام: حديثان شريفان لهما علاقة وشيجة بالتشريع؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((مَنّ كذَبَ عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
إن كذباً على النبي صلى الله عليه وسلم ليس ككل كذب, هنا يوجد كذب تشريع؛ ديننا دين وحي, وديننا دين نقل, وأخطر ما في النقل صحته, فلو كذب أحدنا على رسول الله, أي روى حديثاً ضعيفاً, أو روى حديثاً موضوعاً, أحدث في الدين ما ليس منه؛ صار هناك تفرقة, صار هناك أديان, صار هناك شيع, صار هناك أحزاب, صار هناك تضارب, صار هناك انحراف, لا يجمعنا إلا الأحاديث الصحيحة, ولا يفرقنا إلا الأحاديث الموضوعة, وما من فرقة ضالة إلا اعتمدت على حديث موضوع, وما من مشكلة بين المسلمين إلا لسبب غير صحيح, لأن الصحيح يجمع, والضعيف يفرق, وكأن الله سبحانه وتعالى, كشف للنبي عليه الصلاة والسلام مسبقاً ما سيكون, لذلك كان هذا الوعيد الخطير:
((مَنّ كذَبَ عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
الحديث غير الصحيح يبعد الناس عن الحقيقة :
الإنسان يتكلم, هناك رغبة عند بعض الخطباء والدعاة أن يتحفوا الناس بشيء جديد, فالشيء المألوف يدعونه, يبحثون عن شيء لم يُسمع من قبل, يقعون في هذا الفخ الكبير, أنه حديث غريب, يأتي به ليتحف الناس به, والحديث غير صحيح, فالحديث يبعد الناس عن الحقيقة؛ صار هناك انحراف بالفهم, انحراف بالتطبيق, لذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان وعيده شديداً, وهو لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى.
الإنسان قبل أن يذكر حديثاً ضعيفاً, أو موضوعاً, يجب أن يعد للمليون, قد يكون فيف توجيه خاطئ.
مرة خطيب بنى خطبة على حديث, ساعة ونصف, شرح حديث, حديث موضوع؛ كل الناس هلكى إلا العالمون, والعالمون هلكى إلا العاملون, والعاملون هلكى إلا المخلصون, والمخلصون على خطر عظيم, هذا الحديث وضعته الزنادقة للتيئيس, لم يبق هناك حديث حتى تجد حديثاً ييئسك! حديث يعمل حالة خوف غير طبيعية, وكل عطاء كبير لسبب بسيط, الحديث مشكوك فيه غير معقول بكلمة تتكلمها انتهى كل شيء.
فأنت أحسن من أن تصلي أربعين ألف سنة, كل يوم ألف ركعة, تكلم كلمة فيها موازين صحيحة, إنسان استقام, أطاع الله عز وجل, إنسان جاء بكل المعاصي والآثام, لكن حكم موته يوم الجمعة, للجنة, فتجد أحاديث ذات مقاييس مضحكة, عطاء كبير لأسباب تافهة, الحديث موضوع.
من يتحرك بخلاف ما يعلم فهو منافق أما الجاهل فمحاسب :
الشيء المؤسف أنه في أكثر المساجد تدور على ألسنة الناس أحاديث غير صحيحة – موضوعة- ما قالها النبي عليه الصلاة والسلام, لأنه لا يوجد تدقيق.
فالإنسان كلما بقي بالصحاح يمشي على صخر, إن هذا العلم دين, نحن الحديث وحي:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
[سورة النجم الآية:3-4]
فإن كان الوحي مزوراً, أنت تقول: قال النبي؟!
هذا الحديث:
((مَنّ كذَبَ عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
لا تفرح أنه حديث غريب, الغرابة مشكلة.
أنا أقترح ائت بالحديث المعروف المألوف, وعمق خطبه, بدل أن تأتي بشيء نادر, غريب, لا أحد سمعه, تطرب الناس فيه, لا, ائت بحديث مألوف, معروف, ورد بالصحاح, يسمعه الناس جميعاً, وأتحفنا بمعنى عميق له؛ أتحفنا بتعميق له, أتحفنا باستنباط رائع, أتحفنا بحكم فقهي, أما الآن:
((إذا لم تستح فاصنع ما تشاء))
[البخاري عن ابن مسعود]
حديث صحيح, له معان كثيرة, مألوف, المعنى المألوف: أنه في آخر الزمان لم يعد هناك حياء, لكن يوجد معنى آخر, معنى آخر راق جداً هو أنك إذا لم تستح من الله في هذا العمل لا تعبأ بكلام الناس افعله ولا تخش أحداً.
أحياناً: يكون هناك عمل عظيم, لكن الناس يتحدثون عنك, يتحدثون؛ ما دمت راضياً لله عز وجل, لا تعبأ بأحد.
((إذا لم تستح فاصنع ما تشاء))
[البخاري عن ابن مسعود]
والآن يقول لك شخص: أنا لا أعلم أنه حديث ضعيف, أنا لا علاقة لي, هنا الحديث الأول:
((من كذب علي متعمداً))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
يعرف أن هذا الحديث موضوع, و رواه, بالمناسبة: الإنسان قد يقول ما لا يعلم, أما المجرم فهو الذي يقول بخلاف ما يعلم, تعرف الحقيقة و لمصلحة, ولمكسب مادي, ولاتباع للهوى, تنطق بخلاف ما تعلم, لذلك هناك مفت يفتي بغير علم, محاسب عند الله أشد المحاسبة, لكن من هو المجرم؟ الذي يفتي بخلاف ما يعلم, يقدم فتوى لمصلحة مادية وهو يعلم خلافها, فكل إنسان يتحرك بخلاف ما يعلم منافق, أما الجاهل فمحاسب.
من يعتمد في أفكاره المبتدعة على أحاديث ضعيفة أو موضوعة فهو آثم :
الآن: سيقول لك شخص: أنا لا أعرف, نقول له: اسمع الحديث, أيضاً في الصحاح:
((من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))
[أخرجه مسلم والترمذي عن سمرة بن جندب]
هو ما دقق, ما تحقق, أما الحديث فيرى أنه كذب, الآن أول حجة: أنا لا أعرف, بالحديث الثاني: انتهت الحجة, انتهت.
((من حدث بحديث يُرى أنه كذب, فهو أحد الكاذبين))
[أخرجه مسلم والترمذي عن سمرة بن جندب]
مرة التقيت مع رجل مبطن, من فرقة ضالة, أول مأخذ أخذته عليه: كل النصوص موضوعة أو ضعيفة انتهى, المناقشة انتهت, أنت معتمد على أحاديث ضعيفة, أو على أحاديث موضوعة, الشيء الثاني هؤلاء يعتقدون أن هناك مسيحاً آخر, سيأتي بعد رسول الله, النبوة لم تنته, فرقة خطيرة جداً, تنفي وجود الجن, وتوقف الجهاد.
فأول مأخذ أخذته عليه أن الأحاديث التي اعتمد عليها في كل أفكاره المبتدعة أحاديث ضعيفة, أو موضوعة, المأخذ الثاني: الاستنباط كان ظنياً, متى سيأتي المسيح الموعود؟ عندهم أسى في الباكستان, حسناً: ما الدليل؟ قال:
﴿وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾
[سورة البروج الآية:2]
هذا ليس المعنى القطعي كما تقول,في القرآن جاءت على يوم القيامة:
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ* وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ* وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾
[سورة البروج الآية:1-3]
أنت حملت الآية معنى لا تحتمله, فلذلك الحديث الثاني ينفي أي حجة:
((من حدث بحديث يُرى أنه كذب))
[أخرجه مسلم والترمذي عن سمرة بن جندب]
يرى علماء الحديث أنك ما دققت, ما تحققت, ما سألت, ما بحثت عن تخريجه, فأنت آثم:
((... فهو أحد الكاذبين))
[أخرجه مسلم والترمذي عن سمرة بن جندب]
على الإنسان أن يتأكد من صحة الحديث قبل روايته :
طبعاً الحديث الأول أخواننا الكرام:
((مَنّ كذَبَ عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
وهناك حديث:
((من أخلص لله أربعين صباحاً, تفجرت ينابيع الحكمة في قلبه))
الحديث ضعيف, هناك أناس قعدوا أربعين يوماً لكن لم يطلع معهم شيء, فانتكسوا نكسة قوية؛ لا يمكن أن ينشأ مشكلة من حديث صحيح, لا يمكن أن ينشأ إحباط, ماشي على صخر, لأن هذا التوجيه من عند الله عز وجل, من عند خالق الكون.
أعرف رجلاً درس اللغة العربية في إدلب, انطلق إلى الدين انطلاقة عجيبة, بسرعة مذهلة, اعتماداً على هذا الحديث, فعندما لم يجد الوعد الذي وعده النبي بهذا الحديث صار معه نكسة مخيفة, فأنكر الدين كله.
فأنا أجتهد, أصلي, أما أن أجد في اليوم الأربعين الأمور كلها صارت واضحة, يأتيني الفتح الفجائي على أربعين يوماً, فلعلك لم تنضج, أما تحتم فالتحتيم نوع من التألي على الله عز وجل.
وقال:
((وأنا رسول الله لا أدري ما يفعل بي ولا بكم))
[ البخاري عن أم العلاء الأنصارية]
طبعاً الحديث الأول متواتر تواتر لفظي, والمتواتر أعلى درجة في الأحاديث.
والحديث الثالث يقول عليه الصلاة والسلام - طبعاً الحديث الثالث في مسلم-:
((إن كذباً علي ليس ككذب على أحد, فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن المغيرة بن شعبة]
أحياناً النبي ما ذكر الحديث, هناك رجل فرضاً رأى هذه المعصية, أحب أن يحذر الناس منها, فعمل حديثاً, من فعل هذا ملعون.
البارحة شاهدت شاباً معنوياته محطمة, واقع بمعصية, هذه معصية لكن ليست كهذا الحديث الموضوع؛ فهناك تهديد, وهناك وعيد, وهناك وعيد بالنار, من فعلها فهي معصية لكن ليست بهذه الدرجة, هو سمع من عالم حديثاً موضوعاً عن هذه المعصية, فانهارت نفسه، وهكذا شعر بالإحباط، قلت له: لا, هذه ليست مثل هذه المعصية التي تفعلها, ليست كما تظن, مستواها أقل, فالوضع اختلف.
أحياناً يكون هناك وعيد في حديث موضوع, وهناك وعيد شديد بمعصية معينة, قد يفعلها بعض الشباب, وقد تنهار معنوياتهم, ويُسحقون إذا صدقوا, لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((إن كذِبا عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليَّ متعمداً, فليتبوأ مقعده من النار))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن المغيرة بن شعبة]
يكذب على ألف إنسان, الأشخاص عاديون, أما أن تكذب على النبي عليه الصلاة والسلام متعمداً فواضحة, وغير متعمد, أي أنت تروي حديثاً لست متأكداً منه, لم تأخذه من مصدر صحيح, فهذه نصيحة لوجه الله: قبل أن تروي الحديث تأكد من صحته, انظر من أين أخذته, من أي كتاب أخذته, من رواه, في أي كتاب ورد, لأن هناك أحاديث كثيرة تثبط عزيمة الإنسان, وأحاديث كثيرة تحرفه عن سواء السبيل.
والحمد لله رب العالمين