الحكم بما أنزل الله

بسم الله الرحمن الرحيم

)فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً((النساء:65)

أيها المسلمون :
هذا قسم من الله بذاته المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم
في جميع أمور دينه ودنياه .
فما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو الحق المشروع الذي يجب الانقياد له ظاهراً وباطناً ولهذا قال تعالى ثم لا يجدوا في أنفسهم
أي يجب أن يطيعوك يا محمد صلى الله عليه وسلم
في الظاهر بالانقياد التام والكامل لهذا الحكم الشرعي .
ويجب أن يطيعوك في الباطن فلا يتذمرون ولا يجزعون من هذا الحكم الشرعي .
ويسلموا تسليماً كاملاً بدون مماطلة ولا ممانعة وبدون مدافعة ولا منازعة .
وهذا ما أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم
في قوله والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به .
روى الإمام البخاري في صحيحه : عن عروة قال خاصم الزبير رجلٌ من الأنصار وكانت الخصومة حول من يسقي بالماء أولاً .
وكان الحكم بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال اسقِ يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك
فاعترض الأنصاري قائلاً يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن كان ابن عمتك .

أي لأنه ابن عمتك أعطيته الماء ليسقي قبلي فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قال اسقِ يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع الجدر ثم أرسله إلى جارك .
قال الزبير والله ما احسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك أي من أجل هذا الموقف )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً((النساء:65)
الكثير منا يقرأ هذه الآية ولكنه لا يعمل بها لذلك تجدنا نذهب إلى علماء الشرع ليحكموا بيننا إذا كنا نعتقد أن الحق لنا بدون أدنى شك حسب اعتقادنا وقناعتنا وأهوائنا .
أما إذا كان يعتقد أن الحق ليس له فإنه يرفض الذهاب إلى حكم الشرع أو المفتي ليحكم بينهم ويريد الذهاب إلى العارفة لأن في حكم العارفة مصلحة له فهو يريد الحصول على المال أو على قطعة الأرض أو على مكان الساقية مهما كان الثمن حتى ولو باع دينه بهذه الأشبار القليلة هذا لا يهمه .
علماً أنه من يرفض حكم الشرع فقد خرج من الملة الإسلامية وإن صام وصلى وأطال اللحية والدليل على ذلك قوله تعالى :
) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ((المائدة: من الآية44)
وفي القصة التالية توضيح لهذا المعنى :
فقد اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقضى بينهما فقال المقضي عليه ردنا إلى أبو بكر أي أنه رفض حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأنه لم يحكم لصالحه وأراد حكم أبو بكر عسى ولعل أنه سيكون في صالحه فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
انطلقا إليه .
وعندما وصلا إلى أبو بكر وأخبراه بالقصة رفض الحكم بينهما لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حكم بينهما ولا حكم بعد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فانطلقا إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وعندما وصلا إليه قال الرجل يا ابن الخطاب قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
على هذا فقال ردنا إلى أبو بكر فردنا إليه فلم يحكم بيننا ثم قال ردنا إلى عمر فردنا إليك .
فقال عمر للآخر أهكذا حدث قال نعم قال عمر مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما فخرج إليهما مشتملاً على سيفه فضرب عنق الذي رفض حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
الله فقتله وهرب الآخر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قتل عمر والله صاحبي ولولا أني أعجزته لقتلني .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما كنت أظن عمر يجترئ على قتل مؤمن فنزل القرآن مؤيداً عمر رضي الله عنه في عمله و نفى الله صفة الإيمان عن ذلك الرجل الذي رفض حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبرئ عمر من قتله فقال تعالى :
)فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً((النساء:65)
أي من لم يحكم كتاب الله وسنة رسوله فليس مؤمناً ولكن من أين تأتي بمثل عمر في هذا الزمان ليملئ الشوارع برؤوس أولئك الذين يرفضون حكم الشرع فيراوغون عنه ويهربون منه ولو حصل هذا لوجدت أن أكثر أصحاب الرؤوس المقطوعة هم الذين يختبؤون وراء اللحية لأكل أموال الناس بالباطل .
ففريق من الناس مختص بتزحيف الحد مع جاره ليكسب أشباراً قليلة لا أدري هل ستغنيه في هذه الدنيا أم ستحميه من عذاب الآخرة .
وفريق آخر لا يشبع من الأشبار فيريد أن يحصل على العديد من الدونمات بأي شكل كان بحلف الأيمان الكاذبة أم بإحضار شهداء الزور .
ويضع الشرع وراء ظهره المهم أن يكسب ، حلالاً أم حراماً هذا لا يهم .
فكيف يكذب المسلم وهو يؤمن بالله ليأكل حقوق عباد الله بالباطل .
كيف يتجرأ المسلم على أكل مال أخيه المسلم وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ألا يخجل من وقفته أمام الله .
عندما سيسأله لماذا ظلمت فلان وقد حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراماً ماذا سنقول لله هل نقول له كنا جياعاً لنأكل أم كنا عراة لنلبس .
أم هذا الطمع الذي أعمى العيون .
أيها المسلمون :
كثرت الخلافات بين الناس وتخليهم عن أحكام دينهم لأبسط السباب جعلنا نفقد الثقة حتى بأنفسنا هل نستطيع أن نقول الحق أم أننا سنداري فلان وعلان ونخاف من زعلهم لأن لنا مصلحة معهم هل نستطيع أن نرضى بحكم شرعنا ونرضى بحقوقنا أم أننا لا نرتاح حتى نتعدى على حقوق الآخرين الكلام سهل فكلنا نقول نحن مع الحق ومع الشرع ولكن مع كل أسف في أول امتحان لنا وعند أبسط مشكلة تواجهنا نضع الشرع ونضع الدين وراء ظهورنا .
فنأسف على أنفسنا التي تدعي الإسلام فتخالف تعاليمه ولا ترضى بحكمه .
نأسف على رجال يرون الحق فيماطلون ويدعون إلى شرع الله ليحكم بينهم فيرفضون طمعاً بليرات أو بأشبار قليلة .
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا اللهم إنا نعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق .
صلى الله عليه وسلم