في آخر سورة النساء جاءت آية تتحدث عن ميراث الكلالة، والكلالة من مات ولم يترك والداً ولا ولداً، تقول الآية: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم} (النساء:176) جاء في سبب نزول هذه الآية الروايات التالية:
الرواية الأولى: روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وهما ماشيان، فأتاني، وقد أغمي علي، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصب علي وضوءه، فأفقت، فقلت: يا رسول! الله كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء، حتى نزلت آية المواريث.
الرواية الثانية: روى البزار في "مسنده" عن حذيفة رضي الله عنهما، قال: (نزلت آية الكلالة على النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإذا هو بحذيفة، وإذا رأس ناقة حذيفة عند مؤتزر -مَعْقِدُ الإِزارِ- النبي صلى الله عليه وسلم، فلقاها إياه، فنظر حذيفة؛ فإذا عمر رضي الله عنه، فلقاها إياه، فلما كان في خلافة عمر رضي الله عنه، نظر عمر في الكلالة، فدعا حذيفة، فسأله عنها، فقال حذيفة: لقد لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيتك كما لقاني، والله إني لصادق، والله لا أزيدك على ذلك شيئاً أبداً). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": "رواه البزار؛ ورجاله رجال الصحيح؛ غير أبي عبيدة بن حذيفة، ووثقه ابن حبان".
الرواية الثالثة: روى سعيد بن منصور في "سننه" وعبد الرزاق في "المصنف" عن طاوس؛ قال: أمر عمر حفصة أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، فأمهلته، حتى إذا لبس ثيابه؛ سألته عنها؛ فأملاها عليها، وقال: (ومن أمرك بهذا؟ أعمر؟ ما أظن أن يفهمها، أو لم تكفه آية الصيف؟). إسناده صحيح، لكنه مرسل. وأصله في "صحيح مسلم": أن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة؛ فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبا بكر، ثم قال: إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه؛ حتى طعن بإصبعه في صدري، وقال: (يا عمر! ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟) وإني إن أعش أقضي فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن) -وآية الصيف آخر آية في سورة النساء-.
ورواية "الصحيحين" هي المعول عليها في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وعلى هذا جمهور المفسرين.
قال البغوي: "نزلت في جابر بن عبد الله رضي الله عنهما" ثم ساق الحديث.
وقال القرطبي: "نزلت بسبب جابر رضي الله عنه" ثم ساق الحديث.
وقال ابن عاشور: "ثبت في "الصحيح" أن الذي سأله هو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما" ثم ساق الحديث إلى قوله: فنزل قوله تعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}.
إذن، حديث جابر هو الصحيح في نزول آية الكلالة آخر سورة النساء، بخلاف قوله تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت} (النساء:12) فإن هذه الآية لا تتفق مع حديث جابر، وإن قال بهذا بعض أهل العلم؛ لأن الآية المذكورة في أول السورة إنما هي في الإخوة لأم دون الأشقاء، وآية الكلالة المذكورة في آخر السورة في الإخوة الأشقاء .
وقد روى الطبري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال في خطبته: (ألا إن الآية التي أنزل الله في أول سورة النساء في شأن الفرائض، أنزلها الله في الولد والوالد، والآية الثانية أنزلها الله في الزوج والزوجة والإخوة من الأم، والآية التي ختم الله بها سورة النساء أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأم، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} (الأنفال:75) مما جرت الرحم من العصبة).
ومما يدل على أن آية أول النساء في الإخوة لأم، أن الله سوَّى بينهم في الميراث، فقال: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس} (النساء:12) وجعل لهم عند الاجتماع رجالاً ونساء الثلث بينهم جميعاً فقال: {فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث} (النساء:12) بينما جعل للشقيقة النصف، فإن كانتا اثنتين فأكثر، فلهما الثلثان مما ترك، كما أنه فضل ذَكَرهم على أنثاهم كالبنات تماماً، فقال: {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين} (النساء:176).
ويؤكد هذا أنه قد جاء في "مسند" الإمام أحمد بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لجابر: (يا جابر! إني لا أراك ميتاً من وجعك هذا، فإن الله قد أنزل، فبين الذي لأخواتك فجعل لهن الثلثين...) الحديث. فلو لم يكن شقيقات لما جعل لهن الثلثين.
وقد رجح الحافظ ابن كثير أن آية {يوصيكم الله في أولادكم} (النساء:11) نزلت في بنات سعد بن الربيع، وأن آية {يستفتونك في النساء} (النساء:176) نزلت في جابر رضي الله عنه؛ فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات، ولم يكن له بنات. وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": "وهذه قصة أخرى غير التي تقدمت فيما يظهر لي، وقد قدمت المستند واضحا في أوائل هذه السورة".
وحاصل القول: إن سبب نزول الآية قصة جابر لصحة سندها، وصراحة لفظها، وموافقتها للفظ الآية، وقواعد الفرائض، واتفاق أكثر المفسرين على ذلك.
ونختم بقول البراء بن عازب رضي الله عنه -كما في "الصحيحين"- قال: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت: {يستفتونك}.
الرواية الأولى: روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وهما ماشيان، فأتاني، وقد أغمي علي، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصب علي وضوءه، فأفقت، فقلت: يا رسول! الله كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء، حتى نزلت آية المواريث.
الرواية الثانية: روى البزار في "مسنده" عن حذيفة رضي الله عنهما، قال: (نزلت آية الكلالة على النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإذا هو بحذيفة، وإذا رأس ناقة حذيفة عند مؤتزر -مَعْقِدُ الإِزارِ- النبي صلى الله عليه وسلم، فلقاها إياه، فنظر حذيفة؛ فإذا عمر رضي الله عنه، فلقاها إياه، فلما كان في خلافة عمر رضي الله عنه، نظر عمر في الكلالة، فدعا حذيفة، فسأله عنها، فقال حذيفة: لقد لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيتك كما لقاني، والله إني لصادق، والله لا أزيدك على ذلك شيئاً أبداً). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": "رواه البزار؛ ورجاله رجال الصحيح؛ غير أبي عبيدة بن حذيفة، ووثقه ابن حبان".
الرواية الثالثة: روى سعيد بن منصور في "سننه" وعبد الرزاق في "المصنف" عن طاوس؛ قال: أمر عمر حفصة أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، فأمهلته، حتى إذا لبس ثيابه؛ سألته عنها؛ فأملاها عليها، وقال: (ومن أمرك بهذا؟ أعمر؟ ما أظن أن يفهمها، أو لم تكفه آية الصيف؟). إسناده صحيح، لكنه مرسل. وأصله في "صحيح مسلم": أن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة؛ فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبا بكر، ثم قال: إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه؛ حتى طعن بإصبعه في صدري، وقال: (يا عمر! ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟) وإني إن أعش أقضي فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن) -وآية الصيف آخر آية في سورة النساء-.
ورواية "الصحيحين" هي المعول عليها في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وعلى هذا جمهور المفسرين.
قال البغوي: "نزلت في جابر بن عبد الله رضي الله عنهما" ثم ساق الحديث.
وقال القرطبي: "نزلت بسبب جابر رضي الله عنه" ثم ساق الحديث.
وقال ابن عاشور: "ثبت في "الصحيح" أن الذي سأله هو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما" ثم ساق الحديث إلى قوله: فنزل قوله تعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}.
إذن، حديث جابر هو الصحيح في نزول آية الكلالة آخر سورة النساء، بخلاف قوله تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت} (النساء:12) فإن هذه الآية لا تتفق مع حديث جابر، وإن قال بهذا بعض أهل العلم؛ لأن الآية المذكورة في أول السورة إنما هي في الإخوة لأم دون الأشقاء، وآية الكلالة المذكورة في آخر السورة في الإخوة الأشقاء .
وقد روى الطبري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال في خطبته: (ألا إن الآية التي أنزل الله في أول سورة النساء في شأن الفرائض، أنزلها الله في الولد والوالد، والآية الثانية أنزلها الله في الزوج والزوجة والإخوة من الأم، والآية التي ختم الله بها سورة النساء أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأم، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} (الأنفال:75) مما جرت الرحم من العصبة).
ومما يدل على أن آية أول النساء في الإخوة لأم، أن الله سوَّى بينهم في الميراث، فقال: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس} (النساء:12) وجعل لهم عند الاجتماع رجالاً ونساء الثلث بينهم جميعاً فقال: {فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث} (النساء:12) بينما جعل للشقيقة النصف، فإن كانتا اثنتين فأكثر، فلهما الثلثان مما ترك، كما أنه فضل ذَكَرهم على أنثاهم كالبنات تماماً، فقال: {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين} (النساء:176).
ويؤكد هذا أنه قد جاء في "مسند" الإمام أحمد بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لجابر: (يا جابر! إني لا أراك ميتاً من وجعك هذا، فإن الله قد أنزل، فبين الذي لأخواتك فجعل لهن الثلثين...) الحديث. فلو لم يكن شقيقات لما جعل لهن الثلثين.
وقد رجح الحافظ ابن كثير أن آية {يوصيكم الله في أولادكم} (النساء:11) نزلت في بنات سعد بن الربيع، وأن آية {يستفتونك في النساء} (النساء:176) نزلت في جابر رضي الله عنه؛ فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات، ولم يكن له بنات. وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": "وهذه قصة أخرى غير التي تقدمت فيما يظهر لي، وقد قدمت المستند واضحا في أوائل هذه السورة".
وحاصل القول: إن سبب نزول الآية قصة جابر لصحة سندها، وصراحة لفظها، وموافقتها للفظ الآية، وقواعد الفرائض، واتفاق أكثر المفسرين على ذلك.
ونختم بقول البراء بن عازب رضي الله عنه -كما في "الصحيحين"- قال: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت: {يستفتونك}.