بسم الله الرحمن الرحيم

كأنما رسول الله صلى اله عليه وسلم في بداية دعوته ينظر بعين بصيرته إلى ما نحن فيه ويقرأ كلام المشككين ويسمع كلام الأفاكين الذين ينعون على المتمسكين بهذا الدين فتارة يلمزونهم وأخرى يسخرون منهم ومرة ثالثة يعيرونهم بأنهم لم يستطيعوا أن يحققوا أمراً ذي بال في هذه الحياة

حتى أنني أسمع نغمة حزينة من المتمسكين بهَدْى الله في هذا الزمان وكأنهم في غم ما بعده غم وكأنهم في كرب شديد وأمر جهيد بل ويصل الأمر ببعضهم أن يقول: لِمَ تخلَّت عنا عناية الله؟ لِمَ لم ينصرنا الله؟ وهذا أمر قال فيه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم {وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ} البقرة214

إخواني المتمسكين بهَدْى الله في وسط ظلمات هذه الحياة على المنهج الوسطي الذي اختاره لنا الله والذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالوا معي نسمع إلى ما قال فينا جميعاً سيدنا رسول الله

ويكفيك فخراً وشرفاً وتيهاً هذا الوسام تضعه على صدرك على مدى الأيام ثم تُمنح به وسام السعادة العظمى يوم الزحام يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشراً وحافزاً{لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ}[1]

وفي رواية أخرى يقول صلي الله عليه وسلم{لا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[2]

طائفة من الأمة وليس كل الأمة لأن الله قال في المؤمنين {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الأحزاب23

من جملة المؤمنين رجال هم أهل هذا الحديث وأهل هذه البشرى هؤلاء الرجال بِمَ بشَّرهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث؟ أنهم على الحق هم المستمسكون بالحق وهم المؤيدون بالحق وهم الذين تلحظهم على الدوام عناية الحق

فلا يهتمون بآراء وأفكار وكلمات الخلق ما داموا مسنودين بجانب الحق لا يُلقون بالاً إلى شائعات المرجفين ولا كلمات المتهمين لدين الله بالزور والبهتان بل يكونوا كأصحاب النبي العدنان صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آل عمران173

والنتيجة

{فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} آل عمران174

كلما أرادوا أن يَفُتُّوا في عزيمتهم زادت قوة إرادتهم كلما أرادوا أن يُخَذِّلونهم زاد الإصرار على العمل بشرع الله في قلوبهم أقوياء اليقين قائمين بالحق لا يضرهم من خذلهم من إخوانهم الذين يشاركونهم في الدين

ولكن انقلبوا على مُسوح العلمانية أو انقلبوا إلى الأفكار المتشددة الظلمانية وأخذوا ينعون عليهم في الوسطية التي اختارها الله في القرآن وكان عليها المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} البقرة143

لا يضرهم المتساهلين في العمل بهذا الدين ولا المتشددين الذين يتهمون بالتخاذل والتضعضع والضعف الآخرين يريدون أن يأخذوا الناس بالشدة في كل وقت وحين وهذا ليس في مستطاع الخلق في هذا الوقت والحين

ولا يضرهم من ناوأهم من الأعداء المتربصين إن كان المشركين أو اليهود أو الجاحدين أو الشيوعيين أو غيرهم لا يضرهم ذلك طرفة عين ولا أقل لأن إيمانهم راسخ في القلوب لا تهزه هذه الأعاصير وأصبح كلمة (لا إله إلا الله) في قلوبهم كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء

تهب عليها رياح العواصف المردية الإلحادية والإشراكية فلا تؤثر فيها ولا تزعزعها لأن الله ثَبَّتهم على الحق {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} إبراهيم27

وبشرهم الله بالنصر بأنهم سيمكثون على ذلك إلى يوم القيامة لن يستطيع أحد أن يهزمهم ولا أن يفل عضدهم ولا أن يكسر شوكتهم لأنهم يستمسكون بهدى الله وعاملون بشرع الله

من هم هؤلاء؟ المتمسكون بدينهم في هذا العصر والمتمسك بدينه ليس المحافظ على العبادات فقط لكنه المتمسك بالعبادات والقائم لله في الأخلاق والسلوكيات ويعاشر الخلق في التعاملات على منهج سيد السادات يتعامل بشرع الله ويتخلق في أخلاقه مع الخلق على خُلُق رسول الله وبعد ذلك هو مستمسك بفرائض الله يؤديها لله

يؤدي لله فرائضه بإخلاص وصدق وخشوع وحضور ومع الخلق يتعامل بأخلاق النبوة في الحديث والجلوس والزيارات والمودات ويتعامل معهم بأحكام الشريعة الغراء في البيع والشراء والمعاملات وهذا هو الصنف القليل في هذا الزمان

فإن المساجد عامرة بالمصلين لكن المصلي المستمسك بدينه وخُلُقه وتعامله مع الآخرين قليل في هذا الزمان فيه يقول صلى الله عليه وسلم {إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ}[3]


[1] صحيح مسلم وسنن ابن ماجة عن معاوية بن أبي سفيان
[2] تهذيب الآثار للطبري عن معاوية بن أبي سفيان
[3] صحيح مسلم وسنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة