احيانا غيرتنا على ديننا تجعلنا لا نحسن التصرف مع المخطئ وقد ننفرة باسلوبنا الخاطئ بالامور الدينية فالدعوة الى الله تحتاج الى العلم ، الرفق و اللين و الرحمة مع الناس(فَبِمَا رَحْمَةٍ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)


لِمَا للأخلاق من أهمية نجدها في جانب العقيدة؛ حيث يربط الله - سبحانه وتعالى - ورسوله بين الإيمان وحسن الخلق؛ ففي الحديث لما سُئِل الرسول: أي المؤمنين أفضل إيمانًا؟ قال: ((أحسنهم أخلاقًا)).
وعلى الرغم من أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُعرَف بين قومه من قبل الرسالة بالصادق الأمين، فكان اصطفاء الله - عز وجل - له زيادة على هذه الأخلاق، فكان موصِّلاً أمينًا لصورة الأخلاق المطلوبة على وجه الأرض من قبل السماء، ولأن الأخلاق لا تظهر على حقيقتها إلا بالاختلاط بالناس والاحتكاك بهم، كانت الأمثلة الواقعة في حياته الشريفة - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعظم مثل وقدوة على قضية الأخلاق وحسن المعاملة من الجانب العملي إلى البشرية.

قد وضحت عشرات المصادر أخلاقه وتعاملاته مع غير المسلمين في الدعوة، ومع كل المستويات الثقافية والعلمية والأدبية المختلفة:



رفق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِمَن بال في المسجد:
وبينما النبي جالسٌ ذات يوم بين أصحابه في مسجده، إذ دخل أعرابي فصلى ركعتين ثم ما لبث أن عرضت له حاجته، فتنحَّى وتبوَّل في ناحيةٍ من المسجد، فثار إليه الصحابة ليقعوا به بسبب هذه الفعلة الشنيعة، أمَا يدري أن طهارة المكان شرطٌ من شروط صحَّة الصلاة؟
رأى النبي هبَّة الصحابة في وجه الأعرابي، وأدرك أن مثل هذا الأعرابي جاهِلٌ بأحكام المساجد، غير قاصد هتك حرمتها، فقال: ((لا تُزرِموه، دعوه))؛ وذلك حتى لا يتأذَّى بحبس بوله وانقطاعه، وأرشدهم إلى حلٍّ بسيطٍ تصغر بمثله كلُّ مشكلة مهما كبرت في عيون أصحابها، فقال: ((هريقوا على بوله سَجْلاً من ماء أو ذَنوبًا من ماء؛ فإنما بُعِثتم ميسِّرين ولم تُبعَثوا معسِّرين))، ثم لما أتَمَّ الرجل حاجته دعاه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال له موجِّهًا وناصحًا: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القَذَر، إنما هي لذكر الله - عزَّ وجلَّ - والصلاة وقراءة القرآن...)).

وفي هذا الحديث: \"الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء، إذا لم يأتِ بالمخالفة استخفافًا أو عنادًا، وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفِّهما لقوله: ((دعوه)).



رفقه - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع مَن تكلم في الصلاة

نتدبَّر موقفًا يقصُّه معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - فقد دخل المسجد يومًا يصلي مع الصحابة خلف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعطس رجلٌ أمامَه، فشمَّته معاوية وهو يصلي، ولما كانت الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس استنكر الصحابة فعله، وهم في صلاتهم، يقول معاوية: \"فحدقني القوم بأبصارهم\"؛ لاستغرابهم من رجلٍ يتحدث وهو في الصلاة.لكن الموقف ازداد تعقيدًا حين استنكر معاوية أنظارهم، وجعل يقول لهم وهو في صلاته: \"وا ثكل أمياه! ما لكم تنظرون إليَّ؟!\"، فزاد استنكار الصحابة لكلامه في الصلاة، \"فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم\"، وأخيرًا فَهِم معاوية مرادهم: \"فلمَّا رأيتهم يسكتونني سكتُّ\".
يقول معاوية: فلمَّا انصرف رسول الله دعاني، بأبي هو وأمي، ما ضربني ولا كهرني ولا سبَّني، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)).



رفق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالشاب الذي يريد أن يزني:ذاتَ يومٍ دخَل شابٌّ على نبي الطُّهْرِ والفضيلة يستأذنه في أمرٍ جلل، فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا.فقال له الرسول : ((ادنه))، فدنا منه الشابُّ قريبًا فقال له: ((أتحبُّه لأمِّك؟))، فانتفض الشاب غَيْرَةً على أمِّه وقال: لا والله، جعلني الله فداءك، فقال له: ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم))، ومضى النبيُّ يستثير كوامن الغَيْرَةِ الممدوحة في صدر الشاب: ((أفتحبُّه لابنتك؟))، فأجاب الشاب: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، فأجابه النبي بمنطقية المربي: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم)).
فقال الرسول : ((اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه))، واستجاب الله له، يقول أبو أمامة: فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء.


قصة بليغة تضمَّنت دروسًا متعدِّدة في التعامل مع المخطئ، أولها الدعاء له والحنوُّ عليه، والسماح له بالتعبير عن كوامنه، واستجاشة الخير الذي لا يخلو منه قلب خاطئ أبدًا، وفيها دعوةٌ لنا لنُراجِع أنفسنا، ونغيِّر من طريقتنا في التعبير عن ضجرنا من أخطاء أبنائنا وأصدقائنا