أما بعد ، فيا عباد الله :
مازلنا في عرض سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
فبعد ما لاقى هو وأصحابه أنواع وصنوف العذاب من كفار قريش صلى ذات يوم عند الكعبة .
وهذه قصة وردت عند البخاري ومسلم ، فصلى عليه الصلاة والسلام ، وقرأ بالنجم ، فلما بلغ آخر آية ، وهي آية سجدة سجد عليه الصلاة والسلام ، فسجد من معه من المسلمين ، وسجد من معه من المشركين.
فانتشر الخبر ، وظن من هاجر إلى الحبشة أن كفار قريش قد أسلموا ، فعاد بعضهم مسرعا إلى مكة حيث داره ، حيث وطنه ، حيث ماله ، حيث أهله .
قد قيل : إن سبب سجود الكفار :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى))
قال بعدها : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى
فمن أجل ما ذكر سجد المشركون .
ولكن الصواب :
أن سجودهم ليس من أجل هذا الأمر ، إنما هو أمر كوني أراده الله عز وجل
وأما هذه القصة فقد أبطلها المحققون من اهل العلم ومن أهل الحديث : ابن حجر ، وابن كثير ، والقاضي عياض ، والألباني رحمهم الله ، وغيرهم من علماء المسلمين .
فقد أبطلوا هذه القصة ، ولم يصححوها بل إنهم طعنوا في سندها ، وفي متنها .
هذا من حيث السند .
أما من حيث المتن :
فإن المتن يدل على نكارتها ـــــــــــــــ كيف ؟
أنه عليه الصلاة والسلام يذم هذه الأصنام : ((أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى)) يعني الوضيعة ، ثم بعد ذلك يمدحها !
فهذا يدل على نكارة متن هذه القصة .
وأما ما ذكره عز وجل في سورة الحج :{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى ( يعني قرأ) أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
قال ابن كثير بسياق نحو هذا السياق قال رحمه الله : " إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة النجم ألقى الشيطان في مسامع المشركين أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها ثم سجدوا "
هذا على توجيه أصل هذه القصة .
وإلا فأصل هذه القصة من حيث السند ، ومن حيث المتن ضعيفة .
إذاً لما علم المهاجرون سجود كفار قريش عاد بعضهم .
لكنهم لما عادوا رأوا أن الأمر كما هو ـــــ فماذا صنعوا ؟
عاد بعض هؤلاء ومعهم مجموعة أخرى عددهم من الرجال اثنان وثمانون رجلا ، ومن النساء ثماني عشر امرأة .
فلما توجهوا إلى النجاشي في الحبشة غضبت كفار قريش لما رأوا أن هذا الرجل قد حفظهم وقد رعاهم غضبت من ذلك .
فأرسلت قريشا وفدا برئاسة " عمرو بن العاص " فقدم على النجاشي ، فدخل عليه وقال : نحن معشر قريش أتينا إليك ، وقد أتت هذه الطائفة قد خرجت من أمرنا
وأراد أن يزعزع الثقة في قلب النجاشي ، لكن النجاشي أراد أن ينبري من هذا الأمر بنفسه ، وان يتأكد ، فدعا المهاجرين ، فتقدم جعفر رضي الله عنه ، وقال له النجاشي : تحدثْ
فتحدث ، وكان عمرو بن العاص قد أتى بهدايا للنجاشي ولأساقفته من أجل أن يكسب رضاهم
فتكلم جعفر، فقال :" نحن قوم كنا نعبد غير الله ، نعبد الأصنام ، ونسيء إلى الجوار ، ونأكل الميتة ونستحلها، فبعث الله عز وجل إلينا هذا الرجل من بيننا نعرف وفاءه، وصدقه ، وأمانته ، فدعانا إلى التوحيد ، ودعانا إلى الصلة ، وإلى حسن الجوار ، وحرم علينا أكل الميتة "
ثم قال النجاشي أمعكم شيء من هذا النبي ؟
فقرأ جعفر صدر سورة " مريم "
فلما قرأ صدرها ، وبلغ أمر عيسى عليه السلام بكى النجاشي ، وبكى من معه من أساقفته ، وقال : " والله لا أسلمكم إلى هؤلاء أبدا ، انطلقوا آمنين في دياري "
فلما خرج " عمر بن العاص " في اليوم التالي قال : والله لا أدعها لهم سأثير عليهم النجاشي .
فدخل على النجاشي ، وقال له : إن هؤلاء ليقولون في عيسى أمرا عظيما
لأن النجاشي ومن معه كانوا نصارى
فدعاهم النجاشي ، وأمر النجاشي جعفرا أن يبين له أمر عيسى عندهم
فقال جعفر : هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه
فقال النجاشي : والله لا اعلم منها إلا كما علمتم انطلقوا آمنين
فانطلقوا آمنين في أرض هذا الرجل العادل الذي أمنهم
وأنزل الله عز وجل قوله تعالى : ((وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى))
هذه نزلت في النجاشي ومن معه ، وليست عامة في النصارى كما قال بعض المفسرين المحققين : ليست عامة ؛ لأن سخط وعداوة النصارى واضحة وبينة على مدى العصور ، وفي عصرنا هذا أكبر دليل
وإنما نزلت في طائفة من النصارى الذين هم النجاشي ومن معه : ((ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ))
ومما يدل على ذلك قوله عز وجل بعدها :{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }
وفي الحبشة توفي زوج أم حبيبة رضي الله عنها فحزنت لذلك ، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يرفع الحزن والبؤس عنها فخطبها ، فزوجها النجاشي منه ، وأمهرها النجاشي من عنده ، ولم يرسل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا أمهرها النجاشي أربعة آلاف ، ثم أرسلها إلى النبي عليه الصلاة والسلام
وفي أثناء بقاء هؤلاء الضعفاء في ديار الحبشة إذا بأبي موسى .
كانوا متجهين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن الرياح أتت بسفينتهم إلى الحبشة ، فبقوا مع المهاجرين إلى ان فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر في السنة السابعة ، وقدموا جميعا
فلما قدموا وقتها – وقد جاء في الصحيحين أن أسماء بنت عميس ممن قدم من الحبشة ، فجعل عمر رضي الله عنه يفتخر عليها لأنه كان قريبا من النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد واجه ما واجه .
فقال عليه الصلاة والسلام : (( ليس بأحق هو بي وأصحابه منكم ، له ولأصحابه هجرة ، ولكم انتم يا أهل السفينة هجرتان ))
في السنة السادسة من المبعث ليس من الهجرة ، فرق بين المبعث والهجرة
المبعث : يعني بداية نبوة النبي عليه الصلاة والسلام
وأما الهجرة : فهي هجرته من مكة إلى المدينة
في السنة السادسة من المبعث جاء حمزة بن عبد المطلب ، وكان في الصيد وكان عم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأُخبر أن أبا جهل قد آذى الرسول عليه الصلاة والسلام.
وكان الميول من حمزة إلى دين النبي صلى الله عليه وسلم كان قريبا
فلما علم حمزة بما جرى أتى إلى أبي جهل في مجلس قومه ، فأتى إليه ، وضربه ضربة منكرة على وجهه فشجه فسال منه الدم ، وقال :" أتؤذي محمدا وأنا على دينه ؟! "
فلما خرج حمزة شرح الله عز وجل للإسلام ، فأسلم
فعلمت قريش بعد إسلام حمزة أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح في منعة وقوة .
هذا حمزة بن عبد المطلب
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان رجلا مهيبا قويا ، وكان عنيفا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وكان عليه الصلاة والسلام – كما صحّ في سنن أبي داود وغيره كان يدعو الله عز جل أن يعز الله الإسلام بأحد العمرين إما عمر بن الخطاب ، وإما عمرو بن هشام الذي هو أبو جهل .
ففتح الله عز وجل صدر عمر للإسلام ، وقصته مشهورة .
قصة إسلامه مشهورة
وورد في قصة إسلامه روايتان أو قصتان :
القصة الأولى : أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ سورة الحاقة عند الكعبة ، وكان عمر في جوفها ، فلما سمعها أثرت هذه الآيات في نفسه فأسلم .
القصة الثانية : أنه لما ذهب إلى بيت أخته فاطمة من أجل أن ينزل بها عذابا لما علم أنها قد أسلمت جرى ما جرى فيما بينهما ، وقرأ سورة " طه " فأثرت في نفسه .
يقول المحدثون : كلتا القصتين ضعيفتان ، لكن ابن حجر رحمه يقول في الفتح، يقول بصحة إسلام عمر لما اتى إلى بيت أخته وقرأ القرآن ، ويستدل عليها بما جاء في صحيح البخاري من حديث سعيد بن زيد الذي هو ابن عم عمر ، وهو زوج أخت عمر التي هي فاطمة ، قال : والله لقد رأيتني وعمر لموثقي وأخته على الإسلام قبل أن يسلم "
قال : فهذه دلالة على إتيانه إلى بيت أخته هو سبب إسلامه رضي الله عنه
يقول ابن مسعود رضي الله عنه – وكان من المستضعفين لأنه ما كانت له حمية ، ولا قبيلة ، قال : مازلنا أعزة من حين أسلم عمر "
وقال : ما كان أحدنا يستطيع أن يصلي عند البيت حتى أسلم عمر "
وكان يقول :"كان إسلامه نصرا "
عمر رضي الله بمهابته وقوته قال : من هو أوشى رجل في قريش ينقل الخبر؟
فقالوا له : جميل
رجل اسمه جميل بن معمر الجمحي
فأتى إليه ، وقال له : يا جميل لقد أسلمت
فما إن وصلت هذه الكلمة إلى سمع جميل إلا وجعل ينادي في جبال مكة وفي طرقها أن عمر قد أسلم ، ان عمر قد صبأ
وكان عمر رضي الله عنه خلفه ، ويقول : قد كذب ، ما صبئت ولكنني أسلمت .
فلما انتشر الخبر إذا بجيش كأنه السيل الأتي من الوادي من قريش يأتون إلى عمر من اجل أن يضربوه وأحاطوا به حتى أنقذه الله عز وجل بالعاص بن وائل إذ جعله في أمانه وفي جواره .
ولتعلم أنه لم يرد حديث صحيح إنما ورد في أسانيد ضعيفة أن النبي صلى الله عليه وسم سماه " الفاروق " ، لكنها أحاديث ضعيفة
بعد ذلك لاقى النبي عليه الصلاة والسلام ملاقاة عنيفة حتى مع إسلام حمزة ، ومع إسلام عمر رضي الله عنهما ــــــــــ فماذا جرى ؟
أرادت قريش أن تفصل في الأمر
أرادت قريش أن تفصل في الأمر
وأرادوا أن يقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم بأي وجه من الوجوه
فماذا كان من بني هاشم ؟
ما كان منهم إلا أن أتوا إلى الشعب ، وجلسوا فيه ، ودخل مسلمهم وكافرهم انتصارا للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أبا لهب ، وكان عمه فلم يدخله ؛ لأنه كان على دين قومه ، وكان شديدا على النبي عليه الصلاة والسلام
فدخلوا فيه ، وقد كتبت كفار قريش صحيفة على أنهم لن يجالسوا بني هاشم ، ولا يؤاكلوهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يناكحوهم حتى يُسْلِموا النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه .
وكتبوا صحيفة ووضعوها في جوف الكعبة ، وظل هذا الحصار زهاء ثلاث سنوات – كما ذكرت بعض كتب السير.
ومع ذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام كان شجاعا .
كان إذا حضرت المواسم مواسم الحج خرج من أجل أن يدعو إلى الإسلام .
الشاهد من هذا :
أن المحاصرة قد ضاقت على بني هاشم :
فما كان يأتي طعام إلا سرا ، وذلك عن طريق " حكيم بن حزام " و " هشام بن عمرو " و " المطعم بن عدي " ، وذلك للصلة التي كانت بينهم وبين بني هاشم .
بعد ذلك غضبت بعض رؤوساء قريش مما حصل لنبي هاشم ومن حصارهم ، فأرادوا أن يتلفوا هذه الصحيفة
فأخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام بأن الله قد أتلف ما فيها ولم يبق فيها إلا كلمات الظلم والشرك .
وهذا يدل على صدق نبوته عليه الصلاة والسلام عندهم ، ولكن الله عز وجل أعمى بصائرهم .
وفي السنة السابعة من المبعث لما خرجوا من هذاالشعب توفي أبو طالب ، وأتاه النبي عليه الصلاة والسلام ، وأراد أن يقول كلمة : لا إله إلا الله ، من أجل أن يشهد له بها عند الله عز وجل
فقال أبو طالب :والله لولا أن تقول قريش ما حمله على ذلك إلا جزع الموت لأقررت بها عينك .
لكنه توفي أبو طالب على الشرك بالله عز وجل .
وأما ما جاء عند ابن إسحاق من أن العباس قد حضر ، وقال له : يا ابن أخي – لما رأى أن شفتي أبي طالب قد تحركت- قال : يا ابن أخي لقد رأيت أخي قد تكلم بالكلمة التي أمرته بها
فقال عليه الصلاة والسلام : لم أر ذلك ، ولم أسمع
فهذه قصة ضعيفة كما ضعفها ابن حجر رحمه الله في الفتح
وفي نفس السنة توفيت خديجة رضي الله عنها ، وكانت ممن تؤازره .
ولما توفي أبو طالب وتوفيت خديجة زاد العذاب والعناء على النبي عليه الصلاة والسلام .
حتى سُمي بهذا العام سُمي عند بعض أهل السير سُمي بعام الحزن
ولتعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمّه هذا الاسم كما ذكر ذلك محدث هذا العصر العلامة الألباني رحمه الله .
فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يسمه بعام الحزن
فلما اشتد على النبي عليه الصلاة والسلام ما اشتد خرج إلى الطائف ينظر لعل وعسى ان يجد من ينصره ، ومن يعينه .
ولكن أهل الطائف وهم ثقيف قد جهلوا به ، وأرسلوا سفهاءهم ، وتكلموا عليه ورموه بالحجارة .
فخرج عليه الصلاة والسلام حزينا إلى أن عمد إلى ظل شجرة ، وفي هذا المكان دعا بهذا الدعاء ، وهو مرسل ، فالأصل انه ضعيف ، لكن بعض العلماء يحسنه كالسيوطي رحمه الله في الجامع الصغير، على كل حال ، هذا الدعاء يحسنه السيوطي رحمه الله ، لكن المحققين يرون أنه ضعيف .
لكن أحبت أن أذكره من أجل أن يتنبه البعض إليه :
(( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أنت ربي ، ورب المستضعفين ، أنت أرحم الراحمين ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى غريب ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ، لكن رحمتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدين والدنيا أن ينزل بي سخطك أو يحل بي غضبك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ))
وفي ثنايا هذا الأمر وفي هذه الحادثة جاء في الصحيحين :
ملك الجبال يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويقول : " إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – وهما الجبلان المحيطان بمكة – فعلت "
فقال عليه الصلاة والسلام الرحمة المهداة ، قال : (( لا ،بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا ))
فلما دخل عليه الصلاة والسلام دخل في جوار " الُمطْعِم بن عدي " وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرف لهذا الرجل قدره حتى بعد الإسلام كما في قصة أسارى بدر لما أتاه ابنه جبير بن مطعم .
الشاهد من هذا:
أن المطعم بن عدي خرج هو وأبناؤه ، ونادوا في قريش : إن محمدا في جواري
فدخل عليه الصلاة والسلام في جوار هذا الرجل كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية .
وقبل هجرته عليه الصلاة والسلام بأكثر من سنة حصلت حادثة الإسراء والمعراج
وحادثة الإسراء والمعراج قد تحدثت عنها في خطب سابقة
ولكن البلاء اشتد على النبي عليه الصلاة والسلام ، فأنزل الله عز وجل : ((فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ{94} إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ{95} الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ{96} وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ{97} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ{98} وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{99}))
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج .
جاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود انه عليه الصلاة والسلام كان يأتي إلى الوفود التي وفدت إلى مكة من اجل الحج ، ويقول : (( هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل ))
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي كان غفورا رحيما .
مازلنا في عرض سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
فبعد ما لاقى هو وأصحابه أنواع وصنوف العذاب من كفار قريش صلى ذات يوم عند الكعبة .
وهذه قصة وردت عند البخاري ومسلم ، فصلى عليه الصلاة والسلام ، وقرأ بالنجم ، فلما بلغ آخر آية ، وهي آية سجدة سجد عليه الصلاة والسلام ، فسجد من معه من المسلمين ، وسجد من معه من المشركين.
فانتشر الخبر ، وظن من هاجر إلى الحبشة أن كفار قريش قد أسلموا ، فعاد بعضهم مسرعا إلى مكة حيث داره ، حيث وطنه ، حيث ماله ، حيث أهله .
قد قيل : إن سبب سجود الكفار :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى))
قال بعدها : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى
فمن أجل ما ذكر سجد المشركون .
ولكن الصواب :
أن سجودهم ليس من أجل هذا الأمر ، إنما هو أمر كوني أراده الله عز وجل
وأما هذه القصة فقد أبطلها المحققون من اهل العلم ومن أهل الحديث : ابن حجر ، وابن كثير ، والقاضي عياض ، والألباني رحمهم الله ، وغيرهم من علماء المسلمين .
فقد أبطلوا هذه القصة ، ولم يصححوها بل إنهم طعنوا في سندها ، وفي متنها .
هذا من حيث السند .
أما من حيث المتن :
فإن المتن يدل على نكارتها ـــــــــــــــ كيف ؟
أنه عليه الصلاة والسلام يذم هذه الأصنام : ((أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى)) يعني الوضيعة ، ثم بعد ذلك يمدحها !
فهذا يدل على نكارة متن هذه القصة .
وأما ما ذكره عز وجل في سورة الحج :{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى ( يعني قرأ) أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
قال ابن كثير بسياق نحو هذا السياق قال رحمه الله : " إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة النجم ألقى الشيطان في مسامع المشركين أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها ثم سجدوا "
هذا على توجيه أصل هذه القصة .
وإلا فأصل هذه القصة من حيث السند ، ومن حيث المتن ضعيفة .
إذاً لما علم المهاجرون سجود كفار قريش عاد بعضهم .
لكنهم لما عادوا رأوا أن الأمر كما هو ـــــ فماذا صنعوا ؟
عاد بعض هؤلاء ومعهم مجموعة أخرى عددهم من الرجال اثنان وثمانون رجلا ، ومن النساء ثماني عشر امرأة .
فلما توجهوا إلى النجاشي في الحبشة غضبت كفار قريش لما رأوا أن هذا الرجل قد حفظهم وقد رعاهم غضبت من ذلك .
فأرسلت قريشا وفدا برئاسة " عمرو بن العاص " فقدم على النجاشي ، فدخل عليه وقال : نحن معشر قريش أتينا إليك ، وقد أتت هذه الطائفة قد خرجت من أمرنا
وأراد أن يزعزع الثقة في قلب النجاشي ، لكن النجاشي أراد أن ينبري من هذا الأمر بنفسه ، وان يتأكد ، فدعا المهاجرين ، فتقدم جعفر رضي الله عنه ، وقال له النجاشي : تحدثْ
فتحدث ، وكان عمرو بن العاص قد أتى بهدايا للنجاشي ولأساقفته من أجل أن يكسب رضاهم
فتكلم جعفر، فقال :" نحن قوم كنا نعبد غير الله ، نعبد الأصنام ، ونسيء إلى الجوار ، ونأكل الميتة ونستحلها، فبعث الله عز وجل إلينا هذا الرجل من بيننا نعرف وفاءه، وصدقه ، وأمانته ، فدعانا إلى التوحيد ، ودعانا إلى الصلة ، وإلى حسن الجوار ، وحرم علينا أكل الميتة "
ثم قال النجاشي أمعكم شيء من هذا النبي ؟
فقرأ جعفر صدر سورة " مريم "
فلما قرأ صدرها ، وبلغ أمر عيسى عليه السلام بكى النجاشي ، وبكى من معه من أساقفته ، وقال : " والله لا أسلمكم إلى هؤلاء أبدا ، انطلقوا آمنين في دياري "
فلما خرج " عمر بن العاص " في اليوم التالي قال : والله لا أدعها لهم سأثير عليهم النجاشي .
فدخل على النجاشي ، وقال له : إن هؤلاء ليقولون في عيسى أمرا عظيما
لأن النجاشي ومن معه كانوا نصارى
فدعاهم النجاشي ، وأمر النجاشي جعفرا أن يبين له أمر عيسى عندهم
فقال جعفر : هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه
فقال النجاشي : والله لا اعلم منها إلا كما علمتم انطلقوا آمنين
فانطلقوا آمنين في أرض هذا الرجل العادل الذي أمنهم
وأنزل الله عز وجل قوله تعالى : ((وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى))
هذه نزلت في النجاشي ومن معه ، وليست عامة في النصارى كما قال بعض المفسرين المحققين : ليست عامة ؛ لأن سخط وعداوة النصارى واضحة وبينة على مدى العصور ، وفي عصرنا هذا أكبر دليل
وإنما نزلت في طائفة من النصارى الذين هم النجاشي ومن معه : ((ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ))
ومما يدل على ذلك قوله عز وجل بعدها :{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }
وفي الحبشة توفي زوج أم حبيبة رضي الله عنها فحزنت لذلك ، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يرفع الحزن والبؤس عنها فخطبها ، فزوجها النجاشي منه ، وأمهرها النجاشي من عنده ، ولم يرسل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا أمهرها النجاشي أربعة آلاف ، ثم أرسلها إلى النبي عليه الصلاة والسلام
وفي أثناء بقاء هؤلاء الضعفاء في ديار الحبشة إذا بأبي موسى .
كانوا متجهين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن الرياح أتت بسفينتهم إلى الحبشة ، فبقوا مع المهاجرين إلى ان فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر في السنة السابعة ، وقدموا جميعا
فلما قدموا وقتها – وقد جاء في الصحيحين أن أسماء بنت عميس ممن قدم من الحبشة ، فجعل عمر رضي الله عنه يفتخر عليها لأنه كان قريبا من النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد واجه ما واجه .
فقال عليه الصلاة والسلام : (( ليس بأحق هو بي وأصحابه منكم ، له ولأصحابه هجرة ، ولكم انتم يا أهل السفينة هجرتان ))
في السنة السادسة من المبعث ليس من الهجرة ، فرق بين المبعث والهجرة
المبعث : يعني بداية نبوة النبي عليه الصلاة والسلام
وأما الهجرة : فهي هجرته من مكة إلى المدينة
في السنة السادسة من المبعث جاء حمزة بن عبد المطلب ، وكان في الصيد وكان عم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأُخبر أن أبا جهل قد آذى الرسول عليه الصلاة والسلام.
وكان الميول من حمزة إلى دين النبي صلى الله عليه وسلم كان قريبا
فلما علم حمزة بما جرى أتى إلى أبي جهل في مجلس قومه ، فأتى إليه ، وضربه ضربة منكرة على وجهه فشجه فسال منه الدم ، وقال :" أتؤذي محمدا وأنا على دينه ؟! "
فلما خرج حمزة شرح الله عز وجل للإسلام ، فأسلم
فعلمت قريش بعد إسلام حمزة أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح في منعة وقوة .
هذا حمزة بن عبد المطلب
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان رجلا مهيبا قويا ، وكان عنيفا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وكان عليه الصلاة والسلام – كما صحّ في سنن أبي داود وغيره كان يدعو الله عز جل أن يعز الله الإسلام بأحد العمرين إما عمر بن الخطاب ، وإما عمرو بن هشام الذي هو أبو جهل .
ففتح الله عز وجل صدر عمر للإسلام ، وقصته مشهورة .
قصة إسلامه مشهورة
وورد في قصة إسلامه روايتان أو قصتان :
القصة الأولى : أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ سورة الحاقة عند الكعبة ، وكان عمر في جوفها ، فلما سمعها أثرت هذه الآيات في نفسه فأسلم .
القصة الثانية : أنه لما ذهب إلى بيت أخته فاطمة من أجل أن ينزل بها عذابا لما علم أنها قد أسلمت جرى ما جرى فيما بينهما ، وقرأ سورة " طه " فأثرت في نفسه .
يقول المحدثون : كلتا القصتين ضعيفتان ، لكن ابن حجر رحمه يقول في الفتح، يقول بصحة إسلام عمر لما اتى إلى بيت أخته وقرأ القرآن ، ويستدل عليها بما جاء في صحيح البخاري من حديث سعيد بن زيد الذي هو ابن عم عمر ، وهو زوج أخت عمر التي هي فاطمة ، قال : والله لقد رأيتني وعمر لموثقي وأخته على الإسلام قبل أن يسلم "
قال : فهذه دلالة على إتيانه إلى بيت أخته هو سبب إسلامه رضي الله عنه
يقول ابن مسعود رضي الله عنه – وكان من المستضعفين لأنه ما كانت له حمية ، ولا قبيلة ، قال : مازلنا أعزة من حين أسلم عمر "
وقال : ما كان أحدنا يستطيع أن يصلي عند البيت حتى أسلم عمر "
وكان يقول :"كان إسلامه نصرا "
عمر رضي الله بمهابته وقوته قال : من هو أوشى رجل في قريش ينقل الخبر؟
فقالوا له : جميل
رجل اسمه جميل بن معمر الجمحي
فأتى إليه ، وقال له : يا جميل لقد أسلمت
فما إن وصلت هذه الكلمة إلى سمع جميل إلا وجعل ينادي في جبال مكة وفي طرقها أن عمر قد أسلم ، ان عمر قد صبأ
وكان عمر رضي الله عنه خلفه ، ويقول : قد كذب ، ما صبئت ولكنني أسلمت .
فلما انتشر الخبر إذا بجيش كأنه السيل الأتي من الوادي من قريش يأتون إلى عمر من اجل أن يضربوه وأحاطوا به حتى أنقذه الله عز وجل بالعاص بن وائل إذ جعله في أمانه وفي جواره .
ولتعلم أنه لم يرد حديث صحيح إنما ورد في أسانيد ضعيفة أن النبي صلى الله عليه وسم سماه " الفاروق " ، لكنها أحاديث ضعيفة
بعد ذلك لاقى النبي عليه الصلاة والسلام ملاقاة عنيفة حتى مع إسلام حمزة ، ومع إسلام عمر رضي الله عنهما ــــــــــ فماذا جرى ؟
أرادت قريش أن تفصل في الأمر
أرادت قريش أن تفصل في الأمر
وأرادوا أن يقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم بأي وجه من الوجوه
فماذا كان من بني هاشم ؟
ما كان منهم إلا أن أتوا إلى الشعب ، وجلسوا فيه ، ودخل مسلمهم وكافرهم انتصارا للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أبا لهب ، وكان عمه فلم يدخله ؛ لأنه كان على دين قومه ، وكان شديدا على النبي عليه الصلاة والسلام
فدخلوا فيه ، وقد كتبت كفار قريش صحيفة على أنهم لن يجالسوا بني هاشم ، ولا يؤاكلوهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يناكحوهم حتى يُسْلِموا النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه .
وكتبوا صحيفة ووضعوها في جوف الكعبة ، وظل هذا الحصار زهاء ثلاث سنوات – كما ذكرت بعض كتب السير.
ومع ذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام كان شجاعا .
كان إذا حضرت المواسم مواسم الحج خرج من أجل أن يدعو إلى الإسلام .
الشاهد من هذا :
أن المحاصرة قد ضاقت على بني هاشم :
فما كان يأتي طعام إلا سرا ، وذلك عن طريق " حكيم بن حزام " و " هشام بن عمرو " و " المطعم بن عدي " ، وذلك للصلة التي كانت بينهم وبين بني هاشم .
بعد ذلك غضبت بعض رؤوساء قريش مما حصل لنبي هاشم ومن حصارهم ، فأرادوا أن يتلفوا هذه الصحيفة
فأخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام بأن الله قد أتلف ما فيها ولم يبق فيها إلا كلمات الظلم والشرك .
وهذا يدل على صدق نبوته عليه الصلاة والسلام عندهم ، ولكن الله عز وجل أعمى بصائرهم .
وفي السنة السابعة من المبعث لما خرجوا من هذاالشعب توفي أبو طالب ، وأتاه النبي عليه الصلاة والسلام ، وأراد أن يقول كلمة : لا إله إلا الله ، من أجل أن يشهد له بها عند الله عز وجل
فقال أبو طالب :والله لولا أن تقول قريش ما حمله على ذلك إلا جزع الموت لأقررت بها عينك .
لكنه توفي أبو طالب على الشرك بالله عز وجل .
وأما ما جاء عند ابن إسحاق من أن العباس قد حضر ، وقال له : يا ابن أخي – لما رأى أن شفتي أبي طالب قد تحركت- قال : يا ابن أخي لقد رأيت أخي قد تكلم بالكلمة التي أمرته بها
فقال عليه الصلاة والسلام : لم أر ذلك ، ولم أسمع
فهذه قصة ضعيفة كما ضعفها ابن حجر رحمه الله في الفتح
وفي نفس السنة توفيت خديجة رضي الله عنها ، وكانت ممن تؤازره .
ولما توفي أبو طالب وتوفيت خديجة زاد العذاب والعناء على النبي عليه الصلاة والسلام .
حتى سُمي بهذا العام سُمي عند بعض أهل السير سُمي بعام الحزن
ولتعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمّه هذا الاسم كما ذكر ذلك محدث هذا العصر العلامة الألباني رحمه الله .
فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يسمه بعام الحزن
فلما اشتد على النبي عليه الصلاة والسلام ما اشتد خرج إلى الطائف ينظر لعل وعسى ان يجد من ينصره ، ومن يعينه .
ولكن أهل الطائف وهم ثقيف قد جهلوا به ، وأرسلوا سفهاءهم ، وتكلموا عليه ورموه بالحجارة .
فخرج عليه الصلاة والسلام حزينا إلى أن عمد إلى ظل شجرة ، وفي هذا المكان دعا بهذا الدعاء ، وهو مرسل ، فالأصل انه ضعيف ، لكن بعض العلماء يحسنه كالسيوطي رحمه الله في الجامع الصغير، على كل حال ، هذا الدعاء يحسنه السيوطي رحمه الله ، لكن المحققين يرون أنه ضعيف .
لكن أحبت أن أذكره من أجل أن يتنبه البعض إليه :
(( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أنت ربي ، ورب المستضعفين ، أنت أرحم الراحمين ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى غريب ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ، لكن رحمتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدين والدنيا أن ينزل بي سخطك أو يحل بي غضبك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ))
وفي ثنايا هذا الأمر وفي هذه الحادثة جاء في الصحيحين :
ملك الجبال يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويقول : " إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – وهما الجبلان المحيطان بمكة – فعلت "
فقال عليه الصلاة والسلام الرحمة المهداة ، قال : (( لا ،بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا ))
فلما دخل عليه الصلاة والسلام دخل في جوار " الُمطْعِم بن عدي " وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرف لهذا الرجل قدره حتى بعد الإسلام كما في قصة أسارى بدر لما أتاه ابنه جبير بن مطعم .
الشاهد من هذا:
أن المطعم بن عدي خرج هو وأبناؤه ، ونادوا في قريش : إن محمدا في جواري
فدخل عليه الصلاة والسلام في جوار هذا الرجل كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية .
وقبل هجرته عليه الصلاة والسلام بأكثر من سنة حصلت حادثة الإسراء والمعراج
وحادثة الإسراء والمعراج قد تحدثت عنها في خطب سابقة
ولكن البلاء اشتد على النبي عليه الصلاة والسلام ، فأنزل الله عز وجل : ((فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ{94} إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ{95} الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ{96} وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ{97} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ{98} وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{99}))
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج .
جاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود انه عليه الصلاة والسلام كان يأتي إلى الوفود التي وفدت إلى مكة من اجل الحج ، ويقول : (( هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل ))
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي كان غفورا رحيما .