بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله
الحمد لله
الذي يجب علينا أن نَعْتَقِده نحن المسلمين ، هو ما جاءنا من الله عز وجل ، وما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أخْبَرنا الله عز وجل أنه يتكلم قال تعالى : ( ومن أصْدَق من الله حديثا ) النساء/87 وقال تعالى : ( ومن أصْدَق من الله قِيلاً ) النساء /122 .

ففي هاتين الآيتين إثبات أن الله يَتَكَلَّم ، وأنّ كلامَه صِدْقٌ ، وحَقٌ ، ليس فيه كَذِبٌ بِوَجْهٍ من الوجوه .

وقال تعالى : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ) المائدة /166 ففي هذه الآية أن الله يقول ، وأن قوله مَسْمُوع فيكون بصوت ، وأن قوله كَلِمَات وجمل ، والدليل على أنه بحرف قول الله تعالى : ( يا موسى إني أنا ربُّك ) طه/11-12 فإن هذه الكلمات حروف وهي من كلام الله .والدليل على أنه بصوت قوله تعالى : ( وناديناه من جانب الطور الأيمن وقرَّبناه نجياً ) مريم/52 ، والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت .

انظر شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين ص 73 .

ولهذا كانت عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بكلام حقيقي متى وكيف شاء بما شاء بحرف وصوت لا يُمَاثِلُ أصوات المخلوقين ، والدليل على أنه لا يُمَاثِل أصْوَاتَ المَخْلُوقين ، قوله تعالى : ( ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السَمِيعُ البَصِير ) الشورى/11 ، فَعُرِفَ ابْتِداءً أن هذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، وأهل السنة والجماعة يَعْتَقِدون أن القرآن كلام الله ، ومن الأدلة على هذا الاعتقاد قول الله تعالى : ( وإنْ أحَدٌ من المشْرِكين استجارك فأجِرْه حتى يَسْمَع كلام الله ) التوبة /6 والمراد القرآن بالاتفاق ، وأضاف الكلام إلى نفسه فدل على أن القرآن كلامه .

وعقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود .

والأدلة على أنه منزل ما يأتي :

قول الله عز وجل : ( شَهْرُ رمضان الذي أنزل فيه القُرآن ) البقرة/185 ، وقوله تعالى : ( إنّا أنْزَلناه في ليلة القدر ) القدر /1 ، وقوله : ( وقُرْآناً فَرَقْنَاه لِتَقْرَأَه على الناس على مُكْثٍ ونَزَّلنَاه تَنْزِيلاً ) الإسراء /106 ، قوله : ( وإذا بَدَّلنا آية مكان آية والله أعلم بما يُنَزِّل قالوا إنما أنت مُفْتَرٍ بل أكثرهم لا يعلمون قل نَزَّله رُوح القُدُسِ من ربك بالحق ليُثَبِّت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ولقد نعلم أنهم يقولون إنّما يُعَلِّمُه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعْجَمِِي وهذا لسان عربي مبين ) النحل /101-103 . و الذي يبدل آية مكان آية هو الله سبحانه وتعالى .

والأدلة على أنه غير مخلوق قوله تعالى : ( ألا له الخلق والأمر ) فجعل الخلق شيئاً والأمر شيئا آخر

لأن العطف يقتضي المغايرة والقرآن من الأمر بدليل قوله تعالى : ( وكذلك أوْحَيْنَا إليك روحا من أمرنا

ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نَهْدِي به من نَشَاءُ من عبادنا ) الشورى /52 ، فإذا كان القرآن أمراً وهو قسيم للخلق ، صار غير مخلوق ، لأنه لو كان مخلوقاً ما صح التقسيم فهذا هو الدليل من القرآن .

والدليل العقلي أن نقول القرآن كلام الله والكلام ليس عينا قائمة بنفسها حتى يكون بائنا من الله ولو كان عينا قائمة بنفسها بائنة من الله لقلنا إنه مخلوق لكن الكلام صفة للمتكلم فإذا كان صفة للمتكلم به وكان من الله كان غير مخلوق لأن صفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة . شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين 1/418-426 - 441

فيجب علينا أن نعتقد ذلك ونوقن به ، ولا نُحَرِّف آيات الله عز وجل عن مرادها ، فإنها صريحة الدلالة على أن القرآن مُنَزَّل من عند الله ، ولذلك قال الإمام الطحاوي رحمه الله : " وإنّ القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولاً ، وأنزله على رسوله وحياً ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية ، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر وقد ذَمَّه الله وعَابَهُ وأوعده بسقر حيث قال تعالى : ( سأُصلِيه سَقَر ) المدثر/26 ، فلما أوْعَدَ بِسَقَر لمن قال ( إنْ هذا إلا قول البشر ) المدثر /25 عَلِمْنَا وأيْقَنَّا أنَه قولَ خالقِ البَشَر ولا يُشْبِه قول البشر . أهـ شرح العقيدة الطحاوية 179.

الإسلام سؤال وجواب

ما قاله أئمة السنة في القرآن، وحكمهم على من قال بخلق القرآن



قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: من قال القرآن مخلوق فهو عندنا كافر لأن القرآن من علم الله وفيه أسماء الله, وقال: إذا قال الرجل العلم مخلوق فهو كافر لأنه يزعم أنه لم يكن لله علم حتى خلقه وقال رحمه الله تعالى: من قال القرآن مخلوق فهو عندنا كافر لأن القرآن من علم الله (1) قال الله تعالى: فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ [آل عمران:61], وقال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَائَهُمْ بَعْدَ الذِّي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَالَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِير [البقرة:120] وقال الله تعالى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:145] وقال الله تعالى: أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْر [الأعراف:54] وقال الله تعالى: وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ [هود:17] قال أحمد: قال سعيد بن جبير: والأحزاب الملل كلها فَالنَّارُ مُوْعِدُه [هود:17] وقال الله تعالى: وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إليه أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ [الرعد:36] وقال الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ [الرعد:37] وقال رحمه الله تعالى: من قال ذاك القول لا يصلى خلفه الجمعة ولا غيرها فإن صلي خلفه أعاد الصلاة، يعني: من قال القرآن مخلوق (2) وقال رحمه الله تعالى: إذا كان القاضي جهميا فلا تشهد عنده (3) وقال إبراهيم بن طهمان: الجهمية كفار والقدرية كفار (4) وقال سليمان التيمي رحمه الله تعالى: ليس قوم أشد بُغضا للإسلام من الجهمية والقدرية فأما الجهمية فقد بارزوا الله وأما القدرية فإنهم قالوا في الله. وقال سلام بن أبي مطيع الجهمية كفار لا يصلى خلفهم (5) وقال خارجة: الجهمية كفار بلغوا نساءهم إنهن طوالق وأنهن لا يحللن لأزواجهن لا تعودوا مرضاهم ولا تشهدوا جنائزهم ثم تلا: طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى [طه:1-3] إلى قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] (6) وقال مالك رحمه الله تعالى: من قال القرآن مخلوق يوجع ضربا ويحبس حتى يتوب (7) . وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: من زعم أن قول الله: يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النمل:9] مخلوق فهو كافر زنديق حلال دمه (8) وقال أيضا: من قال إنّ قُلْ هُوَ الله أَحَدْ الله الصَّمَد [الإخلاص:1-2] مخلوق فهو كافر (9) وقال أبو يوسف القاضي: صنفان ما على وجه الأرض شر منهما الجهمية والمقاتلية (10) . قلت: وأظنه يعني بالمقاتلية: أتباع مقاتل بن سليمان البلخي فإنه رماه الإمام أبو حنيفة بالتشبيه فإنه قال أفرط جهم في نفي التشبيه حتى قال إنه تعالى ليس بشيء وأفرط مقاتل في معنى الإثبات حتى جعله مثل خلقه وتابع أبا حنيفة على ذلك جماعة من أئمة الجرح والتعديل من أقرانه كأبي يوسف وغيره فمن بعدهم حتى قال ابن حبان: كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم وكان يشبه الرب بالمخلوق وكذبه وكيع وغيره والله أعلم بحاله. قال وكيع: مات مقاتل بن سليمان سنة خمسين ومائة.اهـ. وقال عبدالله بن المبارك: الجهمية كفار. (11) وقال: ليس تعبد الجهمية شيئا (12) وقال من قال القرآن مخلوق فهو زنديق (13) وقال: إنا نستجير أن نحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستجير أن نحكي كلام الجهمية (14) وقال سفيان بن عيينة: القرآن كلام الله من قال مخلوق فهو كافر ومن شك في كفره فهو كافر (15) وقال: من قال القرآن مخلوق يحتاج أن يصلب على ذباب يعني: جبل (16) وقال عبدالله بن إدريس رحمه الله تعالى: وقد سئل ما تقول في الجهمية يصلى خلفهم؟ فقال: أمسلمون هؤلاء؟ أمسلمون هؤلاء؟ لا ولا كرامة لا يصلى خلفهم (17) وقال له رجل: يا أبا محمد إن قبلنا ناساً يقولون: القرآن مخلوق، فقال: من اليهود؟ قال: لا، قال: فمن النصارى؟ قال: لا، قال: فمن المجوس؟ قال: لا، قال: فمن؟ قال: من الموحدين؟ قال: كذبوا ليس هؤلاء بموحدين، هؤلاء زنادقة هؤلاء زنادقة. وقرأ ابن إدريس بسم الله الرحمن الرحيم فقال الله مخلوق؟ والرحمن مخلوق؟ والرحيم مخلوق؟ هؤلاء زنادقة (18) وسئل عن قوم يقولون: القرآن مخلوق؛ فاستشنع ذلك وقال سبحان الله شيء منه مخلوق؟ (19) وقال وكيع: فإني أستتيبه فإن تاب وإلا قتلته (20) وقال: من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أنه محدث ومن زعم أنه محدث فقد كفر. (21) وقيل له: إن فلانا يقول إن القرآن محدث فقال: سبحان الله هذا كفر. قال السويدي: وسألت وكيعا عن الصلاة خلف الجهمية فقال: لا تصل خلفهم (22) وقال: من زعم أن القرآن مخلوق؛ فقد زعم أنه محدث يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه (23) وقال زهير بن حرب: اختصمت أنا ومثنى فقال مثنى: القرآن مخلوق، وقلت أنا: كلام الله، فقال وكيع وأنا أسمع: هذا كفر، وقال: من قال: القرآن مخلوق هذا كفر؛ فقال المثنى: يا أبا سفيان قال الله تعالى: مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ [الشعراء:5] فإيش هذا؟ فقال وكيع: من قال القرآن مخلوق هذا كفر (24) وقال: من قال: القرآن مخلوق؛ فهو كافر (25) وقال رحمه الله تعالى: القرآن كلام الله أنزله جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل صاحب هوى يعرف الله ويعرف من يعبد إلا الجهمية لا يدرون من يعبدون بشر المريسي وأصحابه (26) وقيل لوكيع في ذبائح الجهمية قال: لا تؤكل هم مرتدون (27) وقال: من قال: إن كلامه ليس منه فقد كفر، وقال: من قال: إن منه شيئاً مخلوقاً فقد كفر (28) . وقال فطر بن حماد سألت معتمر بن سليمان فقلت: يا أبا محمد إمام لقوم يقول القرآن مخلوق أصلي خلفه؟ فقال: ينبغي أن تضرب عنقه. قال فطر: وسألت حماد بن زيد فقلت: يا أبا إسماعيل إمام لنا يقول: القرآن مخلوق، أصلي خلفه؟ فقال: صل خلف مسلم أحبّ إليّ. وسألت يزيد بن زريع فقلت: يا أبا معاوية إمام يقول القرآن مخلوق أصلي خلفه؟ قال: لا، ولا كرامة (29) وقال عبدالرحمن بن مهدي: من زعم أن الله لم يكلم موسى يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه (30) وقال مرة: لا أرى أن تستتيب الجهمية (31) وقال رحمه الله تعالى: لو كان لي من الأمر شيء لقمت على الجسر فلا يمر بي أحد من الجهمية إلا سألته عن القرآن فإن قال: مخلوق ضربت رأسه ورميت به في الماء (32) وقال أبو بكر بن الأسود: لو أن رجلا جهميا مات وأنا أرثه ما استحللت أن آخذ من ميراثه (33) وقال أبو يوسف القاضي جيئوني بشاهدين يشهدان على المريسي والله لأملأن ظهره وبطنه بالسياط يقول في القرآن يعني: مخلوق (34) وقال يزيد بن هارون وذكر الجهمية فقال: هم والله زنادقة عليهم لعنة الله (35) وقال رحمه الله تعالى: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة من قال القرآن مخلوق فهو زنديق (36) وسئل عن الصلاة خلفهم قال: لا. وقال معاذ بن معاذ من قال القرآن مخلوق فهو كافر (37) وقال شبابة بن سوار: اجتمع رأيي ورأي أبي النضر هاشم بن قاسم وجماعة من الفقهاء على أن المريسي كافر جاحد نرى أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه (38) وكان أبو توبة الحلبي ونعيم بن حماد وإبراهيم بن مهدي يكفرون الجهمية وقال بشر بن الحارث: لا تجالسوهم ولا تكلموهم وإن مرضوا لا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم كيف يرجعون وأنتم تفعلون بهم هذا؟! (39) قال أبو الأسود النضر بن عبد الجبار: القرآن كلام الله ومن زعم أنه مخلوق فهو كافر هذا كلام الزنادقة (40) وقال عباد بن عوام: كلمت بشر المريسي وأصحابه فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا: ليس في السماء شيء (41) وقال عمرو بن الربيع بن طارق: القرآن كلام الله من زعم أنه مخلوق فهو كافر (42) وقال هارون أمير المؤمنين: بلغني أن بشراً المريسي يزعم أن القرآن مخلوق؛ فهو يعبد صنما (43) وقال يحيى بن معين رحمه الله تعالى: من قال القرآن مخلوق فهو كافر (44) وقال رجل لهيثم: إن فلانا يقول القرآن مخلوق؛ فقال: اذهب إليه فاقرأ عليه أول الحديد وآخر الحشر فإن زعم أنهما مخلوقتان فاضرب عنقه (45) وقال أبو هشام الغساني مثله (46) وقال أبو عبيد: من قال القرآن مخلوق فقد افترى على الله وقال عليه ما لم تقله اليهود والنصارى (47) وقال إسحاق بن البهلول لأنس بن عياض أبي ضمرة: أصلي خلف الجهمية قال: لا، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] (48) وسئل عيسى بن يونس رحمه الله تعالى: عمن يقول القرآن مخلوق؟ فقال: كافر أو كفر؛ فقيل له: تكفرهم بهذه الكلمة. قال: إن هذا أيسر أو أحسن ما يظهرون (49) وكان يحيى بن معين رحمه الله تعالى: يعيد صلاة الجمعة مذ أظهر عبدالله بن هارون المأمون ما أظهر يعني القول بخلق القرآن (50) . وقال الحسين بن إبراهيم بن أشكاب وعاصم بن علي بن عاصم وهارون الفروي وعبد الوهاب الوراق وسفيان بن وكيع القرآن كلام الله وليس بمخلوق. وسئل جعفر بن محمد رحمه الله تعالى: عن القرآن فقال: ليس بخالق ولا بمخلوق ولكنه كلام الله (51) . وروى عن أبيه علي بن الحسين أنه قال في القرآن: ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله. (52) وقال الزهري سألت علي بن الحسين عن القرآن؟ فقال: كتاب الله وكلامه (53) وعن إبراهيم بن سعد وسعيد بن عبدالرحمن الجمحي ووهب بن جرير وأبي النضر هاشم بن القاسم وسليمان بن حرب قالوا: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. وقال سفيان بن عيينة: لا نحسن غير هذا القرآن كلام الله فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله [التوبة:6] يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الفتح:15] (54) وقال الإمام مالك بن أنس وجماعة من العلماء بالمدينة وذكروا القرآن فقالوا: كلام الله وهو منه وليس من الله شيء مخلوق (55) وقال حماد بن زيد رحمه الله تعالى: القرآن كلام الله أنزله جبريل من عند رب العالمين (56) وقال أبو بكر بن عياش: من زعم أن القرآن مخلوق فقد افترى على الله (57) وقال وكيع: القرآن من الله، منه خرج وإليه يعود (58) وقال يحيى بن سعيد: كيف يصنعون بقل هو الله أحد كيف يصنعون بهذه الآية إِنِّي أَنَا اللَّهُ [القصص:30] يكون مخلوقا؟ (59) وقال وهب بن جرير ومحمد بن يزيد الواسطي وابن أبي إدريس وأبو بكر بن أبي شيبة وأخوه عثمان بن أبي شيبة وأبو عمر الشيباني ويحيى بن أيوب وأبو الوليد وحجاج الأنماطي ويحيى بن معين وأبو خيثمة وإسحاق بن أبي إسرائيل وأبو معمر: القرآن كلام الله ليس بمخلوق (60) وقال أبو عمرو الشيباني لإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة وقال: القرآن مخلوق فقال الشيباني: خلقه قبل أن يتكلم به أو بعدما تكلم به؟ قال: فسكت (61) وقال حسن بن موسى الأشيب: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين [الفاتحة:5] فقال حسن مخلوق هذا؟ (62) وقال محمد بن سليمان: لو أن القرآن كلام الله غير مخلوق ما رأيت أحداً يقول القرآن مخلوق أعوذ بالله (63) .اهـ.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: في وصيته: القرآن كلام الله غير مخلوق. وقال عفان بن مسلم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الفتح:15] الله لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّوم [البقرة:255] قُلْ هُوَ الله أَحُد [الإخلاص:1] أمخلوق هذا؟ أدركت شعبة وحماد بن سلمة وأصحاب الحسن يقولون: القرآن كلام الله ليس مخلوقا (64) وقال يحيى بن يحيى: من زعم أن من القرآن من أوله إلى آخره آية مخلوقة فهو كافر. وقال هشام بن عبيد الله القرآن كلام الله غير مخلوق؛ فقال له رجل أليس الله تعالى: يقول: مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ [الأنبياء:2] فقال: محدث إلينا وليس عند الله محدث. وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي رحمه الله تعالى: ليس بين أهل العلم خلاف أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فكيف يكون شيء خرج من الرب عز وجل مخلوقا؟ (65) وقال أبو جعفر النفيلي: من قال: إن القرآن مخلوق؛ فهو كافر. فقيل: يا أبا جعفر الكفر كفران كفر النعمة وكفر بالرب عز وجل؟ قال: لا بل كفر بالرب عز وجل ما تقول فيمن يقول: الله أَحَد الله الصَّمَد [الإخلاص:1] مخلوق أليس كافر هو؟ (66) وقال عبدالله بن محمد العيشي: يستحيل في صفة الحكيم أن يخلق كلاما يدعي الربوبية يعني: قوله تعالى: إِنَّنِي أَنَا الله [طه:14] وقوله: أَنَا رَبُّك [طه:12] (67) . قلت: والمعتزلة يقولون إن كلام الله لموسى خلقه في الشجرة فعلى هذا تكون الشجرة هي القائلة: إِنَّنِي أَنَا الله لاَ إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14] قبحهم الله في الدنيا والآخرة. وقال محمد بن يحيى الذهلي: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع صفاته وحيث تصرف (68) وأما كلام البخاري رحمه الله تعالى ومتانته في هذه المسألة فأشهر من أن يحتاج إلى تعريف وله في ذلك كتاب (خلق أفعال العباد) وقد بوّب في (صحيحه) على جملة وافية تدل على غزارة علمه وجلالة شأنه. وقال أبو حاتم وأبو زرعة: أدركنا العلماء في جميع الأمصار فكان من مذهبهم أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته والقدر خيره وشره من الله تعالى، وأن الله تعالى على عرشه بائن من خلقه كما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بلا كيف أحاط بكل شيء علماً ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (69) وقال محمد بن أسلم الطوسي: القرآن كلام الله غير مخلوق أينما تلي وحيثما كتب لا يتغير ولا يتحول ولا يتبدل (70) .
وقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله تعالى: في كتاب (التوحيد) بعد تبويبه على تكليم الله موسى عليه الصلاة والسلام: وتكليم الله بالوحي وصفة نزول الوحي وتكليم الله عباده يوم القيامة وتقرير البحث في ذلك، ثم قال: باب ذكر البيان في كتاب ربنا المنزل على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الفرق بين كلام الله عز وجل الذي به يكون خلقه وبين خلقه الذي يكون بكلامه وقوله والدليل على نبذ قول الجهمية الذين يزعمون أن كلام الله تعالى: مخلوق جل ربنا وعز عن ذلك. قال الله تعالى: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54] ففرق الله تعالى: بين الخلق والأمر الذي به يخلق الخلق بواو الاستئناف وأعلمنا الله جل وعلا في محكم تنزيله أنه يخلق الخلق بكلامه وقوله: ِإنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [النحل:40] فأعلمنا جل وعلا أنه يكون كل مكون من خلقه بقوله كن فيكون وقوله كن هو كلامه الذي به يكون الخلق وكلامه عز وجل الذي به يكون الخلق غير الخلق الذي يكون مكونا بكلامه فافهم ولا تغلط ولا تغالط ومن عقل عن الله خطابه علم أن الله سبحانه لما أعلم عباده المؤمنين أنه يكون الشيء بقوله: كن أن القول الذي هو كن غير المكون بكن المقول له كن وعقل عن الله أن قوله كن لو كان خلقا على ما زعمت الجهمية المفترية على الله أنه إنما يخلق الخلق ويكونه بخلق لو كان قوله كن خلقا فيقال لهم يا جهلة فالقول الذي يكون به الخلق على زعمكم لو كان خلقا بم يكونه؟ أليس قول مقالتكم التي تزعمون أن قوله: كن إنما يخلقه بقول قلبه وهو عندكم خلقه وذلك القول يخلقه بقول قلبه وهو خلق حتى يصير إلى ما لا غاية له ولا عدد ولا أول, وفي هذا إبطال تكوين الخلق وإنشاء البرية وإحداث ما لم يكن قبل أن يحدث الله الشيء وينشئه, وهذا قول لا يتوهمه ذو لب لو تفكر فيه ووفق لإدراك الصواب والرشاد قال الله تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ [الأعراف:54] فهل يتوهم مسلم أن الله تعالى: سخر الشمس والقمر والنجوم مسخرات بخلقه أليس مفهوما عند من يعقل عن الله خطابه أن الأمر الذي سخر به غير المسخر بالأمر وأن القول غير المقول له فتفهموا يا ذوي الحجا عن الله خطابه وعن النبي صلى الله عليه وسلم بيانه لا تصدوا عن سواء السبيل فتضلوا كما ضلت الجهمية عليهم لعائن الله فاسمعوا الآن الدليل الواضح البيّن غير المشكل من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل العدل موصولا إليه على الفرق بين خلق الله وبين كلام الله تعالى. ثم ساق الأحاديث في ذكر كلمات الله تعالى إلى الحديث: ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)) (71) ثم قال: أفليس العلم محيطا يا ذوي الحجا أنه غير جائز أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ بخلق الله من شر خلقه هل سمعت عالماً يجيز أن يقول: أعوذ بالكعبة من شر خلق الله أو يجيز أن يقول أعوذ بالصفا والمروة أو أعوذ بعرفات ومنى من شر ما خلق الله؟ هذا لا يقوله ولا يجيز القول به مسلم يعرف دين الله محال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه...
وقال أبو معاوية بن حازم الضرير رحمه الله تعالى: الكلام فيه بدعة وضلالة ما يكلم فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعون ولا الصالحون رحمهم الله تعالى: يعني قول القرآن مخلوق (72) . وذكر عند أبي نعيم هو الفضل بن دكين من يقول: القرآن مخلوق فقال: والله والله ما سمعت بشيء من هذا حتى خرج ذاك الخبيث جهم (73) وكلام أئمة السنة في هذا الباب يطول ذكره ولو أردنا استيعابه لطال الفصل. وقد تكرر نقل الإجماع منهم على إثبات ما أثبت الله عز وجل لنفسه وأثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة فمن بعدهم ونفي التكييف عنها لا سيما في مسألة العلو وفي هذه المسألة مسألة القرآن وتكليم الله تعالى موسى لأنها أول ما جحده الزنادقة قبحهم الله تعالى: وفي ذكر من سمينا كفاية ومن لم نسم منهم أضعاف ذلك ولم يختلف منهم اثنان في أن القرآن كلام الله تعالى: ليس بمخلوق من الله بدأ وإليه يعود, وتقلدوا كفر من قال بخلق القرآن ومنعوا الصلاة خلفه وأفتوا بضرب عنقه وبتحريم ميراثه على المسلمين وحرموا ذبيحته وجزموا بأنها ذبيحة مرتد لا تحل للمسلمين فانظر أيها المنصف أقوالهم ثم اعرضها على نصوص الكتاب والسنة هل تجدهم حادوا عنها قيد شبر أو قدموا عليها قول أحد من الناس كائنا من كان حاشا وكلا معاذ الله بل بها اقتدوا ومنها تضلعوا وبنورها استضاءوا وإياها اتبعوا فهداهم الله بذلك لما اختلفت فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ..