التأسي بأخلاق القرآن مع الخلق
كان صلَّى الله عليه وسلَّم هو الأوحد في الأخلاق الإلهية، وهو الباز الأشهب في التخلق بالأخلاق القرآنية. فعرضه الله عزَّ وجلَّ على الأنبياء السابقين ومنهم من لم يصبر على أذى قومه، ومنهم من دعا بإهلاك قومه، ومنهم من تمنَّى على الله عزَّ وجلَّ أن ينزل كذا وكذا من أنواع الهلاك بقوم
فسلَّموا و عظَّموا صاحب هذا الخلق النبيل، وعرفوا أنه هو الأستاذ الجليل عند الله عزَّ وجلَّ، في كريم الخصال، وفي جميل الأخلاق، وفي حسن السجايا والطباع صلَّى الله عليه وسلم.
ومن هنا يا أحبابي ويا إخواني كان مفتاح العلا لمن أراد أن يكون له منزلة عند الله، ومقامات علا هي الجهاد في الأخلاق.
والجهاد في الأخلاق لا يكون إلا في وسط الخلق، فإن من أراد أن يعتزل الخلق ويعبد الله عزَّ وجلَّ، ربما سقط في الامتحان إذا تعرض للخلق ، لكن سيد الخلق صلَّى الله عليه وسلَّم،كان صاحب هذا المقام العظيم في القرب من الله. عزَّ وجلَّ .
إذن فإن سرَّ هذه الليلة هو إظهار محاسن أخلاقه، وإظهار جميل طباعه، وحسن سجاياه التي فطره عليها الله عزَّ وجلَّ، وأهمُّها، وأعمُّها، وأرقاها، وأحبُّها، .
أنه تمنَّى لأعدائه الهداية، وتمنَّى لأعدائه أن تلحقهم العناية، ولم يدعُ عليهم بالضلالة والغواية، ولا أن تنزل عليهم الكروب، أو أن تحيط بهم الخطوب.
ولذلك قال الله عزَّ وجلَّ عنه في كلامه المكتوب:
? فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ? (6سورة الكهف)
أي: ما هذه الأخلاق العظيمة العجيبة التي أنت عليها؟
إن السابقين من الأنبياء والمرسلين أجمعين، لم يتحمَّلوا فمنهم من قال:
? رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ? (26سورة نوح)
ومنهم من كان يطلب لهم سرعة نزول العقاب، أو أن يسرع الله عزَّ وجلَّ بإهلاكهم، لكنك لم تصبر على آذاهم وحسب، بل إنك دائماً تقول:
( اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُون )(1)ويطلب من الله لهم المهلة، ويطلب من الله عزَّ وجلَّ لهم الهداية.
وكذلك الأمر الأعظم عندما جاءه الأمين جبريل وقال له: يا محمد، الكريم يدعوك إليه، قال: يا أخي يا جبريل، ماذا يفعل بي؟، قال:
? لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ? (2سورة الفتح)
وهنا يُظهر الله وسعة رحمته، ومكنون شفقته فلم يكن يبحث عن نفسه قط، ولم يهتم بأمر نفسه لحظة من ليل أو نهار فقال: يا أخي يا جبريل الكريم يدعوني إليه، فماذا يفعل بأمتي؟ اهتم بأمر أمته.
وهكذا كان شأنه وحالته، فإن الله عزَّ وجلَّ أعلى أمره، وأظهر شأنه، لأنه لم يهتمّْ بنفسه، وإنما كان جلُّ اهتمامه بغيره ؛ سواء من الكافرين بدعوة الله لهم بالهداية أو من المؤمنين بأن يدعو الله ليغفر لهم، ويسامحهم، ويتجاوز عن أخطائهم، وأن يعمَّهم برعايته، وأن يجعلهم جميعاً من أهل وده وكرامته.
فقال الله عزَّ وجلَّ لجبريل: قل له:
? وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ? (5سورة الضحى)
قال: يا أخي يا جبريل، الآن طاب قلبي، ها أنا ذاهب إلى ربي.
حبيب دعاه الله للقرب واللقــا ومنه دنا لطفاً ثم حيَّـــــاه
وناداه يا محبوب ذاتي ونورهــــا تنعم بنور الوجه إني أنا الله
عليك لقد صلَّيت بالذات منة وأوليتك الرؤيا وما ترضـاه
ولكنه لم يلفته ذلك كله عن أمته.
بل إنه مدَّ يده إلى مولاه، غير سـائل لنفسه، وإنما سائلاً لنا أجمعين، من المؤمنين السابقين واللاحقين، وقال:
( يا ربِّ إنَّك عَذَبْتَ الأمَمَ قبْلي؛ بَعضَهُم بالمَسْخِ، وبعضهم بالخَسْفِ، وبعضهم بالقَذْفِ، فما أنت فاعلٌ بأمتي؟. فقال الله تعالى: أنا لهم ما عاشُوا، وأنا لهم إذا مَاتوا، وأنا لهم في القُبُور، وأنا لهم في النُشُـــور، ومن توكَّل علىَّ منهم كَفيْتُـــه، ومن أقرضني منهم جَازيْتُـــه، أنا الله ربُّ العـالمين لا أخُلِفُ الميعَــــــــاد)(2)
كان كل همُّه أحبابه وإخوانه من المؤمنين والمؤمنات:
? وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ? (19سورة محمد)
فزاد طمعاً فقال:
(يا ربِّ اجعل حساب أمتي إلىَّ؛ حتى لا يطلِّع على مساوئهم أحد غيري. فقال: يا محمد، لا أجعل حســاب أمتـك إلى غيري، حتى لا يطلع على مساوئهم أحد سواى ).
ثم أعطاه الله عينه لينظر إلى أعمال أمته إلى يوم لقاء الله، فقال لنا صّلى الله عليه وسلم:
( حَيَاتي خَيْرٌ لَكُمْ تُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ، فَإِذَا كَانَتْ وَفَاتي خَيْراً لَكُمْ، تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَإِنْ رَأَيْتُ خَيْراً حَمِدْتُ اللَّهَ، وَإِنْ رَأَيْتُ شَرًّا اسْتَغْفرَتُ لَكُمْ )(3)
وهذا سرُّ النفخة الإلهية التي تفضل عليه بها الله، وذكرها في الآيات القرآنية:
? لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? (1سورة الإسراء)
إنه صلَّى الله عليه وسلم السميع بمولاه، البصير بمولاه، لأن الله تفضل عليه بذلك؛ عندما وجد حنانه وشفقته وعطفه على هذه الأمة، وفرط رحمته، ليكشف عنهم كل غُمَّة، فأعطاه سمعه وبصره؛ ليرى بنور الله، وبسمع الله، وبصر الله كلَّ ما تفضَّل به عليه الله عزَّ وجلَّ لهذه الأمة،
من الجمال، والكمال، والنور، والبهاء، الذي أعطاه لهم الله، ويرى ذنوبهم فيضرع فيها إلى الله، فيستحقون ببركة دعائه فضل الله، وعطاياه صلَّى الله عليه وسلم.
فكل ذنب يغفره لنا الله بضراعة الحبيب الأعظم إلى الله، وكل فضل نناله من الله إنما بطلب الحبيب لنا من غيب الله عزَّ وجلَّ.
فأعظم به وأكرم من نبي كريم، ورسول عظيم، جعله الله عزَّ وجلَّ لنا أباً رؤوفاً رحيماً، وقال لنا في شأنه:
? عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ? (128سورةالتوبة)
ومن أراد أن يكرم بميراث نبوته، وأن ينال قسطاً وافراً من أبوته، فعليه أن يسير على هديه صلَّى الله عليه وسلم في هذه الرحلة الميمونة.
فعليه أولاً أن يمشي على نهجه في أخلاقه، ثم يغسل قلبه بماء أحبابه، وعلم العارفين الممنوحين شفاهاً وكفاحاً من حوضه صلَّى الله عليه وسلم، ثم يشرب من كاسات وصاله، فيستجيب الله عزَّ وجلَّ له، ويشرق بنوره على أرجاء قلبه، ويأخذه إلى فسيح عوالم إشاراته وأنواره، وينال بعد ذلك قسطاً وافراً من نوره، وجماله، وبهائه.
أرجو من الله عزَّ وجلَّ أن يكون لنا أجمعين قسطٌ وافرٌ من هذه الأنوار، وأن يجمعنا ظاهراً وباطناً على حضرة النبي المختار، وأن يفتح لنا من كنوز فضله عطاءاً وافراً، ويجعله بالمدرار، وأن يسقينا من كاسات وصله ليل نهار ، حتى نكون في معيته آناء الليل وأطراف النهار.
(1)أخبار أصبهان عن عبد الله بن مسعود رَضِيَ الله عنه، وفى رواية البخاري عنه، وصحيح بن حبان عن سهل بن سعدٍ ألساعدي رَضِيَ الله عنه: ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُون ).
(2 )وردت هذه الأحاديث بروايات عديدة، وكذا الحديث التالى بصفحة 89 ( ياربِّ اجعل حساب أمتى إلىَّ )، وفضيلة الأستاذ – هنا - قد جمع مقتطفات مصغرة من روايات عدة معاً لمناسبة المحاضرة ، وقد رأينا أن نترك تخريجها ؛ لشهرتها وكثرتها وسهولة الوصول لمن أراد الرجوع للتفاصيل .
(3 )رواه البزار عن ابن سعد عن بكر بن عبد اللَّه مُرسَلاً، كما روي بالإسناد الصحيح عن عبد الله بن مسعود.
كان صلَّى الله عليه وسلَّم هو الأوحد في الأخلاق الإلهية، وهو الباز الأشهب في التخلق بالأخلاق القرآنية. فعرضه الله عزَّ وجلَّ على الأنبياء السابقين ومنهم من لم يصبر على أذى قومه، ومنهم من دعا بإهلاك قومه، ومنهم من تمنَّى على الله عزَّ وجلَّ أن ينزل كذا وكذا من أنواع الهلاك بقوم
فسلَّموا و عظَّموا صاحب هذا الخلق النبيل، وعرفوا أنه هو الأستاذ الجليل عند الله عزَّ وجلَّ، في كريم الخصال، وفي جميل الأخلاق، وفي حسن السجايا والطباع صلَّى الله عليه وسلم.
ومن هنا يا أحبابي ويا إخواني كان مفتاح العلا لمن أراد أن يكون له منزلة عند الله، ومقامات علا هي الجهاد في الأخلاق.
والجهاد في الأخلاق لا يكون إلا في وسط الخلق، فإن من أراد أن يعتزل الخلق ويعبد الله عزَّ وجلَّ، ربما سقط في الامتحان إذا تعرض للخلق ، لكن سيد الخلق صلَّى الله عليه وسلَّم،كان صاحب هذا المقام العظيم في القرب من الله. عزَّ وجلَّ .
إذن فإن سرَّ هذه الليلة هو إظهار محاسن أخلاقه، وإظهار جميل طباعه، وحسن سجاياه التي فطره عليها الله عزَّ وجلَّ، وأهمُّها، وأعمُّها، وأرقاها، وأحبُّها، .
أنه تمنَّى لأعدائه الهداية، وتمنَّى لأعدائه أن تلحقهم العناية، ولم يدعُ عليهم بالضلالة والغواية، ولا أن تنزل عليهم الكروب، أو أن تحيط بهم الخطوب.
ولذلك قال الله عزَّ وجلَّ عنه في كلامه المكتوب:
? فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ? (6سورة الكهف)
أي: ما هذه الأخلاق العظيمة العجيبة التي أنت عليها؟
إن السابقين من الأنبياء والمرسلين أجمعين، لم يتحمَّلوا فمنهم من قال:
? رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ? (26سورة نوح)
ومنهم من كان يطلب لهم سرعة نزول العقاب، أو أن يسرع الله عزَّ وجلَّ بإهلاكهم، لكنك لم تصبر على آذاهم وحسب، بل إنك دائماً تقول:
( اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُون )(1)ويطلب من الله لهم المهلة، ويطلب من الله عزَّ وجلَّ لهم الهداية.
وكذلك الأمر الأعظم عندما جاءه الأمين جبريل وقال له: يا محمد، الكريم يدعوك إليه، قال: يا أخي يا جبريل، ماذا يفعل بي؟، قال:
? لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ? (2سورة الفتح)
وهنا يُظهر الله وسعة رحمته، ومكنون شفقته فلم يكن يبحث عن نفسه قط، ولم يهتم بأمر نفسه لحظة من ليل أو نهار فقال: يا أخي يا جبريل الكريم يدعوني إليه، فماذا يفعل بأمتي؟ اهتم بأمر أمته.
وهكذا كان شأنه وحالته، فإن الله عزَّ وجلَّ أعلى أمره، وأظهر شأنه، لأنه لم يهتمّْ بنفسه، وإنما كان جلُّ اهتمامه بغيره ؛ سواء من الكافرين بدعوة الله لهم بالهداية أو من المؤمنين بأن يدعو الله ليغفر لهم، ويسامحهم، ويتجاوز عن أخطائهم، وأن يعمَّهم برعايته، وأن يجعلهم جميعاً من أهل وده وكرامته.
فقال الله عزَّ وجلَّ لجبريل: قل له:
? وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ? (5سورة الضحى)
قال: يا أخي يا جبريل، الآن طاب قلبي، ها أنا ذاهب إلى ربي.
حبيب دعاه الله للقرب واللقــا ومنه دنا لطفاً ثم حيَّـــــاه
وناداه يا محبوب ذاتي ونورهــــا تنعم بنور الوجه إني أنا الله
عليك لقد صلَّيت بالذات منة وأوليتك الرؤيا وما ترضـاه
ولكنه لم يلفته ذلك كله عن أمته.
بل إنه مدَّ يده إلى مولاه، غير سـائل لنفسه، وإنما سائلاً لنا أجمعين، من المؤمنين السابقين واللاحقين، وقال:
( يا ربِّ إنَّك عَذَبْتَ الأمَمَ قبْلي؛ بَعضَهُم بالمَسْخِ، وبعضهم بالخَسْفِ، وبعضهم بالقَذْفِ، فما أنت فاعلٌ بأمتي؟. فقال الله تعالى: أنا لهم ما عاشُوا، وأنا لهم إذا مَاتوا، وأنا لهم في القُبُور، وأنا لهم في النُشُـــور، ومن توكَّل علىَّ منهم كَفيْتُـــه، ومن أقرضني منهم جَازيْتُـــه، أنا الله ربُّ العـالمين لا أخُلِفُ الميعَــــــــاد)(2)
كان كل همُّه أحبابه وإخوانه من المؤمنين والمؤمنات:
? وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ? (19سورة محمد)
فزاد طمعاً فقال:
(يا ربِّ اجعل حساب أمتي إلىَّ؛ حتى لا يطلِّع على مساوئهم أحد غيري. فقال: يا محمد، لا أجعل حســاب أمتـك إلى غيري، حتى لا يطلع على مساوئهم أحد سواى ).
ثم أعطاه الله عينه لينظر إلى أعمال أمته إلى يوم لقاء الله، فقال لنا صّلى الله عليه وسلم:
( حَيَاتي خَيْرٌ لَكُمْ تُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ، فَإِذَا كَانَتْ وَفَاتي خَيْراً لَكُمْ، تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَإِنْ رَأَيْتُ خَيْراً حَمِدْتُ اللَّهَ، وَإِنْ رَأَيْتُ شَرًّا اسْتَغْفرَتُ لَكُمْ )(3)
وهذا سرُّ النفخة الإلهية التي تفضل عليه بها الله، وذكرها في الآيات القرآنية:
? لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? (1سورة الإسراء)
إنه صلَّى الله عليه وسلم السميع بمولاه، البصير بمولاه، لأن الله تفضل عليه بذلك؛ عندما وجد حنانه وشفقته وعطفه على هذه الأمة، وفرط رحمته، ليكشف عنهم كل غُمَّة، فأعطاه سمعه وبصره؛ ليرى بنور الله، وبسمع الله، وبصر الله كلَّ ما تفضَّل به عليه الله عزَّ وجلَّ لهذه الأمة،
من الجمال، والكمال، والنور، والبهاء، الذي أعطاه لهم الله، ويرى ذنوبهم فيضرع فيها إلى الله، فيستحقون ببركة دعائه فضل الله، وعطاياه صلَّى الله عليه وسلم.
فكل ذنب يغفره لنا الله بضراعة الحبيب الأعظم إلى الله، وكل فضل نناله من الله إنما بطلب الحبيب لنا من غيب الله عزَّ وجلَّ.
فأعظم به وأكرم من نبي كريم، ورسول عظيم، جعله الله عزَّ وجلَّ لنا أباً رؤوفاً رحيماً، وقال لنا في شأنه:
? عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ? (128سورةالتوبة)
ومن أراد أن يكرم بميراث نبوته، وأن ينال قسطاً وافراً من أبوته، فعليه أن يسير على هديه صلَّى الله عليه وسلم في هذه الرحلة الميمونة.
فعليه أولاً أن يمشي على نهجه في أخلاقه، ثم يغسل قلبه بماء أحبابه، وعلم العارفين الممنوحين شفاهاً وكفاحاً من حوضه صلَّى الله عليه وسلم، ثم يشرب من كاسات وصاله، فيستجيب الله عزَّ وجلَّ له، ويشرق بنوره على أرجاء قلبه، ويأخذه إلى فسيح عوالم إشاراته وأنواره، وينال بعد ذلك قسطاً وافراً من نوره، وجماله، وبهائه.
أرجو من الله عزَّ وجلَّ أن يكون لنا أجمعين قسطٌ وافرٌ من هذه الأنوار، وأن يجمعنا ظاهراً وباطناً على حضرة النبي المختار، وأن يفتح لنا من كنوز فضله عطاءاً وافراً، ويجعله بالمدرار، وأن يسقينا من كاسات وصله ليل نهار ، حتى نكون في معيته آناء الليل وأطراف النهار.
(1)أخبار أصبهان عن عبد الله بن مسعود رَضِيَ الله عنه، وفى رواية البخاري عنه، وصحيح بن حبان عن سهل بن سعدٍ ألساعدي رَضِيَ الله عنه: ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُون ).
(2 )وردت هذه الأحاديث بروايات عديدة، وكذا الحديث التالى بصفحة 89 ( ياربِّ اجعل حساب أمتى إلىَّ )، وفضيلة الأستاذ – هنا - قد جمع مقتطفات مصغرة من روايات عدة معاً لمناسبة المحاضرة ، وقد رأينا أن نترك تخريجها ؛ لشهرتها وكثرتها وسهولة الوصول لمن أراد الرجوع للتفاصيل .
(3 )رواه البزار عن ابن سعد عن بكر بن عبد اللَّه مُرسَلاً، كما روي بالإسناد الصحيح عن عبد الله بن مسعود.