مشاكل زواج الأقارب ، اضرار زواج الأقارب


زواج الأقارب.. بين الواقع الطبي والديني
لاشك أن الزواج هو أسمى الروابط الإنسانية التي سنتها الأديان السماوية وصدقت عليها الأعراف ونظمتها لتتفق مع الفطرة، وكغيره من أمور الحياة يحتاج الزواج إلى التدقيق والتفكير ووضع الأسس السليمة التي تستقيم بها هذه الشركة، حتى لا تشكل مصدر تعاسة أو ضرر لأطرافها. ومن هنا يكون الاهتمام أولاً بالاختيار المناسب الذي يتطلب مراعاة عدة نقاط: منها الدين والخلق والتكافؤ الاجتماعي،
وأهمهم التوافق الطبي الذي لم يكن له اهتمام كبير في الماضي مع أنه يؤثر على استقرار الحياة الزوجية وسلامة إنجاب الأطفال وخاصةً عند التفكير في زواج الأقارب الذي يعد السبب الأول لتخلّف الأبناء، وإصابة المواليد بتشوهات جسدية وعقلية. ويساهم الزواج بين الأقارب في زيادة احتمال ظهور العيوب والأمراض الوراثيّة التي تحملها صفات متنحّية عند الأجيال، وذلك لأنّ احتمال وجود الصّفة المرضيّة لدى كلا الأبوين وارد وكبير لصلة القرابة الموجودة بينهما .

وترجع أهمية هذا الموضوع إلى أن زواج الأقارب مفضل في بعض المجتمعات وخاصة الشرقية، وذلك لأسباب كثيرة منها الرغبة في الاحتفاظ بالثروة داخل الأسرة، وصغر السن عند الزواج، وقد تحتم بعض العادات والتقاليد في بعض القبائل العربية ألا تتزوج البنت إلا ابن عمها.

ويعتبر قرار زواج الأقارب من أهم القرارات في حياة كل شاب وفتاة، وإذا أحسن كلاهما اتخاذ القرار يكون قد نجح في تحقيق حياة أسرية سعيدة بقية عمره وإنجاب أطفال أصحاء يتمتعون بالعافية والذكاء،
فمثلما يورّث الآباء أبنائهم الصفات الوراثيّة العاديّة مثل لون العينين أو شكل شحمة الأذن، فإنّهم يورّثونهم أيضاً صفات مرضيّة تسبّب إصابتهم بعيوب وعاهات وأمراض وراثيّة.

ويمكن توضيح الأساس العلمي من المنظور الطبي لمعرفة كيفية انتقال الأمراض الوراثية من الآباء إلى الذرية، فبحسب مصادر طبية متخصصة تتكون منطقة الرحم من أمشاج الذكر والأنثى، وتحمل تلك الأمشاج العوامل الوراثية من كل من الأب والأم، وهكذا تنتقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء والأحفاد إلى ما شاء الله، وكل ذلك في نظام متقن بديع يدل على قدرة الخالق البارئ المصور تبارك وتعالي.

وتكون العوامل الوراثية في معظمها إما "سائدة أو متنحية"، فالعامل الوراثي السائد هو من له القدرة على الظهور والتعبير عن نفسه، بينما لا يستطيع العامل الوراثى المتنحى ذلك إلا إذا اجتمع مع عامل وراثى متنح مماثل تماماً، حينئذ تظهر الصفة الوراثية التي يحملانها معاً، وبوجود العوامل الوراثية السائدة والمتنحية التي تحمل الصفات الوراثية، تظهر تلك الصفات في الأبناء، فمنهم من يشبه الأم، ومنهم من يشبه الأب أو العم أو الخال .

ومن هنا نشأت قاعدتان من قواعد علم الوراثة تشير إلى أن معاني الأحاديث الشريفة الواردة في الأثر الإسلامي عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مثل الحديث القائل : "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، و"اغتربوا لا تضووا"، يعني أي تزوجوا الأغراب حتى لا تضعف الذرية.

ولكن ليس معنى ذلك أن نلقى المسئولية على زواج الأقارب في حدوث الأمراض الوراثية أو الإعاقات والعيوب الخلقية وإنما هناك عوامل أخرى قد تدخل طرفاً في هذه المشكلة، فزواج الأقارب يعطي الفرصة لزيادة الأمراض الوراثية في الذرية " ليس قولاً صحيحاً في كل الأحوال .. قد يكون صحيحاً في حالات معينة، وبالتالي لا ينبغي أن يكون قانوناً عاماً أو قاعدة عامة".

وهناك بعض الحقائق الأساسية في هذا الموضوع : * زيادة نسبة ظهور الأمراض الوراثية في الذرية الناتجة من العوامل الوراثية المتنحية من كلا الأبوين ليست معتمدة على زواج الأقارب في كل الأحوال ولكنها تعتمد أساساً على مدى انتشار العامل الوراثي المرضي المتنحي بين أفراد المجتمع ككل.
فظهور بعض الأمراض الوراثية في الذرية في المجتمعات التي تنتشر بين أفرادها العوامل الوراثية المرضية المتنحية انتشاراً نحو 1 :8 تتساوي نسبة ظهورها في الذرية في زواج الأقارب وزواج الأبعاد على حد سواء .
وهناك فرض آخر، إذا كانت نسبة انتشار العامل الوراثي المرضي المتنحي في المجتمع أكثر من 12 % وكانت أسرة في هذا المجتمع نقية وراثياًُ في هذه الحالة فإن الزواج بين الأقارب في هذه الأسرة أفضل كثيراً وأكثر ضماناً من زواج الأبعاد.