النفاق الأكبر نوعان :

نفاق واحد يجحد في باطنه ما جاء به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

ونفاق آخر يعلم صدق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إضطراراً ويكرهه لأجل دنياه التي يؤثرها ،

واحد يجحد وهو منافق وهو ينطق الشهادتين وينتسب للإسلام ولكن في باطنه أنه يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } المنافقون 1 هذه نوعية تشهد وهي لا تشهد ، تشهد بلسانها ولا تشهد بقلبها ،

هناك نوع آخر { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } محمد 25 إذن يحبط العمل أن يكره يسخط الإنسان ما يرضي الله سبحانه وتعالى أو أن يوافق من يكره ما أنزل الله عز وجل وكذلك قوله { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } محمد 9 في أول السورة ، فهذا التعليل كرهوا ما أنزل الله ،دليل على أن كل من كره ما أنزل الله فقد كفر والعياذ بالله ،

وكما ذكرنا زوال الحب كفر أيضاً لأن الله قال { وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } البقرة 165 ونفى الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان عن من لم يحبه صلى الله عليه وسلم أكثر من أهله وماله وولده ،

وكما ذكرنا هذا النفي للإيمان الواجب لمن ترك الحب الواجب ونفي لأصل الإيمان لمن ترك أصل الحب ،

قضية فرعون وإبليس وعلماء اليهود من أهم المسائل الفارقة بين أهل السنة وبين الجهمية والمرجئة ، والجهمية أصلاً هم غلاة الإرجاء لأنهم يجعلون الإيمان هو المعرفة ، وللأسف أن كثيراً من المتأخرين لأجل متابعتهم وتقليدهم لمذهب الاشعري قبل تغييره ،

الأشاعرة المتكلمون يقولون بأن الإيمان هو المعرفة ، وهذا خطر عظيم وهو موجود في بعض الكتب للمنتسبين إلى السنة أيضاً لكنهم في هذه المسألة خالفوا ـ ككتاب الدين الخالص ـ ذكر أن الإيمان هو المعرفة ،

قال تعالى عن آل فرعون { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } النمل 14 وقال عز وجل عن موسى وخطابه لفرعون { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ } الاسراء 102 لقد علمت ، إذن ربنا وصفه بالعلم ووصفه باليقين ، عنده يقين أن موسى على حق ، وأن موسى أتى من عند الله عز وجل ،

قال عز وجل عن موسى { وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا } الاسراء 102 أي هالكاً ، فكفر فرعون كان لانتفاء عمل القلب بالإضافة إلى انتفاء قول اللسان لأن فرعون أبى أن ينطق بـ لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل إلا عندما عاين العذاب ولا ينفعه ذلك ،

أما إبليس فعنده اعتقاد القلب ونطق اللسان ، لأنه قال { أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } الاسراء 62 إذن نطق بلسانه أن الله كرم آدم ، إذن هو ليس جاحد لأمر السجود ، إبليس لم يجحد أن الله أمره بالسجود ، ولم يقل يا رب أنا لست من الملائكة ولم يتركه تكاسلاً ، كما يحلوا للبعض أن يحتج بفعل إبليس على كفر تارك العمل ، كفر إبليس كان من إباء واستكبار ، لأنه قال { لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ } الحجر 33 لم يكن للجحود ،

فريقان في هذا الباب على خطر :

من يسوي بين الآدميين والأبالسة لأن آدم ترك الأمر الواجب فعل الأمر المحرم ، الأمر الواجب كان أن يكف عن الشجرة والكف والفعل متلازمان ، والأكل من الشجرة مستلزم لترك الكف عنها ، أليس كذلك ، لأنه كان يجب عليه أن يكف عنها ويحرم عليه أن يأكل منها فهنا فعل ما حرم الله عز وجل ، لكن قال { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا }الاعراف 23 إبليس رد الأمر وقال { لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ } الحجر 33 إبليس لم يجحد فنقول هناك فريق يسوي بين الأبالسة وبين الآدميين ، الذين يقولون كلاهما تارك والخوارج يقولون أن كل من ترك ما وجب عليه إبليس ، بل لا يجوز ذلك ، هذا كلام باطل ، وفريق آخر يجعل أن من أقر بما أقر به إبليس مؤمناً والعياذ بالله ، الذي يقول أن إبليس مؤمن لا يكون مسلماً في الحقيقة ، حتى الأشاعرة الذين يقولون أن الإيمان هو المعرفة يزعمون أن إبليس لما كفر زال من قلبه المعرفة بالله عز وجل وهذا من أبطل الزعم عند التأمل لأن إبليس كافر وهو يقول { قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } الاعراف 14 قال { خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } الاعراف 12 كل هذا يقر بعد كفره ، إبليس كفر عندما امتنع من السجود ، عندما أبى واستكبر ، من هذه اللحظة هل زال علمه بوجود الله ؟ هل زال علمه بأن الله أمره ؟ بل هو موقن بأن الله أمره للسجود لآدم وبعد أن توعده الله بأنواع الوعيد قال { َ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا } الاسراء 62 فإذن إبليس يقر بأن الله أمره ، عنده نطق اللسان ، يقر بوجود الله وأن الله خالقهم ، فقال خلقتني من نار وخلقته من طين ، ويقر باليوم الآخر والذين يرون الدين واسعاً ويرون أننا نتكلم في أشياء كثيرة لا تغضب الناس عنا لهم أن يمدحوا إبليس إذن ، الذين يقولون ألا يوجد كلام إلا في القضايا التي تغضب أهل القوة والسلطان مثلاً لأجل ألا تتكلم فيها ، والدين فيه أشياء كثيرة فتكلموا فيها ، نقول إذن نتكلم عن فضائل إبليس ، كما أن بعض الناس يتكلم عن فضائل الكفار والمنافقين والزنادقة والظالمين ، يتكلم عن فضائلهم ، فتلكم أيضاً عن فضائل إبليس فهو عنده إقرار بوجود الله وبخلق الله له ولآدم ، ويقر بأن هناك يوم آخر وأن الله هو الذي يبعثه ويحييه لأن الإنذار ملك لله عز وجل وتكلم عن فضائل إبليس نعوذ بالله من ذلك ، فكلا الفريقان على ضلال والعياذ بالله ، الذين يجعلون الأبالسة كالآدميين وكذلك الذين يجعلون إبليس من المؤمنين لأنه أقر أو يجعلون كل من أقر مؤمناً لأنهم يلزمهم ، الذي يلتزم هذا اللازم يكون خارج من الملة ، الذي يلتزم أن إبليس مؤمن يكون خارج من الملة ، والأشاعرة الذين قالوا إن الإيمان هو المعرفة قالوا إبليس ليس مؤمن ، لماذا ؟ قالوا إنه زال من قلبه المعرفة ، التزموا التناقض وردوا الدليل لكن لا يستطيعوا أن يلتزموا أن إبليس ليس مؤمن ، الذي يقول على إبليس مؤمن يكون غير مسلم ، لأن كفر إبليس نص القرآن ومعلوم من الدين بالضرورة ، ولعنه على كل لسان مسلم ويهودي ونصراني ، حتى عباد أبليس يرون إبليس واليعاذ بالله ويقولون إننا نعبده مداهنة ،

إبليس عنده اعتقاد القلب ونطق اللسان لأنه فيما بينه وبين الله لم يكن ينكر وجود الله تبارك وتعالى ولا إلهيته ولا ربوبيته وإنما كان كفره أنه أبى واستكبر وكان من الكافرين ، كلمة أبى تساوي رد شرع الله ، كلمة استكبر تنافي الذل والانخضاع والانكسار لله ،كان ترك الإسلام وكان زوال الإسلام والانقياد والخضوع الذل لله عز وجل ، فكفر إبليس كان بزوال عمل القلب ،

ولم يقل الله قط إنه كذب أمر الله بالسجود لآدم فضلاً عن أن يكذب بتوحيد الله عز وجل مثلاً ، بل ظل بعد كفره { قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } الحجر 36 { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي } الحجر 39 قال { إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } الحجر 40 فهو يقر باليوم الآخر ويقر بأن الله خلقه يقر بأن هناك عباد لله مخلصين أخلصهم الله له ،يقر بأفعال الله عز وجل يقر بقدر الله السابق لكن يحتج به على كفره ، وقال { خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } الاعراف 12 فهو لم يكفر بزوال المعرفة ولا بزوال الصديق الباطن ، بل كان التصديق الظاهر يقوله ولكن كان يزيد على ذلك النطق بخلاف فيما يأمر به من الكفر ، إنما كفر بإبائه واستكباره ،

فالإباء والاستكبار ترك لعمل القلب وهو ركن واجب لا يصح الإيمان إلا به ، كلمة ركن واجب بمعنى جزء من الإيمان يزول الإيمان بزواله ، يزول أصل الإيمان بزوال أصل عمل القلب ، ويزول كمال الإيمان الواجب بزوال كماله الواجب ويزول كمال الإيمان المستحب بزوال عمل القلب المستحب ،

فالإباء والاستكبار ترك لعمل القلب الذي هو القبول والخضوع ،

والاستسلام هو الانقياد ، فإذا ترك عمل القلب الذي هو ركن واجب لا يصح الإيمان إلا به كان الإباء والاستكبار من أعمال الكفر القلبية ،

أما عمل اللسان والجوارح فهما قسم واحد ، وارتباط كل منهما في الغالب كما في الصلاة أقوال وأفعال ، والصلاة في الحقيقة فيها كل أجزاء الإيمان لأن فيها تصديقاً باطناً ونية لا تصح إلا بها ، إخلاصاً لله عز وجل وفيها عمل اللسان من التكبير والقراءة والتسبيح وغير ذلك من الأذكار ،وفيها قول اللسان من الشهادتين من التشهد وفيها عمل الجوارح من القيام والركوع والسجود والجلوس وأداء الركعات بطريقة محددة ، وعمل اللسان والجوارح أيضاً كما يشمل الصلاة يشمل الزكاة والصيام والحج والجهاد والبذل والعطاء في سبيل الله والنفقة في سبيل الله والصلة ، صلة الأرحام وصلة الجيران والإحسان إلى الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلب واليد واللسان ، طبعاً هنا بالجوارح يكون باليد واللسان ، وغير ذلك من أنواع الجوارح ،

وأعمال للسان التي تشمل الأقوال غير الإقرار بالشهادتين يعني ضمن عمل اللسان التسبيح والتحميد والتكبير والاستغفار ، إنما لم ندخل قول اللسان مع عمل اللسان ، لماذا لم نقل الشهادتين ضمن عمل اللسان ؟ والشهادتين عمل في الحقيقة ؟ ولما تتفكر تجد أن اللسان يتحرك وهو عمل فلماذا جعلنا له قسماً مستقلاً وقلنا عمل اللسان مع أنهم شيء واحد وهو يتحرك ويقول لا إله إلا الله ويتحرك ويقول سبحان الله أليس كذلك ،فالاثنان شيء واحد ولكن لأجل اختلاف حكم النطق بالشهادتين عن حكم غيرها من العبادات ، نقول لم ندخل قول اللسان مع عمل اللسان مع إنه مثله لأن قول اللسان وهو الإقرار بالشهادتين ركن من أركان الإيمان فلو أن إنساناً لم ينطق كلمة لا إله إلا الله لم يكن مؤمناً أصلاً ، طبعاً المقصود بأن ينطق بها مع كونه كان كافراً قبل ذلك ، لكن لو ولد مسلماً ومات قبل أن ينطق ، قبل أن يجب عليه النطق أو أنه حتى وجب عليه النطق لكنه مازال معتقداً ، بلغ مثلاً في الصباح ومات بعد أن بلغ ولم ينطق الشهادة ، قام ولادته لأبوين مسلمين مع كونه يعتقد اعتقاد الإسلام باطناً قام ولادته مقام النطق بالشهادتين ،

ولد تم ولادته لأبوين مسلمين أو أحدهما ثبت إسلامه وبلغ في الصباح ومات في الظهر ولم ينطق الشهادة ، هذا حكمه حكم الإسلام عند الله وفي الظاهر مع أنه لم ينطق الشهادة ، لكن قامت ولادته مقام النطق مع كونه يعتقد ذلك باطناً ولكن لم يأبى أن يقول ، ولكن أسعفته المنية ولم يأت الوقت الذي يطلب منه أن يقول فلم يقل من أجل ذلك ، المسلم لا يأبى أبداً ،

لكن نقول واحد كافر لم يقل لا إله إلا الله أبداً لم يكن مؤمناً عند الله ولا في أحكام الدنيا ، فلو أن إنساناً لم ينطق لا إله إلا الله لم يكن مؤمناً أصلاً وكان كافراً ، بخلاف من ترك مثلاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو بخلاف من ترك الذكر ، فهذا عاص أو تارك للمستحب حسب درجة ذلك الفعل ، الذي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجب يكون ترك واجب ، أو ترك قراءة الفاتحة في الصلاة يكون ترك واجباً ، وأما من ترك الذكر فقد ترك مستحباً بخلاف من ترك النطق بكلمة التوحيد وهو قادر على ذلك وكان قبل ذلك كافراً ،

نقول مع وجود خلاف في حكم تارك المباني الأربعة الصلاة والزكاة الصيام والحج كما سيأتي إن شاء الله ،

يعني في بعض النطق يختلف فيه ، عمل اللسان وأعمال الجوارح متعلقة بالأركان الأربعة فيها خلاف سائغ عند أهل السنة ،

من أهل السنة من يكفر من ترك هذه المباني ولو تكاسلاً ومنهم من لا يكفره وأشهر المسائل في ترك الصلاة وستأتي تفصيلاً ،

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .