بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة و العلم، و من وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، لازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، والحديث اليوم رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ))
[ مسلم، الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]
وكنت قد بينت هذا المعنى من خلال مثل، لو أن عندك في البيت كمية محدودة من اللبن، وجاءك ضيوف كثر، قد تضيف لهذه الكمية خمسة أمثالها ماءً، وتجعله شراباً سائغاً، وتقدمه كضيافة، أما لو أمسكت قطارة، ووضعت فيه قطرة بترول واحدة هل يمكن أن تشربه ؟ خمسة أضعاف مددته بالماء، وقبلها، وأصبح شراباً سائغاً، أما قطرة واحدة من البترول أفسده كله، وألقيته في المكان المهمل، لذلك الكبر أيها الإخوة الكرام، يتناقض مع العبودية، (( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ))
التواضع ليس تصنعاً، بل هو حقيقة، العبد عبد والرب رب، من أنت أمام خالق السماوات والأرض ؟ من الذي يجرؤ أن يقول: أنا ؟ صحابة النبي عليه الصلاة والسلام وهم قمم البشر حينما قالوا: نحن لن نغلب من قلة في حنين، فتخلى الله عنهم، قال تعالى:
﴿ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
[ سورة التوبة: الآية 25]
لاحظ نفسك، تقول: أنا، من أنت ؟ أنا عندي خبرات متراكمة، الذي يقول هذا أحياناً يرتكب حماقة لا يرتكبها طفل صغير، إذا قال: عندي خبرات متراكمة، أحياناً يدعي الإنسان أنه من نسب شريف، أو يحوي ثروة طائلة، أو عنده بيت فاره، ومركبة حديثة، كلما قال: أنا، وعندي، ولي، ونحن هذه كلمات مهلكات، نحن، قال هذا الكلام قوم بلقيس، قال تعالى:
﴿ نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾
[ سورة النمل: الآية 33]
فأهلكهم الله، وقال: إبليس: أنا خير منه، فأهلكه الله، وقال فرعون: أليس لي ملك مصر، فأهلكه الله، وقال قارون: إنما أوتيته على علم عندي.
العبرة ألا تنسى الله، ألا تعتد بقوتك، ألا تعتد بمالك، ألا تعتد بجاهك، ألا تعتد بنسبك، ألا تعتد بعلمك، يمكن أن تكون عالماً، لكن من الذي علمك ؟ من الذي يسر لك العلم ؟ يمكن أن تكون غنياً، من الذي رزقك ؟ يمكن أن تكون قوياً، من الذي مكنك ؟ يمكن أن تكون ذا حسب ونسب، من الذي جعلك نسلك من هذا الأب العظيم ؟ إذاً حينما تفتخر بنسبك، أو بحسبك، أو بقوتك، أو بسلطانك، أو بمالك، أو بجاهك، أو بعلمك، أو بخبراتك، فأنت وقعت في الشرك الخفي، وكل إنسان وقع في الشرك الخفي له عند الله تأديب من نوع معين، أحياناً أستاذ جامعي من كبار الأساتذة كان يلقي محاضرات عديدة في تحذير الناس من مسببات السرطان، والكلام صحيح، وهو محق في ذلك، لكن بث الرعب في قلوب الناس لدرجة لا توصف، أي شيء تستخدمه قد يسبب سرطاناً، وألقى المحاضرات في الجامعات في بلده، وفي بلاد مجاورة، وألف الموسوعات، وحينما بلغ سناً معينة أصابه هذا المرض، فسمعت قبل يومين أنه بكى، وقال: أنا الذي حذرت الناس حياتي من هذا المرض أموت بهذا المرض، هناك حكمة بالغة، أنت حينما تظن أنك ناج هذا هو الخطأ بعينه.
أوضح مثل أيها الإخوة الكرام، إن أردت السفر يمكن أن تأخذ الاحتياط الكافي، تراجع مركبتك، لكن دقق الآن، إذا راجعت مركبك، وشعرت أنك مطمئن لا بحفظ الله، بل بقوة هذه المركبة، وبتجديدها، وبمراجعة كل أجزائها، هذا نوع من الشرك، المشكلة هو أنك يمكن أن تراجع المركبة فتقع في الشرك الخفي، ويمكن ألا تراجعها فتقع في المعصية، وقد تكون القاتلة، والتطرف دائماً سهل، سهل جداً أن تتواكل بسذاجة ما بعدها سذاجة، وسهل جداً أن تأخذ بالأسباب بشكل دقيق جداً، وهذه الدقة البالغة تنسيك ربك، ما من داعٍ، إذاً قضية الكبر قضية تتناقض مع الإيمان. (( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ))
المؤمن من شدة أدبه مع الله إذا أكل طعاماً يقول: الحمد لله الذي رزقنا هذا الطعام، إذا قبض راتبه: الحمد لله الذي أعاننا على أن نكون في وظيفة نأخذ في آخر الشهر ما يعيننا على هذه الحياة، إذا دخل بيته يقول: الحمد لله الذي آواني، وكم من لا مأوى له، إذا أراد أن يلقي كلمة، أو أن يقوم بعمل ذي بال يقول: اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي، والتجأت إلى حولك وقوتك، يا ذا القوة المتين، هذا ليس تواضعاً لله، هذه حقيقة، فأنت حينما تتوكل على الله، حينما تعزو الفضل إلى الله، حينما لا تنسى فضل الله عليك، قال تعالى:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
[ سورة النساء: الآية 113]
فكر أن كل كلمة ينبغي أن تقولها وفق التوحيد.
أيها الإخوة الكرام، هناك حقيقة، أنه كلما تذللت إلى الله عز وجل أعزك الله، المؤمن يمرغ جبهته على أعتاب الله، فيعزه الله، ويرفع شأنه، ويعلي قدره، ويجعل له هيبة، من رآه هابه، والذي يعتز بغير الله بماله أو بسلطانه، أو بنسبه أو بحسبه، أو بمتاعه الله عز وجل تأديباً له، و محبة له من أن يتمادى في الشرك، يؤدبه بالذي اعتز به، أحياناً يكون الطبيب متفوقًا باختصاص معين، يلقى في روعه دون أن يشعر أو يتوهم إلى درجة أنه لا ينتبه أنه لن يصاب بمرض اختصاصه، لأنه يعرف دخائل هذا المرض، و يعرف دقائقه، و يعرف أسبابه، و يعرف علله، و يعرف طرق الوقاية منه، و الذي يحدث أن معظم الأطباء الذين غفلوا عن الله عز وجل، و تفوقوا في اختصاص معين يصابون باختصاصهم، إياك أن تقول: أنا، قالها إبليس، فأهلكه الله، و قالها فرعون، فأهلكه الله، و قالها قارون فأهلكه الله، و قالها قوم سبأ فأهلكهم الله عز وجل.
ممكن أن ألخص لك الموضوع، إذا قلت: أنا تخلى الله عنك، و إذا قلت: الله تولاك، جرب قبل أن تدخل إلى عملك، يا رب افتح لي أبوابك رحمتك، افتح أبواب فضلك يا رب، يا رب أعوذ بك من أن أَضل أو أُضل، أو أَذل أو أُذل، أو أَجهل أو يُجهل علي، ادخل على البيت سمّ الله عز وجل، و سلم على أهلك، قل: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم، تجد البيت فيه رحمة، البيت رحماني، فيه مودة، فيه تعاون، فيه صوت منخفض.
أيها الإخوة الكرام، هذا الحديث يمس كل واحد منا: (( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ))
الكبر يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، الكبر يتناقض مع العبودية لله عز وجل، (( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ))
و كلما ازددت قرباً من الله ازددت تواضعاً، كلما ازددت علماً ازددت تواضعاً، يقول الإمام الشافعي: " كلما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي "، فهذا التواضع لله، و هذا الافتقار، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
[ سورة آل عمران: الآية 123]
أيها الإخوة الكرام، لكن القضية ليست تصنعاً، القضية رؤيا، أنت حينما ترى ضعفك، و ترى جهلك، و ترى افتقارك، و ترى أن الله تفضل عليك، ترى أن الله أعطاك، هؤلاء الذين يرتكبون حماقات كبيرة بشر، و لهم أهل تركوا العلم ابتعدوا عن الحق تورطوا، ارتكبوا حماقات، أودعوا السجون.
ألا ورب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً، ألا يا رُبّ نفس طاعمة ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة، ألا يا رب جائعة عارية في الدنيا طاعمة ناعمة يوم القيامة، ألا ورب مكرم نفسه، و هو لها مهين، ألا يا رب مهين نفسه، و هو لها مكرم.
إذاً قضية أن تنظر إلى ما سيكون في المستقبل هي البطولة، الله عز وجل قال:
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾
[ سورة الأعراف: الآية 128]
العبرة من يضحك آخراً، العبرة أن تدخل الجنة بسلام، العبرة أن تغادر الدنيا، و لك قلب سليم:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
[ سورة الشعراء ]
العبرة أيها الإخوة الكرام أن تعرف ما سيكون في النهاية، ابدأ من النهاية، قال تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
[ سورة الملك: الآية 2]
بدأ بالموت، يعني بدأ بالنهاية، وما من إنسان يفلح إلا إذا بدأ من النهاية، النهاية هي الموت فما الذي ينجيني عند الموت ؟ وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن، وأنا أحب أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله، أو ولده حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه، لذلك لا تقلق إذا كنت في العناية المشددة، افرح، بل ابك فرحاً إذا كان الله يعالجك، إذا كنت في دائرة المعالجة فافرح، لأن الله علم فيك خيراً، أما المصيبة الكبيرة أن يمدك بكل شيء، وأنت تعصيه إذا رأيت ربك يتابع نعمه عليك، وأنت تعصيه فاحذره عندئذ تنطبق على الإنسان الآية المخيفة، قال تعالى:
﴿ نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
[ سورة الأنعام: الآية 44]
الكبر يأتي من الجهل، والتواضع يأتي من العلم، الكبر يأتي من الانقطاع على الله، والتواضع يأتي من الاتصال بالله، الكبر يأتي من التقوقع والتواضع يأتي من الانفتاح، أنت حينما تلتقي بالآخرين ترى من هو أعلم منك، ترى من هو أورع منك، ترى من هو أقرب منك إلى الله تتواضع بل تصغر، وحينما تتواضع وتصغر من أجل أن تكبر، أما حينما تتقوقع، وتعزل نفسك عن الآخرين تتوهم أنك في القمة، وأنت لست كذلك، أنت في الحضيض، هذا الكلام كلام النبي عليه الصلاة والسلام، أوقع بعض الصحابة في اللبس، فقال رجل: يا رسول الله، (( إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ))
هذه حاجة عند الإنسان يكون أنيقاً، نظيفاً، بيته لطيف، دكانه نظيف، مرتب، هذه حاجة عند الإنسان الراقي، والإسلام حضارة لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن دفن أحد أصحابه الذي حفر القبر، أبقى فيه فرجة، فقال عليه الصلاة والسلام: إن هذه لا تؤذي الميت، ولكنها تؤذي الحي، إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه.
إذاً إتقان العمل من الدين، أن تعرف الله هذه المعرفة تدعوك إلى التواضع، أن تتصل بالله هذه الصلة تفضي بك إلى التواضع، أما البعد عن الله، وعدم طاعة الله يأتي الشيطان فينطق في الإنسان أنت بجرة قلم تهلك، واحد بجرة قلم تسعد، واحد كلها أوهام هذه الفقرة الأولى في هذا الحديث.
هذا الصحابي أشكل عليه شيء، قَالَ رَجُلٌ: (( إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ))
هل هذا من الكبر ؟ النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا، قَالَ: (( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
طبعاً هذا الحديث هناك من يبالغ في إساءة فهمه، يملأ عينيه من الحرام، ويقول: إن الله جميل يحب الجمال، ليس هذا هو المعنى، المعنى إذا كان بيتك نظيفاً ومرتباً، فهذا سبب محبة الله لك، إذا كنت نظيفاً ومرتباً، وذا هندام حسن، أصلحت شعرك، أصلحت نعلك، أصلحت ثوبك، حسنوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا شامة بين الناس.
أيها الإخوة الكرام، كلام دقيق وعميق، وأساسي، الجمال حاجة عند الإنسان، فالذي في بيته فوضى، وفي مناظر مؤذية جداً، الحاجات مبعثرة، وما ثمة نظام للحاجات، فهذا البيت يدعو إلى الضيق، ترى فيه توترًا، أما البيت المريح، البيت النظيف، الحاجات القليلة موزعة توزيعًا لطيفًا، الألوان متناسبة، هذا البيت يصبح جنة، وقد قال بعضهم: جنة المؤمن داره، هذا المكان الذي تأوي إليه ينبغي أن يكون مرتباً، لا أقصد الأغنياء، قد تكون أفقر الفقراء، وبيتك نظيف، ومرتب، هذه لا علاقة لها بالغنى والفقر، قضية ذوق، الحاجات التي لا تحتاجها كثيراً هي أمامك، وعن يمينك، وعن يسارك، وملقاة بشكل فوضوي، وإن أردت أن تأخذ بعضها لا تجده، لا نظام في غرفة الجلوس، ولا في مكتبك، ولا في مكتبتك، ولا في غرفة النوم، ولا في غرف الاستقبال، حاجات لا لزوم لها إطلاقاً تراها بوجهك دائماً، ما هناك تنسيق، ولا ترتيب، ما لا تصفية، البيت الفوضوي يدعو إلى الضيق، (( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
قد تدخل إلى محل أدوية صيدلية، الأدوية على الأرض، وغير منسقة، ومن أجل أن يبحث لك عن حاجتك يبقى وقتاً طويلاً، تدخل صيدلية أخرى، نظام، نظافة، أناقة، ترتيب، كل شيء في مكانه.
والحقيقة يا أيها الإخوة الكرام، العالم الغربي متفوق في هذا، لا تجد في أبنيتهم، ولا في طرقهم، ولا في حدائقهم، ولا في مؤسساتهم، ولا في معاملهم شيئًا منفرًا، حتى الأشياء التي تحتاج إلى نظافة زائدة كأنك جالس في أرقى مكان، (( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
لما نحن أهملنا بلادنا، وأهملنا مرافقنا، وأهملنا بيوتنا، أحيانا الدولة مشكورة، تقيم حديقة عامة، أحياناً لا تستطيع أن تدخل إليها من بقايا الطعام، هذا ذنب المواطن، (( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
كلمة: (( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
تأنق في بيتك، وتأنق في عملك، وتأنق في مركبتك، وتأنق في هندامك، وتأنق في مظهرك، هذه من صفات المؤمن، لكن مع الأسف الشديد الطرف الآخر أتقن هذا آلاف الأضعاف عما أتقنه المسلمون، بشكل مؤلم جداً، وكأن الإسلام مظنة فوضى، والإسلام مظنة ما فيه جمال، في قراهم، ولا في بيوتهم، ولا في مرافقهم، قد يقول البعض: قد يكون فقراً، لكن أحياناً لو أنه طلي بأرخص أنواع الطلاء، لون لطيف، فاتح، يعمل راحة نفسية، لو أنه اخترت الأثاث متناسبًا بألوانه، لا يكلفك هذا شيئًا.
أنا أصر على هذا الناحية الجمالية، حاجة أساسية في مظهرنا، وفي بيوتنا، وفي أعمالنا، وفي محلاتنا، وفي مكاتبنا، وفي كل شيء، لذلك يذهب أبناؤنا إلى بلاد الغرب فيدهشون من النظافة، والأناقة، والجمال، هذا الذي يجلب الناس إلى تلك البلاد.
والله مرة كنت في استنبول، فدخلت إلى مسجد في البوسفور، شيء لا يصدق من الأناقة والترتيب، وحديقة فيها حشيش أخضر، فيها ورود، إذا دخل إنسان بيتًا من بيوت الله، ورأى فيه الأناقة والجمال يرتاح نفسياً.
بالمناسبة الغربيون أدركوا هذه الحقيقة، المحل الجميل، والأنيق، والمرتب، والنظيف يستجلب الزبائن بأعداد كبيرة جداً، فنحن يجب أن يكون في حياتنا مسحة جميلة، هذا معنى: (( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
ابدأ بجسمك، ابدأ بشعرك، ابدأ بثيابك، ابدأ ببيتك، غرفة غرفة، أحياناً تنزع المدفأة، ويبقى الشريط طوال السنة، منظر لا يحتمل، لو دخلت إلى بيت ترى أخطاء كبيرة جداً منفرة كلها، هناك إنسان لو انتزع مسمارًا من ثقب أسود محله يأتي بشيء من الجبصين فيعبئه، شيء دقيق جداً، لكنه مريح، أحياناً ترى نظافة، لكن الزوايا كلها سوداء، لا يوجد نظافة، مهما نظفت الأرض والمرافق فما دامت الزوايا سوداء فالمنظر مخرش، هناك من يعتني بالزوايا.
حدثني صديق أنشأ معمل أدوية، بعد ما أنشأه كلفه مبالغ فلكية، جاءت الشركة التي هو وكيلها، فرفضوا البناء، ما السبب ؟ طبعاً البناء كله زوايا قائمة، قال: هذه ممنوعة، يجب أن يكن البناء كله زوايا منحنية، في ( بلاك ) خاص ربع دائرة، لأن الجراثيم تحب الزوايا الضيقة، وكل الزوايا المنحنية لا تحبها الجراثيم، كل مكان فيه زوايا حادة تعشعش فيه الجراثيم، ومعمل أدوية لا يسمح أن يكون فيه زاوية حادة إطلاقاً، ولا زاوية قائمة، يجب أن يكون البلاط خاصًا، ربع دائرة، حتى الزاوية ربع كرة، تنظيف سهل، والجرثوم لا يعشعش في هذه الأماكن، هذا كله على كلام: (( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
وكل إنسان لو رتب غرفته، ورتب غرفة الضيوف، ورتب مطبخه، وما ترك حاجات زائدة لا معنى لها، تجد أن البيت صار فيه مسحة جمالية، صار البيت يجذب، وأنصح كل أب يجعل البيت هادئاً، وله مسحة جمالية، وفيه طعام بأوقات منظمة، وفيه ابتسامة، وفيه مودة، حتى الطفل ينجذب إلى بيت أبيه، اجعل البيت هو الأصل، وإذا كان الطريق هو الأصل، والمطاعم هي الأصل، يعني بالتعبير العامي المؤمن بيتوتي، وغير المؤمن زقاقاتي، المؤمن بيته جنته، هذا معنى: (( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
وليس معناها أنك إذا نظرت إلى امرأة فدهشت بجمالها تقول: سبحان الله ! إن الله جميل يحب الجمال، لا، هذا تطاول على منهج الله عز وجل:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾
[ سورة النور: الآية 30]
أنا سافرت كثيراً إلى بلاد بعيدة و قريبة، و شرق و غرب، تجد المدن فيها جمال لا يصدق، الحدائق، الورود، الأبنية.
مرة نزلت بفندق بلغني أنه أنشئ من خمس وعشرين سنة، شهد الله أنه غلب على يقيني أنه البارحة استلموه من شدة النظافة، دخلت إلى مطار طبعاً في بعض البلاد بشرق آسيا إذا ألقى الإنسان عقب دخينة الجزاء مئة ألف ليرة ألقى أي ألفي دولار ألقى و إذا أعادها يجب أن يعمل عامل تنظيفات مهما علا قدره، يوجد مطار اضطررت أن أبقى فيه أربع وعشرين ساعة، من خمس أو سبع سنوات أنشئ ألقى الأرض كلها من الموكيت الغالية جداً، تشتهي أن ترى غلطة، أن شيئاً وقع على هذا القماش النفيس، نظافة تفوق حد الخيال، هكذا البلاد جميعاً، الإنسان يتألم ألماً شديداً لا يحتمل إذا رأى بلاد المسلمين غير نظيفة، قراهم غير نظيفة، أنا هذا الكلام متأثر به جداً ألقى لأن الجمال يجذب، القرية الجميلة، البيت الجميل، المدينة الجميلة، الحديقة الجميلة، هذا الذي يلقي وهو راكب مركبة فخمة جداً من أغلى نوع، و كلما أكلوا شيئاً يلقوه من النوافذ، قشر الموز، علب العصير، قلت: لو كان راكبًا أغلى مركبة، لكن عقلية طنبرجي، هذا الذي يلقي من النافذة كيفما اتفق بلا قيد، و بلا شرط، و يحافظ على نظافة الحاويات، و ليس على نظافة الطريق، هذا إنسان بعيد عن الذوق، هذا معنى قول النبي: (( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
جملوا أفنيتكم، و لا تشبهوا باليهود، جملوا بيوتكم، جملوا محلاتكم التجارية، يقولوا: إن البساطة نصف الجمال، أحياناً تجد سيارة خمسين عبارة ساقطة وراء وأمام، شيء لا يحتمل، صاحب هذه المركبة يتمتع بأدنى درجات الذوق، و كل عبارة أولاً عبارة عامية، و عبارة غزلية، و مثلاً، الله و محمد، بعد ذلك الحياة بدونك عذاب يا دلال، هذا لا تتفق مع هذه، تجد عبارات غير لائقة هذا المستوى، فالإنسان كلما ارتقى مستواه يصبح كلامه منضبطاً، مركبته منضبطة، أنا ألح على هذه النقطة، إن الله جميل يحب الجمال.
إذا وجد ماء متوافر يجب أن نستحم يومياً، و لاسيما في أيام الصيف، لو اقترب منك إنسان لا يجد أي رائحة منفرة، (( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً في هندامنا، في ثيابنا، في ألوان متناسبة، لا ينتبه طقم بني، و السجادة خمري، لا تتناسب، قبل أن تشتري هذه السجادة انتبه للون الطقم.
ملخص هذا الكلام، لمَ لا تكون بلاد المسلمين جميلة ؟ لما لا ينجذب الناس إليها ؟ لماذا النظام يختص به أهل الدنيا، و هناك الفنادق الخمس نجوم، حيث الزنا و الخمر، و نحن كيفما اتفق.
الآن جاء تعريف الكبر، قال عليه الصلاة و السلام: (( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
فإذا كنت نظيفاً، و ذا رائحة طيبة، و بالمناسبة والماء أطيب الطيب المفقود، الذي لا يملك ثمن عطورات يكفي أن يتنظف، لأنه ثبت أن لجلد الإنسان رائحة عطرية جميلة جداً، و الدليل لو أن ابنك الصغير تغسل، و أنت ضممته لصدرك تشم من جلده رائحة جميلة جداً، رائعة جداً، رائحة الجلد رائعة جداً، لكن مع العرق، ومع بقايا التعرق لا تكون كذلك، فلذلك الاغتسال، اغتسل و لو مداً بدينار، و يكاد يكون غسل الجمعة يرقى إلى الواجب، أما الكبر: (( بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ))
الكبر أن تقول: هذه العلاقة ربوية، تقول: هذا شيء قديم، نحن في عصر لابد من استثمار المال عن طريق البنوك، فهي آمَنُ مكان، تقول له: الاختلاط محرم، لا، المرأة نصف المجتمع، و كل مجتمع فيه امرأة المجتمع منضبط، و مهذب، مادام هناك شباب و بنات فالشاب يميل للنعومة، و اللطافة، لأنه هناك بنت، أما إذا لم توجد الفتاة يصبحون كالبغال، هذا ما يقولون، (( الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ))
أنت ترد حكماً شرعياً، أن ترفض آية:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
[ سورة النور: الآية 30]
يقول لك: أين أذهب بعيوني ؟ أن ترد الحق، أن ترفض حكم الله، أن ترفض آية، أن ترفض حديثاً، (( الْكِبْرُ بَطَرُ ))
أي رد الحق، إذاً اتفقنا على أن الله جميل، تعني أن تكون أنيقاً مرتباً، ذا بيت حسن من حيث النظافة، قد يكون البيت متواضع جداً، قد يكون من النوع القديم جداً، لكن حينما تعتني بنظافته، و بتناسق أثاثه، أحياناً باقة تضفي بهجة على سكان البيت، أحياناً منظر طبيعي لطيف، آية قرآنية على الحائط موضوعة، لها معنى عميق، اللمحات الجمالية في البيت تريح الإنسان.
لكن: (( الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ ))
أن ترد حكماً شرعياً، أن ترد آية قرآنية أن ترد حديثاً نبوياً، أن ترد حكماً فقهياً، (( الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ))
هناك حالات مرضية، و بدرجة عالية من الخطورة أن الإنسان لا يحتمل أن يرى من هو أفضل منه، فإذا رأى من هو أفضل منه بخسه، و اتهمه، و شكك في نواياه، حتى يبقى هو في الأوج، هذا النمط التوحدي أنه لا يوجد غيرك نمط خطير في المجتمع، فدائماً همه يمدح نفسه، و يبخس الآخرين، يقلل من قيمتهم، يقلل من مكانتهم، يشكك بنواياهم، يفرغ عملهم من مضمونه الأخلاقي، يتهم كل إنسان بأنه منافق، مرائي، لا تصدقه، ليس كذلك، هذا كبر في الإنسان.
بالمناسبة عود على بدء، لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قد تتكبر بشكلك، الله عز وجل أحياناً يمنح الإنسان وسامة، و قد تتكبر بعلمك، و قد تتكبر بمالك، و قد تتكبر بنسبك، و قد تتكبر بمنصبك، فالكبر يتناقض مع العبودية لله عز وجل يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، أما الرجل يكون ثوبه حسناً، و نعله حسنة، و بيته نظيفًا ومرتبًا، و محله التجاري نظيفًا، و مرتبًا، مرافق بيته أيضاً نظيفة، قال: (( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، و الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ))
أن تقلل من شأنهم، أن تبحث عن عيوبهم، أن تشكك في نواياهم، أن تزدريهم، ألا تعبأ بهم، هذا من علامة الكبر لذلك هناك معصيتان معصية غلبة و معصية كبر.
معصية الكبر هي معصية إبليس، و معصية الغلبة هي معصية سيدنا آدم، الله عز وجل غفر له سريعاً، لأنه لم يجد له عزماً على المعصية، و يوجد تواضع، و أناب إلى ربه سريعاً.والحمد لله رب العالمين